هو وهي

لـ فدوى طوقان، ، في غير مُحدد

هو وهي - فدوى طوقان

هي والمصباح والليل وأحلام هواها
هي تلك الذرّة الحيرى التي تاهت خطاها

في قفار الزمن الجبار، في لا منتهاها
ذرّة ضاعت فما تعرف في الون اتجاها

هي والمصباح، مصباح عتيق نصف موقد
شاحب الضوء من الجوع، على الليل مسهد

مدّ في المخدع طرفاً
راعش النظرة مجهد

كلما أنّتْ على النافذة الريح تنهّد
هي والمصباح والليل رفيق الحائرين

فيلسوف الزمن الوامي تحاريب القرون
لفها تحت جناحيه برفق وسكون

واحتواها ابنة أشواق وفنّ وشجون
لم تزل غائبة تصغي إلى صوت فريد

صوته النفاذ يسترسل في نبر شديد
ضم سرّ الأبد الخافي، حوى لغز الوجود

وطوى الآماد يدعوها لمجهول بعيد:
أنا من يناديك هل تسمعيني

أنا من رماني عليك القدر
طويت حياتك نفساً تلوب

وروحاً محيّرة تنتظر
وكنت بقلبك لم تعرفيني

سوى حلم في الضباب اغتمر
تحسبينني ظمأ في وجودك

شوقاً إلى مبهم منتظر
وكم هفّ حولك منِّي عبير

وكم ضمّ حلمك منِّي صور
وها أنا يا ليل ها أنا جئت

كياناً تجسّد، روحاً حضر
أجيبي ندائي أنا من يريدك

جسماً وروحاً، خيالاً وشعر
أنا فافهميني، اسمعيني، أجيبي

حرارة صوتي بصوت أحرّ
قرأتك يا ليل شعراً تفجّر

ناراً مدوّمة زافرة
فأدركت أيّة روح جموح

وراء أناشيدك الهادره
تحدّيت مجتمعاً زائفاً

يمثّل اكذوبة ماكره
فضيلته خدعة ضخمة

وتقواه شعوذة فاجره
خرجت على الناس يا ليلُ نفساً

كما هي عارية سافره
فلم تُلبسيها ثياب النفاق

ولم تخدعي نفسك الطاهره
وكنت كما أنتِ، بنت الطبيعة

كنت حقيقتك الباهره
فأحببت صدقك يا ليلُ في شعرك..

الحيّ، في روحه الفائره
وأقبل يوم رأيتك فيه

يظلل وجهك لون الألم
بأمواج عينيك تدنو وتبعد

أصداء لحن حزين النغم
فأحسست جذباً غريباً اليك

يشدّ كياني روحاً ودم
ومرّ بقلبي نداء العناصر

في خطفة عبرت كالحلم
بأن المقادير قد وضعتني

أمامك
يا ليل هذا قسم:

سيهواك قلبي، سيهواك ما
تنفي عرق به واضطرم

هوى سوف يرويه جيل لجيل
قصائد حب تحدّى العدم

الا فاعلمي الآن انك لي، لي
لأنانيتي، لهواي العَرِم

...............................
وقفت وارتفقت نافذة غرقى بأنفاس القمر

وعلى أهدابها رفات حلمٍ مستمر
كامنٍ يرسب في أعماقها

جائع يقتات من أشواقها
وأطلّت والدجى المقمر غاشٍ صمته

لم يكن في قلبها ينبض إلا صوته
كانت الدنيا بعينيها نداءً يترامى

فيه من رقة انداء السماء
فيه من دفء قلوب الشعراء

وأطلّت وبعينيها مع الحلم ظلال
تتكسّر

لجواب لاهثٍ يطفو على وعي مخدّر:
خذني بعيداً، انطلق بي على

أجنحة الأشواق، خذني إلى
ركن من الدنيا وراء البعيد

خذني إلى ركنٍ من الأرض
لم تنطلق في جوه الفضّيّ

هذي الظلال السود من حولي
ركن نقيّ الأفق لا تحبو

للآدميين عليه ظلال
سكانه الطير وانفاسه

النور والسلام والحبّ
ملوّن حرّ كدنيا الخيال

خذني إلى ركن من الأرض
لم يمش فيه شبح البغض

لا أعين بسمتها تنضح
فيه ولا ألسنةٌ تجرح

هناك في الصفاء تبني لنا
يد الهوى منزلا

مثل عشاش الطير ثرّ الغنى
ينهل من جدراته الضوء

والعطر والدفء
خذني بعيداً انطلق بي إلى

ركن من الدنيا وراء البعيد
.................................

