في المدينة الهرمة - فدوى طوقان

في المدينة الهرمة
(رحلة التداعي في هذه القصيدة
تجري بين شارع وكسفورد في لندن
وسوق العطارين في نابلس. الرحلة
تبدأ عند إشارة الضوء الأحمر وتنتهي
عند إشارة الضوء الأخضر).
 
 
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
والأرصفة
مع الناس، يجرفني مدَّها البشري،
أموج مع الموج فيها، على السطح ابقى
بغير تماس
ويكتسح المدُّ هذي الشوارع والأرصفه
وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ، تموج
على السطح، يقطن فيها اليباس، وتبقى
بغير تماس.
هنا الإقتراب بغير اقتراب
هنا اللاّ حضور حضورٌ، ولا شيء إلاَّ
حضور الغياب
.................
..................
ويحمرُّ ضوء الإشارة والمد يرتد
تعود الخفافيش للذاكره
ونصف مزنجرة تعبر السوق، أفسح
فيه مكاناً لتعبر، إنِّي تعلّمت
ألاَّ أعرقل خطَّ المرور...
وعن ظهر قلب حفظت دروس
نظام المرور...
هنا كان سوق النخاسة، باعوا هنا
والدي وأهلي (1)
فقد جاء وقتٌ سمعنا الذي منع
الرقَّ والبيع نادى على الحر: من يشتري! (2)
وهذي أنا اليوم جزء من الصفقة
الرابحة
أمارس حمل الخطيئة، معصيتي أنني
وتسمع في الحلم زمجرة الريح بين المعابر
تقول لسجّانها: لا أصدق، كيف
أصدّق من جاء من صلبهم؟
تظلون يا حارسي أنبياء الكذب (2)
وتقبع في ظلمة السجن تحلم
يظللها الشجر المنتصب
وتفُرحها غابةٌ في البعيد تصلصل
عجائز انكلترا المحبطون وضباطها
الآفلون مع الشمس "غرب السويس"
ترى من سيزرعها شجرة الغد
لهذا البلد؟
شباب الهيبيز....
لاذع أنت لاذع
ويجتازنا سيلهم وهو يجرف تربة لندن
ونسمع صوت انهياراتها
على وقت دقّات "بج بن"
..........................
هنالك في العطفة الجانبية حانوت خمر
وفي النزل ذوقٌ وتدفئة مركزية..
سدى ما تحاول
(وتعبر سيدة لندنيه
تحاصرني وحدتي
كلنا في حصار التوحد
وحيدون نحن، نمارس لعبة هذي الحياه
وحيدين، نحزن نألم نشقى وحيدين
نموت وحيدين.
وحيداً تظل ولو حضنتك مئات النساء
وتلقفنا في المدينة هذي الشوارع
والأرصفة
مع الناس، يجرفنا مدُّها البشري
نموج مع الموج فيها،
نظل على السطح فيها،
بغير تماس.
............................
.............................
.............................
© 2024 - موقع الشعر