" الصعود إلى الهاوية - عبدالرحمن عمار

" الصعود إلى الهاوية
 
 
النفطُ ينهضُ من عميقِ الأرضِ
فوّاراً
يحاكي الصمتَ في ليلِ الخليجْ
ويهلُّ في الصحراءِ أغنيةً مجنحةً..
هديلَ يمامةٍ بيضاءَ.
يبعثُ في مدى الآفاقِ
رائحةَ الأريجْ
وتدور في الأذاهانِ عذبُ مشاعرٍ
تلدُ الأماني الغافياتِ
وتنثني نحو العيونِ الواجفاتِ
وشوقِها الصافي الحنونِ.
" تبارك الرحمن..
 
مانسي العبادَ
فجودُهُ يمشي إلى راحاتنا "
قالت جياعُ الأرضِ
وانتظرتْ
تلوّن في أماسيها
حكايات السنابل والنضوجْ
***
النفطُ ينهض غارساً راياته
فيضاً من الأسرارِ
عند مفارقِ الطرقاتِ.
فاستهوتْ منابتُها خطى الغرباءِ.
قرشُ البحرِ تستهويِهِ
رائحةُ الدمِ المسفوحِ
من بُعدٍ بعيدٍ
دون أن يدري مكاناً للفريسةِ
لا يضلُّ طريقَهُ أبداً
كذاك النفطُ ينهُض
ثم تختلطُ الشعوبُ بخيرها وشرورها
وتمدُّ اسبابَ الغوايةِ
صوبَ كثبانِ الرمالِ
وتزرع الأشواكَ في عمقِ الصدورِ
وتعتلي الصهواتِ آمرةً.
ولم تغفلْ أياديها اللعوبةُ
عن مفاتيحِ الخزائنِ والدروجْ
وتجرُّ ناصيةَ الزمانِ
مع المكانِ وأهلهِ،
فتصير سنبلةُ الجياع
بوعدِها الميمونِ مبهمةَ الخطوطْ
وألو الأوامرِ في بلادِ اللهِ
والنفطِ المعتّقِ
يقتنون لذائذَ الدنيا بلا شبعٍ
ويسترخون كالجَيفِ الطريحةِ
بين أروقة الملاهي
والبروجْ.
ينسون مسألةَ البلاد
وصوتَها الذاوي
وأسماءَ الأماكن
والجدودِ
ووعدِهها الآتي،
ولا يدرون من أمرِ الحياةِ
سواكَ يارفعَ السياطِ وهزَّها
وسوى منادمةِ العواهرِ
والغطيطْ.
وتروحُ سنبلةُ الجياعِ
تلوبُ..
تسأل عن مراسيلِ الهوى
من غير أن تلقى سوى خيباتِها.
والنفطُ من جهةٍ
يصيرُ منابعَ الأهوالِ
يدلقُ نارَه سيلاً جحيمياً
ويهدرُ جارفاً طوالَ البلادِ
وعرضَها.
ويصير من جهةٍ
كما النهرُ الوديعُ
يصبُ في سفنِ البحارِ
وينتهي عِقداً شهيَّ اللونِ
تلبسُهُ المدائنُ حول أطرافِ المحيطْ
***
" ياسامعين الصوت"
حمّلني الشراعُ سلامَه
وحنينَهُ
وتلا بصمتٍ قلبُهُ المحزونُ
فاتحةَ السورْ
وأوان حرّكتِ الدموعُ شغافهُ،
انطلقَ الشراعُ مهاجراً كالطيفِ
يرسمُ ما تخبئُهُ عوادي الدهرِ
في ليلِ القدرْ
فَرأَتْ عيوني
في الغدِ الآتي القمرْ
ينشقُّ في عليائِهِ،
نصفٌ يحاكي عارَه الأبديَّ
منطفئاً،
ونصفٌ صار شاهدة
على طللِ القبورِ
وفي لهيبِ النارِ يحترق المطرْ
سفرٌ .. سفرْ
حطَّ الغرابُ على الطريقِ
إلى هَجَرْ
"ياسامعين الصوت"
هل يمشي على الارض الشجْر..!؟
لا ترمقوني هكذا
ما جنّ صاحبُكم
ولا أغوتْهُ ساحرةٌ
ولا صوتي صدى لغوٍ
ولكني أرى شجراً
يسيرُ إلى البلادِ
فصَدّقوني
 
وأرى غرابَ البينِ
يبحثُ في دياجيرِ الليالي
عن عيوني
وبقيتُ التمسُ الرجاءَ
لعلّني..
ولعلَّهم
لكنهم ، ياديرتي، ما صدقوني
ومضوا إلى حيث الغوايةُ
ترتدي عُرْيَ الفتونِ
وتُركتُ منبوذاً
ومن أرقي على أغصان داليتي
تحرّقني شَجونَيْ
" ياديرتي مالِكْ علينا لومْ "
لومِكْ على من سامَر الأفعى
 
وأسلمَها مفاتيح الدخولِ
إلى يقيني
وأجازَ أن تضعَ البيوضَ
على فراشي
ثم تلعقَ من صحوني
وأنا المعلّقُ بالحبالِ
على الرمالِ
أمدُّ من جَزَعٍ لساني صارخاً
إبّان تنقصفُ السهامُ
على جبيني
فاجتازَ من عمقِ الدهورِ
هتاف أفئدةٍ
تراءت عند ذاكرتي
فعانقها حنيني
وعلا الحنينُ
وفاضَ منبعُهُ
وشكلَّ جدولاً يجري
ويغسلُ باللهيب طِريقه الموصودَ
من زمنٍ
ويصنع من رمادِ الموتِ
ملحمةً
فطوبى للذي يسِعى
إلى نفضِ الغبارِ عن الصدورْ
طوبى لمن يمضي
يعمّرُ حلمَه
في خفقِ أجنحةِ الصقورْ
طوبى لمن هزّتْ مطارقُه
جدارِ الليلِ
فاختلجتْ خيوطُ الفجرِ
فوق الراحتينْ
طوبى لكلِ حكايةٍ تُروى
وينقلها إلى الأسماعِ
نخلُ الرافدينْ
© 2024 - موقع الشعر