الشاعرة والفراشة - فدوى طوقان

هناك فوق الربوة العالية
هناك في الأصال الساجيه

فتاة أحلام خيالية
تسبح في أجوائها النائية

الصمت والظل وأفكارها
رفاقها، والسرحة الحانية

حياتها قصيدة فذّة
منبعها الحس ونيرانه

وحلم محير تائه
من قلق اللهة ألوانه...

حياتها بحر نأى غوره
وإن بدت للعين شطآنه

رنت فتاة الشعر مأخوذة
بصور الطبيعة الخالبه

والأفق الغربي تطفو به
ألوانه الوردية اللأهبه

كأنه أرض خرافية
هوت إليها شمسه الغاربه

ودت وفيها لهف كاسح
لو تأخذ الكون إلى صدرها

تحضنه وتشبع الروح من
آياته الكبرى ومن سحرها

تعانق الأرض.. تضم السما
تقبّل الغيوم في سيرها

ودفعت بعينها في المدى
تنهبه بالنظرة الواغله

ما أجمل الوجود! واستغرقت
في نشوة فائضة شامله

تلتهم الكون بإحساسها
بقلبها، بروحها الذّاهله

ما أجمل الوجود!! لكنها
أيقظها من حلو أحساسها

فراشة تجدّلت في الثرى
تودعه آخر أنفاسها

تموت في صمت كأن لم تفض
مسارح الروض بأعراسها

دنت إليها وانثنت فوقها
ترفعها مشفقة حانية:

أختاه، ماذا؟ هل جفاك الندى
فمتّ في أيامك الزاهية؟

هل صد عنك الزهر؟ هل ضيعت
هواك أنسام الربى اللاهيه؟

كم شعلت روحك حمّى الصبي
وأنت سكرى بالشذى والرضاب

طافرة بين رياض الهوى
راقصة فوق الربى والهضاب

توشوشين الزهر حتى يرى
منفعلاً من هذيان الشباب

كم بلبل بالورد ذي صبوة
ألهبت فيه الغيرة الساعرة

كم زنبق عانقته كم شذى
روّيت منه روحكم الفائره

فأين منك الآن دنيا الهوى
وأين أحلام الهوى الساحره!!

ماذا؟ تموتين؟ فواحسرتا
على عروس الروض بنت الربيع

أهكذا في فوران الصبي
يطويك إعصار الفناء المريع

وحيدة، لا شيّعتك الربى
ولا بكى الروض بقلب صديع

اختاه لا تأسي فهذي أنا
أبكيك بالشعر الحنون الرقيق

قد أنطوي مثلك منسية
لا صاحب يذكرني أو رفيق

أواه: ما أقصى الردى ينتهي
بنا إلى كهف الفناء السحيق!

واضطربت اعماقها مثلما
دوّم إعصارُ بقلب الخضم

وانتفضت مذعورة في أسى
وارتعدت مرعوبة في ألم..

فلم يكن يصدم أحلامها
إلا رؤى الموت وطيف العدم

وحدّقت في غير شيء وقد
حوّمت الأشباح في رأسها

ولا صور الوجود خلابة
تبتعث النشوة في نفسها

ولا رؤى الخيال رفّافة
تخدّر المحموم من هجسها

ودفق الليل كبحر طغى
فانحدرت تحت عباب المساء

تخبط في الدرب وقد غمغمت
شاخصة المقلة نحو السماء:

يا مبدع الوجود، لو صنته
من عبث الموت وطيش الفناء

عناوين مشابه

مريم الصايغ
مريم الصايغ
مريم الصايغ
مريم الصايغ
مريم الصايغ
© 2024 - موقع الشعر