ما زال يسكنني الجنون - فاديا غيبور

الآنَ تشتَجِرُ الرؤى ويسوطني تعبٌ تجذَّر في دمي
مذ أينعَتْ بين الأصابعِ وردةُ الشعرِ العنيدة
الآنَ أدرك أنني
أخرجْتُ وجهكَ من جنون النبض
من وجعِ القصيدةْ...
فإلامَ ترحلُ هائماً بين المرايا والظلال
وبين أسئلةٍ جديدة؟!
أحببتني؟!
من قالَ: قد أحببتني؟!
أحببت نفسكَ في دفاترِ لهفتي
وبحثْتَ عن حلم انعتاقِكَ من قيودِكَ
يومَ أعلنتُ انعتاقي من قيودي
وأنا التي ما كنتُ فاكهة الفصولِ
ولستُ فاتحةُ الوعودِ
أنثى أنا..
مسكونةٌ بهواجسي
من شهقةِ الغاباتِ أطلقني المدى
وحنا عليَّ السنديانُ
فضمّني عمراً إلى أسمائِهِ
آنَ ارتقى بي نحو إيناعِ السنابلِ
وهي تبتكرُ الخصوبةَ
بين أفياءِ الصنوبرِ.. ثمَّ تمضي
كي تسافرَ في النشيدِ
ما كنتُ غانيةً بقصرٍ قرب دجلة
ترصدُ الأبوابَ
كي تحظى بهرونِ الرشيدِ
كم من شهريارٍ مرَّ في حلمي
وأعياهُ ازدحامُ مواسمي
بشذا القرنفلِ والورودِ
وانداحَ مثلَ سحابةٍ عبرَتْ
ورشّتْ عطرَها الضّاري على شفةِ الرّعودِ
أنثى أنا..
من أرجوانِ الأرضِ بعضُ توهُّجي،
ودمي أكاليلُ الشهادةِ والشّهيدِ
من خضرةِ الصفصافِ، من عبقِ البنفسجِ
وهو يرحلُ منْ حنينِ أصابعي الظمأى إلى
مطرِ التّولهِ في وريدي
ما خنتُ يوماً نجمة من ياسمينِ طفولتي
لم أقترفُ يوماً سوى حلمٍ قليلْ
أبعِدْ رياحَكَ عن مدايَ المستحيلْ
أبعِدْ رياحَكَ عن مواقيتِ اقترابي
مِنْ صدى النهرِ النحيلْ
سيظلُّ يذكرُ قاسيونُ
تدفُّقَ الرُّؤيا على الجسرِ القديمِ
وغابتينِ منَ العيونِ
تسافرانِ إلى نهاياتِ الدّموعِ
وعاشقينِ
توسّدا صمتَ الصّخورِ
على رصيفِ الليلِ
وابتكرَا مداراً مُخملياً للجنونْ
وتظلُّ تذكرُ شرفةٌ مفتوحةٌ
نحو الجهاتِ جميعِها
أنّي انزرعْتُ بظلِّ نبضِكَ طفلةً
وبحثتُ عن زمنٍ رحيمٍ
كي يلوذ بهِ جبيني
عن تورُّدِ ضحكتينِ على ذرا ليلٍ
دمشقيِّ التأرُّجِ والفتونْ
وأظلُّ أذكُرُ أنني في نارِ حبِّكَ وحدَهُ
أدركتُ معنى أنْ أحبَّ وأن أكونْ
ويطوفُ بي قمرُ صغيرٌ شاحبٌ
وقصيدةٌ ما عشتُها
إلا لتورِقَ في هواكَ مطالعُ الرُّمانِ
في زمنٍ قديمٍ..
كنتُ أسكنُهُ لأجلكَ..
أقطِفُ الكلماتِ فاكهةً مُحرَّمةً
وأنثرُها على بوابةِ الأيامِ
تجمعُها حكاياتُ البيوتِ الدَّافئاتِ
فنبتدي شوقاً جديداً...
تزهِرُ الأقلامُ..
تخضَلُّ الأصابعُ وهي ترسمُ وردةً
وضفيرتينِ لموعدٍ
كان الزَّمانَ المشتهى
كان الحياةَ.. فما انتهى
سأمرُّ قربَ النهرِ أنذرُ دمعتينِ
وبعضَ أشجارِ الحنينْ..
ما زالَ يسكنني المكانُ النَّهرُ،
وادي الذكرياتِ
تأرُّجُ المطرِ الدفيءِ
على مفارقِ قاسيونْ
ما زالَ يسكنُّني النَّدى والياسمينْ
ما زالَ يسكنُّني الجنونْ
ما زالَ يسكنُّني الجنونْ
ما زالَ يسكنُّني الجنونْ
© 2024 - موقع الشعر