وأتاه صوتها النابض باشوق بنجوى حبه
ينشر الفرحه يلقي نورها في قلبه

وانثنى منفعلاً جذلان مهتزاً بأفراح هواه
ينشد الدنيا على قيثارة لحن الهوى لحن الحياه

ومضى مسترسلاً عبر صحارى
وجبال وفضاء

ضارعاً يسألها في نبرة ملهوفة هذا الرجاء:
أجلسي ليلى إلى مرآتك الآن وشعري

في يديك
اقرأيه واشعري بي

اشعري يا ليل بالقلب الذي يصرخ:
ظمآن إليك

قلب فنان غريب
أشعري بالوهج اللافح يسري في سطوري

من شعوري
فإذا أبصرت لون الورد في خديك مرّ

من حياء وخفر
فاعلمي أن بأعماقك أعلى خمره

بين خموري
لم أزل أنشدها منذ بعيد

خمرة يسأل عنها ألمي
خمرة يطلبها روحي الظمي

ليل، يا كرمتي الخضراء، يا كنزي الوحيد
ليل، يستحلفك القلب الشريد

بالحنان الثرّ، بالرحمة فيك
رحمة الأنثى التي في قلبك الخصب الفريد

احفظي خمرتك العذراء حتى نلتقي
أحفظيها لي، فقد أفرغت كأسي

وستبقى أبدأ فارغة
في انتظارك

أنا مهما رمت الأقدار بي حائلةً
دون مزارك

فهنا مل شعوري مل حسي
أملٌ يحيا معي، تحياه نفسي

أملٌ يهتف بي أنك لي
يا أملي

..............................
وهنا اعتنق الروحان في سكر غريب لغريبه

هي في (جرزيم) تقصيها النوى وهو (بطيبه)
وعلى حلم الفراديس البعيده

خلف أسوار السماء
وهناك

في روءى حلمهما رفّت غلالات صباح لؤلؤيّ
وبدا عشّ على تفاحةٍ خلف سياج ذهبيّ

عند ينبوع ضياء
طفقا بالظنّ والوهم يعبّان رحيقه

ويغيبان مع السكرة في دنيا سحيقه
............................................

-2-
مرّ عامان وما زال الهوى حلماً غريب

يصل اثنين على نأي، حبيباً بحبيب
المدى أقصاهما جسمين لا يلتقيان

والهوى ضمّهما روحين في كل مكان
وأخيراً جمعت بينهما قوة حبّ لا تلين

قوة أقوى من البعد وجدران السجون
تحطم الأقفال والأبواب، تلوي القيود

تغلب السجان، تدني نحوها كل بعيد
لم تكن لقياهما في الشطّ وهماً وخيال

لم تكن لقياهما رؤيا على أفق الليال
ها هما الآن على النهر الكبير الخالد

شاعران اعتنقا واتحدا في واحد
..................................

وفي غبطة سمّرت مقلتيها
على وجهه الصارم الاسمر

وقال وفي همسه رفّة
الهناء وهف الغرام الطري:

أحقاً سخا باللقاء الزمان
أحقاً نحن هنا جنباً لجنب!

وراح يمرّ يداً تتندّى
على خدّها بافتتان وحبّ

وعانق فيها اشتعال الشباب
وعانق فيها اضطرام الحياه

ونيسان حولهما يتنفّس
في الشطّ عطراً نموماً شذاه

وقد سكنت في المكان الظلال
واضطجعت فوق مهد الضياء

وأغفت دروب الحداق في الشمس
ناعمة، وارتخت في انتشاء

وكان هنالك برعمُ زهرٍ
يفتّح قرّت عليه فراشه

ومدّت عليه جناحين تعرو
سكونهما رجفة وارتعاشه

مشاهد حين استراحت عليها
عيون الحبيبين عبر الضياء

بدت لهما صورة لتفتّح
نفسيهما للهوى والهناء

.............................
رجعت ترنو إلى وجه فتاها الشاعر

كان في الوجه الرقيق الضامر
طائف من ألم حيّ ومن حزن بعيد

قنّعته الكبرياء
في تحدٍ وإباء

وكسته قسوة الصخر العنيد
والجبين العربي المتعالي

حفرت كف النضال
فوقه قصة عمرٍ عاصفٍ جهم الظلال

جامح خشن، جريْ كالرياح
دوّمت فيه أعاصير الكفاح

قصة نارية الأحرف شعثاء السطور
يتوارى تحتها ينبوع شعر وشعور

ورأت في شعره الجهد تهاويل غريبه
غابة صامتة، غامضة الجو كئيبه

لوّحتها الريح والشمس على صحراء (طيبه)
رآها تحدّق في وجهه

وقد رسمت مقلتاها سؤال
أحسّ به، فمضى بانفعال

يفض صحائف أيامه
وينفض عالم أحلامه

ويكشف بين يديها زوايا
حياة متوجه بالنضال

حياة تعمقها التجربه
ويخصبها الفن والموهبه:

