الدين الحنيف - ابراهيم ادهم الزهاوي

أَلا نكِّبوا عن طريق مخوفْ
أَتاكم من اللَّه دين حنيفْ

يبلغه بلسان الخلود
رسول على الدهر حَي شريف

أَضاءَ بمبعثه الكائنات
فليس على رشدها من سجوف

وأَعظم آياته أَنه
بكل سميع رحيم روؤُف

أَغر صنائعه مثله
مسلّمة شمسها من كسوف

يدل بها الدهر رب الفخار
بكل تليد نجيب الطريف

أَباح له الفخر دون العباد
إِله أَباح الغنى للعفيف

ولولا مآثر أَسلافه
لضاق ذراعاً برشد الخلوف

لقد أَرسل اللَّه من هاشم
رسولاً بمحيا الورى والحتوف

فأَبقى على عدلهم عدله
وقوّم معوجَّهم بالسيوف

دعا للمليك بدين الملوك
إلا بهارجها والزيوف

فعزَّ به للمهيض الجناح
وجبره بالفؤاد الحصيف

ورب أَمير على دهره
وما عنده لعشاءٍ رغيف

وإِن المخاوف مثل الذباب
تخلص منهن قلب نظيف

هو الدين دين قريب بعيد
تحير في قدسه الفيلسوف

يشابه في هديه الكائنات
وإن كان رب المقام المنيف

تباشر في نظمها (...)
مباشرة أَيمت بالأَليف

وليس السماحة من خلقها
وإن ظهرت في الصموت الطفيف

ورب أَمين على نفسه
من البغى أَودى بأَخذ ثقيف

يتابع في سيره سيرها
ويلقى وظيفاً مكان الوظيف

يؤَدب تأَديبها الزائفين
كلا الحاكمين لطيف عنيف

هو المجتنى السهل لكنه
على الجاهلين بعيد القطوف

يجلى به القلب أَحزانه
إِذا فاجأَته بريح عصوف

ويصحو وقد تركته الهمو
م سكران من غير خمر نزيف

ولو لم يكن (...) العالمون
عليه لأَخنت عليه الصروف

ولم نر في فعال الورى
يعد الثقيل ويحضى الخفيف

وإن التعارف من دينها
القديم ومن صلوات الصفوف

وإن التناكر (...)
القوى سيرسى بدين ضعيف

كلا الخلقين جمال الحياة
أَضرت به مقل لا تشوف

فأَصبح خلقاً ولكنه
للاعب في أهله الخندريف

فينكر معروفه للبيب
ويعرف منكوره للسخيف

تفاقم في زمن المصطفى ال
فساد فليس له من عيوف

سوى نفر ذهبت ريحه
فليس لها في الدنا من حفيف

تعاور قرصيه في الخافقين
كل الكسوف وكل الخسوف

وأَصبح توحيده بدعة
تثلث رب السماءَ اللطيف

لئن فرقت بينهم في السما
لقد جمعت بين تلك الصنوف

وطال أَذاها على العالمين
فنال الأُلوف بإِثر الألوف

فلم ينج منه شياه الغناءِ
ولم ينج منه ليوث الغريف

إِذا قام داع إِلى ربه
أَقيمت له جمعات تخيف

وما فترت في زمان الرسو
ل إلا بطغيان حكم عسوف

فأَضحى وأَضحى له العالمو
ن أَوراق دوح رماها الخريف

فأُوه لجيل غدت كأَسه
تدور عليهم بسم مدوف

فكم عنده من يد آمنت
لمبعث غوث المضاع اللهيف

ومن عنده للهدى جنة
سقاها الرضا بفرات وكوف

فتهدى له ولها المبطلين
بلمَّاع برق جميل خطوف

أَقام بمكة يدعو الطغا
ة ويلقى أَذاها بقلبٍ عطوف

يكاد من الحزن يلقى الردى
بآثار هلكى العمى والعزوف

أَذلاءَ للبطل لكنهم
على كلم الحق شم الأُنوف

أَتاهم بأَوسع من دهرهم
هدىً فأَتوه بدين نحيف

تقاليد ضاقت بإِسلامهم
فما تتمشى بغير الوقوف

لقد مزقتهم نيوب الخلا
ف وما تركت لهم من حليف

فكل مكان به حرة
