عَوْدٌ حَمِيد وَمِيلادٌ جَدِيد

للكتاب: أشرف الصباغ،


  • عَوْدٌ حَمِيد وَمِيلادٌ جَدِيد.
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) .
    أَيَّامُ الخيْرِ تَحمِلُ فِي طَيَّاتِهَا الرَّحَمَاتِ، وَتَنْشُرُ بِنَفَحَاتِهَا البَرَكَاتِ، فَأَكْرِمْ بِمَوْسِمٍ هُوَ مَوْسِمُ الحَجِّ! بِبَهْجَةِ المُهَجِ قَدْ تَفَرَّدَ. وَتَضرَّجَ خَدُّ الوُجُودِ بِهِ وَتَوَرَّدَ، وَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ خَيْرِ الأَعْمَالِ فِيهِ، فَالذِّكْرُ خَيْرُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ فِي هَذِهِ الأيَّامِ الشَّرِيفَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ حِلْيَةٍ زَانَتْ أَفَاضِلَ النَّاسِ، وَخَيْرُ غَنِيمَةٍ تَعَجَّلَهَا أُولُو الحلْمِ فَأَيْقَظَ فِي نُفُوسِهِم الإِحْسَاسَ .
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) .
    جَعَلَ اللهُ فِي الذَّكْرِ مَا جَعَلَ مِنَ المِنَنِ، يَشْرَحُ الصَّدْرَ مِنَ الضَّرَرِ، وَيُطَمْئِنُ القلْبَ إِذَا مَا اسْتَبَدَّ بِهِ القَلَقُ وَوَثَبَ، وَيَسْتَقِرُّ مِنَ الحَالِ بِمَا يَصْلِحُ بِهِ المآلَ، فَهَلْ يَسْتَوِي مَنِ اسْتَقَامَ بِمَنَ مَالَ؟ هَذَا – وَاللهِ – فِي القِيَاس مُحَالٌ .
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) .
    إِذَا طَافَ بِالعَبْدِ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَعَرَضَ لَهُ عَارِضُ العِصْيَانِ، وَكَانَ فِيهِ هِمَّةٌ وَعِنْدَهُ شَجَاعَةٌ، وَلَدَيْهِ مِنَ الإِقْدَامِ فِي مُنَازَلَةِ الخنَّاسِ أَقْوَى الأَسْلِحَةِ، فَقَدْ أَحَرَزَ أَجْزَلَ بِضَاعَةٍ، فَيَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ عَلَى حَالَتَي الجدَّةِ وَالإِمْلاقِ، فَتَرَاهُ مُسْتَعِينًا بِاللهِ كَالطَّوْدِ الأَشَمِّ إِنْ وَسْوَاسُهُ عَنَا، وَيَلْزَمُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَيْأْنَسُ، فَيُوَلِّي الشَّيْطَانُ وَيَخْنَسُ، وَكَمْ أَعَزَّ اللهُ عَبْدًا بِالذِّكْرِ وَحَقَّقَ لَهُ الأَمَانَ مَدَى الزَّمَانِ وَالمُنَى.
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .
    مَعَ هِلالِ ذِي الحجَّةِ يَصْدَحُ فِي جَنَبَاتِ الكَوْنِ أَذَانٌ، رَفَعَهُ نَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُ – عَلَيْهِ السَّلامُ – خَلِيلُ الرَّحْمَنِ.
    فَأَجَابَ الدَّاعِيَ مَنْ أَجَابَ، فَتَابَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ مَنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُ فَثَبَّطَهُ عَنِ الخَيْرِ فَخَابَ؛ فَيُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِأُمُورٍ لَيْسَ لَها قِيمَة، وَيَنْغَمِسُ فَي أَغْوَارِ الهَزِيمَة، وَيَغُوصُ فِي فِتَنٍ لا تَزَالُ تَصْنَعُ لِلشُّرُورِ وَلِيمَة، فَقَعَدَ عَنْ سَبِيلِ النَّجَاةِ أَسِفًا، وَرَأَى مَوْتَ قَلْبِهِ بِعَيْنَيْهِ فِي الحَيَاةِ سَلَفًا.
    وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كُلَّمَا سَنَحَتْ لَهُ الفُرْصَةُ وَتَوَفَّرَتِ المؤُونَةُ يُقْعِدُهُ الشَّيْطَانُ وَيَمْنَعُه، وَيُكَابِدُهُ فِي أَمْرِهِ وَيَخْدَعُه، فَإِذَا أَرَادَ النُّهُوضَ لَمْ تَقُمْ لَهُ قَائِمَة، وَلا يَسْتَطِيعُ إِدْرَاكَ الخَيْرِ فِي مَوْسِمِهِ لِعِلَّةٍ لَهُ مُلازِمَة.
    وَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ رِحْلَةٍ يَرْحَلُ إِلَيْهَا العِبَادُ مِنْ أَقَاصِي البلِاد! فَطُوبَى لمنْ بَرَزَ فِي حَلَبَةِ السِّبَاقِ بِخَيْرِ زَادٍ لِلْمَعَاد، تُصَادِقُهُ هِمَّةٌ مِنْ سَحَاب، وَتُرَافِقُهُ دَفْعَةٌ مِنْ عُبَاب.
    وَمَا اغْبَرَّ وَجْهُ عَبْدٍ فِي طَاعَةٍ إِلا ازْدَادَ عِنْدَ رَبِّهِ حُسْنًا وَبَهَاءً، وَأَفْلَحَ بِمَا قَضَى فَرْضَهُ وَفَازَ مِنَ الأَجْرِ بِمَا فَاز، وَأَحْرَزَ فِيهِ قَصَبَ السَّبْقِ وَحَاز، فَمَلأَ قَلْبَهُ مِنْه، وَاجْتَهَدَ فِي طَلَبِ رِضَا رَبِّهِ عَنْه.
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) .
    مَا أَعْظَمَ مَشْهَدَهُ ! مَا أَجْمَلَ رُؤْيَتَهُ ! مَا أَكْرَمَ مَكَانَتَه !
    بَيْتُ اللهِِ، أَعْظَمُ بَيْتٍ فِيهِ هُدَاهَ.
    مَرْآهُ أَفْضَلُ مِنْ رُؤْيَةِ البَدْر، وَعَظَمَتُهُ تَمْلأُ الجَوَانِحَ وَالصَّدْر.
    يَقِفُ بِيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ فِي رِحَابِ بَيْتِهِ خَجِلا، وَقَلْبُهُ يَخْفِقُ مِنَ العِصْيَانِ وَجَلا.
  • قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ).
    تَلُوحُ الذِّكْرَيَاتُ بِالعِبر، وَتَبُوحُ المشَاهِدُ بِالخَبَر.
    وَيَفُوحُ فِي الأُفُقِ عِطْرُ مِيزَانِ يُسْرٍ بَيْنَ الحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ مَزَج، إِذَا سُئِلَ قَالَ: افْعَلْ فَلا إِثْمَ عَلَيْكَ وَلا حَرَج.
    إِنَّهَا ذِكْرَى تُهْدِي بُشْرَى: (رَجَعَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ).
    فَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ عَوْدٍ كَرِيم! فِيهِ قَنَاطِيرُ النَّعِيم، بِمَغْفِرَةٍ لِلذُّنُوبِ وَعِصْيَانٍ مَدِيد، فِيهِ مِيلادٌ جَدِيد، فَإِذَا عَاشَ بَعْدَهَا عَاشَ كَرِيمًا، وَإِذَا مَاتَ وَقْتَهَا مَاتَ سَلِيمًا، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الذُّنُوبِ مُعَافًى عِنْدَ لُزُومِ الدَّرْبِ، وُسُلُوكِ السَّبِيلِ عَلَى بَصِيرَة.
    فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ الحَيَاةُ وَالنُّشُور، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الأُمُور.
    اللَّهُمَّ اكْتُبْ لَنَا مِنْ هَذَا الخَيْرِ أَكْرَمَ حَظٍّ، وَأَوْفَرَ نَصِيبٍ.
    كتبه / أشرف الصباغ
© 2024 - موقع الشعر