هو- : حياتي يا ليل قصة كدحخ
طويل أسلحه بالجلد

فلستن كمن ولدوا في مهاد-
الحرير وفوق أكف الرغد

أتيت الحياة فقيرا ورحت
طريدا على نارها احترق

وأركض فوق رغيفي وقوتي
وفوق جبيني الضنى والعرق

وكان لي الفن والشعر صوتا
يجلجل في ثورة لا تلين

على الغاصبين حقوق الفقير
على السارقين جني الكادحين

وفتحت عيني على أمة
نمتني وفي عمقها الف نير

تناضل رغم قيود الجديد
لآجل الحياة لآجل المصير

فكنت ابن جيل حبا فوق أرض
يخضبها كل يوم شهيد

ضحايا يعب دماها الطغاة
ويروي بها الحاكمون العبيد

وقمت اثور على الثائرين
لآحطم نيل عبودتي

وارخص تحت عجاج الكفاح
دمائي من أجل حريتي

وحاربت يا ليل، حاربت من أجل
حرية الوطن العربي

وهذي جراحي فلسطين تعلم
كيف سقتها بكأس روي

سأبقى أكافح صلب الجناح
بوجه الحياة جرئ القدم

وان حطمتني الحياة بحسبي
اني صمدت فلم أنهزم

حياتي قصة جبل شقي
وعي ذاتي فهو ما يأتلي

يكافح مثلي لآجل الخلاص
ويرنو إلى عالم أفضل

وطغى بينهما صمت عميق مفعم
وهي في استغراقها يجتاحها موج شعور أبكم

فيه ألوان من الرحمة والعشق وتقديس البطوله
فيه إحساس العباده

والتقت عيناهما في نظرة دامعة جذلي طويله
حين مرت يحنو راحتاها

فوق جرح كم تمن لو يداه
لفتا في ساحة الحرب ضماده

مر حين، ثم رفت بسؤال شفتاها
همسته في حياء:

هي-: عرفت النساء وليمة لهو
أعدت لآشباع جوع الجسد

كرعت هواهن خمرا رخيصا
وأدمنتهن شرابا فسد

ولكن روحي ظل يحوم
بعيدا كطير أضاع ربوعه

فما كان يا ليل حبة بر
هناك لديهن تشبع جوعه

وما زال يقطع أيامه
على ظمأ في هجير الحياه

يهيم يتيما بقفز سحيق
المجاهل، ليس يرى منتهاه

ألى أن طلعت على الآفق روحا
غريبا كغربته الحائره

فكنت له الخمر والزاد والنور
وابلواحة الخصبة الباهرة

ورحت، وأنت خيال بعيد
وشعر اراه بمرأة نفسي

فجسدت روحك في لوحة
ولونته بشعوري وحسي

سكبت بعينيك حزني وأسقيت
خديك من فرحي المفعم

وفي شفتيك صببت حنيني
ورويت لونهما من دمي

ستأتي سنون وتمضي سنون
ونطوى مع الآعصر البائده

ووجهك يا ليل باق يرف
مدى الدهر في لوحتي الخاله

لقد كنت أول حب نقي
لقلبي ومطهر ماض ضرير

على عتبات هواك غسلت
خطاياي في ندم مستجير

وما كان يملآ غربة روحي
ويرضىي هواي الكبير الطموح

سوى أن تكوني لقلبي وحبي
بكل كيانك وجسما وروح

تتم حياتك لحن حياتي
فقد كنت نغمته الضائعه

وان نحن متنا احتوتنا الدهور
أنشودة فذة رائعة

لقد جمع الشعر ما بيننا
ولاقبى به كل روح قرينه

وكان الهوى وطناً في حماه
الأمين عرفنا الرضى والسكينة

فيا ليل عيشي معي قاسميني
حياتي، فنحن هنا توأمان

كلانا يلجلج عبر زحام
الوجود وحيداً غريب المكان

كان في نبرته صدق وإحساس مليء
عبّ منه قلبها دفئاً ربيعياً مضيء

واستفاضت في حديث عاشق عيناهما
لغة صامتة تفهمها روحاهما

فترة، ثم طواها في جناحيه وأدناها إليه
واستكانت نفسها في راحة بين يديه

وترامى صوتها في سمعه همساً نديّ النبرات:
هي: أنت تحيا العمر في ملحمة صاخبة أما حياتي..

