قصة موعد

لـ فدوى طوقان، ، في غير مُحدد

قصة موعد - فدوى طوقان

هنا في جوانحي الخافقة
هنا ملء مهجتي العاشقة

نما أمل العمر يا شاعري
تغذّيه لهفي الحارقة

وترويه أشواقي الدافقة
وراحت مع الأمل المسعد

ترفً بقلبي رؤى الموعد
وحلم اللقا، لقاء الغد

وكنت أقول لقلبي اللهيف:
رويدك يا قلب، ماذا دهاك

رويدك، أي جنون عراك
وأي اصطخاب وأي اندفاع

كأنك مستقتل في عراك
تصارع فيه انتظار السنين!

رويدك زعزعت صدري الضعيف
بهذا الخفوق القوي العنيف

بهذا الوثوب، بهذا الصراع
وكنت أقول لأشواقه:

تحملت دهرًا عذاب الفراق
وأنت على ظمأ واحتراق

فما بالك اليوم لا تصبرين
فما وقف الفلك الدائر

ولا اليوم ليس له آخر
مساء ويمضي ويأتي الغد

وفي الغد يجمعنا الموعد
ونلقاه، أوّاه كم تهدرين

رويدك عصفت بإضلاعيه
وقطعت أنفاسي الواهيه

ورحت بأشواقي الجامحات
أشق السحاب وأطوي السما

ورائي تموت ليالي العذاب
أمامي ترفّ مجالي الهناء

ونفسي سكرى بحلم اللقا
تشعشع من فرح باللقاء

فكنت أحس بها تتألق في روعةٍ .. في سنى.. في بهاء..
تذرّ على الكون أنوارها

وتغمره ببحار الضياء..
فما كنت أعلم هل أنا ذاتي، أم أنا نجم يجوب الفضاء!!

أفي الحب قوة خلق تحيل نفوس المحبين كيف تشاء؟
ترى ما الهوى؟ أهو روح الحياة؟ ترى ما الهوى؟ أهو سر البقاء

أتعرف ما هو؟ قل لي، لا، لا تقل لي وداع سره في انطواء
فسحر الهوى هو هذا الغموض وسحر الهوى هو هذا الخفاء

كفاني بأن الهوى قد أحال فراغ حياتي غنى وامتلاء
وإني وإياك قصة حب

يخلدها الشعر رغم الفنا!
وكان الغد الحلو يا شاعري

تنسمت في جوّه الناضر
شذى الموعد المقبل الساحر

وقلبي في نزق ثائر
يعد خطى الزمن السائر

ويرقص في خفة الطائر..
وأقبلت.. روح هوى خافقاً

يلاقيه درب ويطويه درب
أحث خطاي وملء كياني

رؤى لاهثات وشعر وحبُ
وهل أنا إلاّ خيال يشب

وهل أنا إلا شعور وقلب!!
وكان يصور قلبي اللقاء

وما سيجي.. وما سيكون!
وكيف ستلقى العيون العيون

وكيف سيصرخ فيها الندماء
نداء الحنين.. بداء السنين

فنخنقه تحت خفض الجفون
وكيف سترجف أشواقنا

وكيف سترعش كف بكف
وقلبي وقلبك متهنقان

على راحتينا بشوف ولهف!!
طيرين راحا معاً يلهثان انبهار، وفرط اختلاج ورفّ

فيا لخيالات حرمانيه!
ويا لخرافة ميعاديه!

فما كنت أعلم يا شاعري
بأن يد القدر الحانية

تلوح لي برؤى المستحيل
وتصنع منهنّ حلمي الجميل

لتحكم ضربتها القاسيه
وتلهوا بمأساتي الدامية..

فها أنا بالدار، ماذا؟ فراغ يمد ووحشة صمت كئيب
وقفل ثقيل، يعض على الباب كالوحش، أبكم لا يستجيب

تمثل لي قدراً راصداً يحدّجني بجمود رهيب
تراجعت، أين أنا؟ أين أنت؟ فواحيرتي في المكان الغريب

ويا صعقة الروح؛ ماذا؟ ضللت طريقي، وغمت علي الدروب
فما كانت الدرب درب اللقاء ولا كانت الدار دار الحبيب!

وأحسست في أفق روحي ظلاماً وأحسست في غور قلبي دويّا
دوي فراديس حلم اللقاء تنهار فيه وتهوي هويا!!

وأطرقت.. يعقد يأسي المرير سحابة دمعٍ على مقلتيا
....................................................

هناك على شاطئ كم حواك
وكم ضم من ذكريات هواك

تململ قلبي فوق الرمال
يعانق ذرّاتها في ابتهال

واجهشت في ولهٍ ضارع
وقد بتّ من يأسي الفاجع

ومن غربة الدار في شقوتين
ولم أدر كيف، ولم أدر أين

أفتش عن عالمي الضاع!!
هنا وانتهت قصة الموعد

ولا شيء من أملي في يدي
سوى غصص اليقظة القاسية

تبدد أحلام أشواقيه
وتنقض وحشيه ضاريه

على قلبي التائه المجهد!!
© 2024 - موقع الشعر