من الرأَى اسقط عنها النصيف

تفاخر ساداتهم بالذي
تبين في نقده كل زيف

وقادهم لحياض الردى
طوال الهوادى بأَشطان ليف

ولما دعاهم أَبو قاسم
تولوا إلى نقرة بالدفوف

وأَعجزهم بكلام عظيم
فلم يعجزوا عن جواب عجيف

إِذا لم يراع امرؤ قدره
تكلم لغواً بغير الحروف

وقام به وقد أشبعت
نهاه دلائل كذب العجوف

لقد آذن المصطفى قومه
فأعذر قطانهم والضيوف

وعى ما يقول ذوو المرهفات
وما جهلته ذوات الشنوف

ومحضهم نصحه كله
وكان عليهم حزيناً أَسيف

ولم يستبح حربهم للهلاك
ولكن دعته إِليها الظروف

ومن أَين ينهض بالعالمين
فتى لا يشل دعاة العكوف

وكيف ينكب عن هجرهم
وكأس المنايا عليه تطوف

تلقى أَذاها بثبت الجنان
وظِل الإِله عليه وريف

بماضي العزائم في النائبات
بغير المهيمن لا يستضيف

ولما أَناف على فتحهم
أَناف من الفخر طلقاً أنوف

فما يزدهي بالخميس الثقيل
ولا ينتشي بالصياح الهتوف

هو الفتح يبسم عنه الدنا
وتعلمه ما له من وقوف

لقد صام منه زمان الفتوح
صياماً لدى اللَّه نكر الخلوف

علام إِذن طال ضرب الرقاب
وطعن رؤوس القنا المستجيف

فللناس عض الطوى منهما
وللوحش عيش رغيد ...

وما كل أَمجد منه بديل
ولا كل مجد إِليه رصيف

فهذا الذي ملكوت السماءِ
تجلى به مشرفي الصليف

غدا كل يوم لأَيامه
وإِن طال صيتاً كيوم الخسيف

على أَجلّ بنى آدم
سوى الأنبياءِ الكرام السلوف

وشيخى تقى لهما في الزمان
مرد زميل المنى والرجيف

وأَشيب كل الهدى عنده
أَخِي النيرات علىً أَو ينوف

وعماله ملء هذا الزَّمان
وكل زمان فأَين العروف

فمن عهد آدم رب الكمال
إِلى الآن ما شتّ ذاك اللفيف

إذا ما انبرى غرض الناقدين
فكل فؤاد عليهم أَسيف

ومن مثل عثمان بين الملوك
أَقضى جزاه النوى والصدوف

يضحى به وله رحمة
على الخلق ليس لها من صنوف

توطد فيه حديد الفتوح
بمد الثغور وقطع الكفوف

نتاجك يا مفخر الكائنات
وهل ينتج العرف إلا العريف

ولولا نقاك وأَمثالها
لما أَمسك اللَّه عنها الرجيف

ليهنك أَن النهى كلها
تمجد منك الدليل العروف

ومن كله خلقٌ كامل
على كل خلق منيف ينيف

تلهى بنو اللهو في لهوهم
فسمُّوا مرائيهم يالظريف

وفاتهم نهجك المستقيم
فلم تجدهم وقفة أَو دلوف

وما عندهم من شعاع الهدى
سوى صورة الشمس ذات الكسوف

فتحتاج للضوءِ في ذرها
سخاماً تخال بها أَن يطيف

فضائلهم غائر فضلها
بكل مكان كبئر نزوف

وأَحكامهم نافذ حكمها
بسهم من الجور جار سكوف

عصافيرها واحدها في الأَمان
إِلى ساحة الظلم نسر دلوف

(....) أَعيادهم للفساد
لعادية ما عليها شفوف

فتباً وقبحاً لتلك الوجوه
أما تتقي مسخها والخسوف

أَلم تر ما تركت في البلاد
صلافاتها من ظلام كثيف

وزلزلت الحرب عمرانها
وأَبقت لها ذكريات تخيف

وهل عندها عن سؤال النهى
جواب حكيم ورأْى حصيف

وما تخطىءُ الناس أَهدافها
وأَحمدها قولها والنجيف

محمد من في العلى والدنا
زعيم لأَبطالها بالزفيف

© 2024 - موقع الشعر