هو: حدثيني ليلى فما زال في عمرك شيء
ملفع تكتمينه

إن في شعرك الجرئ ظلالاً
كمنت خلفها شجون دفينه

كم تساءلت كلما حركت قلبي أصداء
شعرك المحزونه

ما الذي لفّ بالكآبة أيامك مال سرّك الذي
تطوينه

حدثيني ليلى..
هي: حياتي يا عباس حلم

مروّع الأشباح
حلم أطبقت عليّ به جدران سجن

داجٍ رهيب النواحي
عشت فيه مخنوقة الروح ظمأى

لندى الفجر، للشذى، للنور
الهواء الثقيل يكتم أنفاسي وقيدي

يغل دفق شعوري
كلما ضقت بالظلام وبالكبت تلفتّ

مثل طير مكبّل
علّ فجر الخلاص يلمح، لا شيء سوى الليل

ليل سجني المقفل
وإذا انشقّ باب سجني أطلّت

منه عينا وحش رهيب كبير
هو جلادي اللئيم ربيب الحقد

والعنف والأذى والشرور
مستبد بالحكم، يسكره الشرّ

وتعذيب كل روح ضعيفه
كان لي من شذوذه كلّ يوم

محنةٌ سلطت علي مخيفه
ولقد كنت انزوي والأسى يطحن

نفسي الطموحة المخذولة
ووراء الجدران تصخب دنيا الأنطلاقات

والحياة الجميله
الحياة التي بمل اندفاعات خطاها

تسير نشوى غنيّه
لا تبالي بنا، تسير ولا تثني خطاها

مأساتنا الفرديه..
وتعلمت كيف تختلط الثورة والبغض

في دم المظلوم
وبأعماقي التربّص يخفيه هدوئي

في صمته المسموم
أرقب اللحظة التي كم تطلعت إليها

في شوقي المكبوح
لحظة العتق والفرار إلى آفاق حريتي

ودنيا طموحي
هو: وعرفت الهوى بسجنك؟

هي: لم لا
ولقد كان رحمة لحياتي

أيّ سجنٍ لا يقحم الحب يا عباس
أبواب سوره المغلقات

كان لي الحب مهرباً احتمي فيه
إليه أفرّ من مأساتي

كان دنيا في أفقها الرحب أسترجع حريتي
أحقق ذاتي

يا لقلبي المتوتور كم رنّحته
نشوة الانتقام من جلادي

وأنا في مشاعر الحب غرقى
وهو خلف الابواب بالمرصاد

أبوسع السجون خنق الاحاسيس
وقتل الحياة في الاعماق

من يصد الشلال عن سيره الكاسح
عن اندفاعه الدفاق

هو-: عثا..
هي-: وانطلقت أودع شعري

خلجاتي الحرى ونبض شعوري
وأغني الحياة أشواق روحي

من وراء الآغلال من تحت نيري
أتحدى السجان، أسخر بالعرف

بما شادت التقاليد حولي
من جدار ضخم مضت أغنياتي

تتخطاه في تحد مثلي
كم فتاة رأت بشعري انتفاضات

رؤاها الحبيسة المكتومه
كان شعري مراه كل فتاة

وأد الظلم روحها المحرومه
هو-: سوف لا تعرف الخاوف والالام دربا

إلى حياتك ليلى
سوف تنسينها، ستنزاح عن عمرك

تلك الآشباح ظلا فظلا
فيرف الهناء حولك في غشي

وتهفو روح الهوى والحنان
وتغنين للصفا، لنور الفجر

للحب، للرضى، للآمان
وسنمضي معا، ضياؤك يهدي

خطواتي إلى طريق صعودي
وحناني يسقيك من نبهه الثر كحبي

هي-: عباس
هو-: كل وجودي

سوف ألقيه في يديك، حياتي ومصيره
هي-: عباس حسبك حسبي

هو-: ليلى ماذا أرى بعينيك، دمع
فيم تبكين

هي-: لست أدري، بقلي
ندم حارق أحس به يأكل به ياكل قلبي

يمر طعم هنائي
يا حبيبي تراك تغفر لي حبا بريئا

ثوى رفات وروائي
هو-: ليل لا تحزني، ألم تغفري لي

لن تكوني يا ليل أسمح مني
أمس متنا فيه ومات ونحن اليوم

نحيا بعثا جديد اللون
حبنا الحب، كل حب سواه

كان وهما يطوف في قلبينا
نحن كنا من قبل نبحث عنا

في سوانا يا ليل حتى التقينا
اضحكي ليلى

ن اضحكي لي.وأهوت.
شفتاه على ندى جفنيها

في هوى تمسحان اخر ظل
مده أمسها على مقلتيها

© 2024 - موقع الشعر