دعوا الحجاب لنا - عبدالرحمن العشماوي

شكواكَ يا مُرهَفَ الإحساس شكوانا
فاسمحْ لقلبكَ أنْ يُصغي لنجوانا

وافتَحْ لنا من حنايا القلبِ مُغْلَقَها
فقد فتحنا لمن نهوى حنايانا

أُعيذ وجهَكَ أنْ تنساه ذاكرتي
وهل نُطيق لمن نهواه نِسيانا

أُعيذ قلبَكَ أنْ يشقى بلوعته
وأنْ يفجِّر فيه الحزنُ بُركانا

أُمدُدْ إليَّ يدَ الإخلاصِ في زَمَنٍ
قد صار فيه حليمُ العقل حَيْرانا

قُلْ للذين بنوا قصراً على جُرُفٍ:
مَنْ ذا يُقيم على الأوحالِ بُنيانا

وارفعْ بها صوتَكََ العالي يخالطه
صوتي، وصرخةُ حقٍ من صبايانا:

ندعو «فرنسا» و«أوروبا» وقبلَهما
ندعو قساوسةً فيهم ورُهبانا:

أما تخافون ربَّ العالمين، وقد
سُقْتُم إلى خندقِ التَّثليثِ رُومانا

دَعوا الحجابَ لنا، آياً مرتَّلةً
تُضيء روحاً وإحساساً ووجدانا

دعوا الحجاب لنا نوراً يُضيء لنا
دَرْبَ العفافِ ويُبدي وجهَ مَنْ خانا

دعوا الحجاب لنا عزَّاً ومكرمةً
دعوه نوراً من التقوى وبُرهانا

دَعوا الحجابَ امتثالاً نستلذُّ به
شكراً على نِعَم المولى وعِرفانا

دَعوه روضاً من الأخلاقِ مُزْدهراً
ومُزْنَةً أَنْعشتْ بالغيث بستانا

دعوه سَدَّاً أمام العابثين بما
يسمو به دينُنا طُهْراً وإحصانا

دعوا الحجابَ لنا حقاً ينزِّهنا
واستكملوا سيركم لهواً وعصيانا

صوغوا قوانينَكم وهماً يضلِّلكم
بها تطيعون في الأهواءِ شيطانا

وسافروا في دورب اللّهو واتخذوا
من النساءِ إلى إبليسَ قُرْبانا

سيحوا، وغوصوا، وذوبوا في رذائلكم
فنحن أثْبَتُ بالإسلام أركانا

يا من تَلَوْتُم أناجيلاً محرَّفةً
إنَّا تلونا بوحي الله قُرآنا

نصوص إنجيلكم، آياتُها كَشفتْ
برغم تحريفكم عن صدقِ دَعْوانا

هلاّ رجعتم إلى الحق الذي شهدِتْ
به أناجيلكم صدقاً وتبياناً

لو تنظرون بعين المنصفين، لَمَا
جُرتُم علينا، وهشَّمْتم مرايانا

للعنصريَّة وجهٌ ساء منظرُه
ثَغْراً قبيحاً هُلاميّاً وأجفانا

عُذْراً، فوالله إنَّا لا نريد لكم
إلاَّ صلاحاً وإصلاحاً وإحسانا

إنَّا لنلقى بأشذاء إبتسامتنا
وحبِّنا، كلَّ مَنْ بالحبِّ يلقانا

لكنَّكم قد رسمتم ألفَ دائرةٍ
مَلأْتموها لنا ظلماً، وعُدوانا

ما بالُ حرِّية الدِّين التي هتفَتْ
بها الهواتفُ، تغدو اليومَ بُهْتانا

مما بالُ باريسَ تنسى اليومَ ما رفعتْ
من الشِّعاراتِ أشكالاً وألوانا

حرّيةُ الرأي في ميزانها انقلبتْ
فأصبحتْ لكتابِ الظلم عنوانا

ما بالُ تَنويرها المزعومِ صار دُجَىً
يُخفي لصوصاً وأشباحاً وغِيلاَنا

يا بُؤْسَ ثورتها الكبرى قد انتحرتْ
بوهمها، ومحتْ بالظلم ما كانا

يا مَنْ ركبتم ظهور الوهم في غَلَسٍ
هذا هو الفجر جَلاَّكم وجلاَّنا

حرِّيَّةُ الدين، كنتم ترفعون بها
صوتاً، فكيف تلاشى صوتها الآنا

إنَّا نقول لكم، والليل ملتحفٌ
بوحشةٍ أشعلتْ للرعب نيرانا:

مَنْ كان مولاه شيطاناً يضلِّلُهُ
عن الطريق، فإ نَّ اللهَ مولانا

ومَنْ تهاوتْ به في الوَحْلِ غفلتُه
فإنَّ إسلامَنا بالوعي رقَّانا

ليلى، ولُبّنَى، وسُعْدى، والرَّبابُ، على
مِنْهاجِ خالقنا يُشْرِقْنَ إيمانا

فما لنا، ولمن يَمْشينَ في لُججٍ
من الضَّياع، ومَنْ يأخُذْنَ أخْدانا

نَهْرُ العَفافِ من القرآن مَنْبَعُه
لولاه لم تُوْرِفِ الأخلاقُ أغصانا

نهرٌ تدفَّق لم تَتْركْ روافدُه
جَدْباً، يُقنِّطُ في البيداء ظمآنا

في ديننا الخيرُ للدنيا وساكنها
ولم يَزَلْ لدُعاةِ العدلِ ميزانا

سلطانُه في قلوب الناسِ، مَنْشَؤُه
مِن صِدقِه، وكفى بالصدقِ سُلطانا

يا صرخةً خرجتْ من ثغرِ قافيتي
وسافرتْ في نواحي الكون ألحانا

مُدِّي نداءكِ فالآفاقُ مُصغيةٌ
وشَنِّفي بجميل القول آذانا

شَتَّانَ بينَ حجابٍ تَستضيءُ به
أُنثى، وبينَ ظلامِ العُرْيِ، شَتَّانا

© 2024 - موقع الشعر