أوراقُ امرأة - فاديا غيبور

-1-
 
لماذا تدقُّ سمائي بقبضةِ شوقٍ وتمضي
لتعلنَ أنك تبرأُ مني
وأنك لن تستحيلَ زماناً لحزني
تمهّلْ قليلاً
فمازلتُ أرسمُ وجهَكَ فوق حدودِ المرايا
وأعلنُ أني
خرجْتُ من البوحِ حتى حدودِ الصّراخْ
مللْتُ امتدادَك فيَّ سراباً
تأبطْتُ مرثيتينِ من الأقحوانِ
وصبراً جميلاً على نزفِ قلبي
فهلا احتملْتَ بقايا غنائي
وهلا ادْرأتَ رماحَ القبيلهْ
وأطفأتَ نارَ اقترافي حماقةَ حبي لعينيكَ
إثمَ انتشاري بروحِكَ يومَ اتكأتَ على حدِّ جرحي
وأدمنْتَ لونَ النخيلِ المعلَّق رملاً بصدري
فكنتَ القتيلَ.. وكنتُ القتيلهْ!...
فسبِّحْ بهذا البهيِّ الشهيِّ الترابْ
وسمِّ احتضارَكَ بعثاً
أسمِّ احتضاري عبوراً
إلى صرخةِ الطعنةِ القادمهْ
 
-2-
 
أتبرأْ مني؟!
وكيفَ أترجمُ إيقاعَ صوتِكَ حين يمرُّ على ضفّةِ الروحِ
كيفَ أبيحُ لنارِ دمي أن تعرِّشَ فوق جبالِ الغيومِ
وأن تنحني لجهاتِ رياحِكَ
يا أيّها المرتقي شامخاً جُرْحَهُ المستحيلْ؟!
تقرَّ دمائي على وشمِ كفيك ناراً
ودعني ألملمُ عن صدرِ هذه الجبالِ تشرُّدَ غيمي
وأمطرْ ثوانيكَ خصباً
يليقُ بمن علَّقَ البرتقالَ على شجرِ القلبِ تعويذةً
أو... كتاباً يصوغُ بداياتِ فصلِ الحجرْ
أتبرأُ مني؟!
وماذا تقولُ الرسائلُ يومَ يمرُّ عليكَ بريدُ الدماءِ
ويومَ يكوكبُكَ الليلُ وجهاً مضيئاً
تعدُّ السيوفَ المواضي وتلوي الأعنّة
تسائلُكَ النسوةُ القادماتُ منَ الأرضِ والحزنِ
عمَنْ سيحملُ أغمادَها والأسنّة؟
ومنذا يغني:
(فلسطينُ نادتْ فلبوا الندا
إلى الحربِ هيا جيوش الفدا )
ومنذ اسيحذفُ من مفرداتِ القواميسِ
كانوا... وكنَّهْ؟!!!
 
-3-
أهزُّ سريرَ الطفولةِ..
يا للسريرِ ا لوثيرِ
ويا لاحتراقي وقد حاصروني
لئلا أقولَ:
السماءُ رمادية والبنفسجُ أسودْ
وموتي – انكفاءً - قريبٌ
تهاويتُ..
لمّا تغادرْ دمي الصرخاتُ
شددتُ عليها القيودَ.. شددتُ
أشدُّ.. شددتُ
أشدُّ.. شددتُ
فلم أبتعدْ عن صداها..
دمٌ في دمي يبدأْ الآنَ ترحالهُ متعباً
وحلمُ هواكَ الوحيدُ عصيٌّ
فدعني أمرِّغُ روحي على عشبِ صدرِكَ
دعني أعودُ إليكَ سنابلَ قمحٍ..
وروداً.. دماءً.. عبيرْ..
وماذا سأحملُ للمتعبينَ إذا ما رجعْتُ
وما عدتُ أملكُ نهراً
على راحتيه أطيرْ؟!
ألا ليتني لم أكنْ غيرَ أمي
تغني لأطفالِها كي يناموا
ومثلَ الحكاياتِ..
تمضي إلى حتفِها في سريرِ العدالة
تغني لها أمُّها مرَّةً.. مرَّتينِ
فتغمضُ أجفانَ أحزانِها و.. تنامُ
طويلاً.. تنامْ
تمنيتُ لو أنني كنتُ أمي
ولكنني.. لا أنامْ!
 
-4-
 
تناثرْتَ خمسينَ حزناً ولمّا تمتْ
تغربْتَ خمسينَ أرضاً ولمّا تمُتْ
وما أكثرَ الموتَ.. ما أكثرَ الموتَ والحزنَ
والنادباتِ.. اليتامى.. الأيامى
وما أكثرَ الخائفينَ من الموتِ، ثمَّ اختيارٌ
لموتٍ جميلٍ.. جميلْ
وثمَّ اختيارٌ لموتٍ هزيلٍ
فماذا ستختارُ.. ماذا ستختارُ يومَ ينادى:
أما من رجالٍ.. أما مِن نشامى؟!
أما من رجالٍ.. أما من نشامى؟!
أما مِنْ..؟
أم.. ا.. ا.. اا؟
© 2024 - موقع الشعر