طَوْقُ النجاة في الدعوةِ إلى الله

للكتاب: أشرف الصباغ،


** طَوْقُ النجاة في الدعوةِ إلى الله **
قال الله تباركت أسماؤه: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعليِّ بن أبي طالب يوم خيبر: ( ......... فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) .
للدعوة أنوار، يُهديها اللهُ عبادَه الأخيار، فهي مهمةُ الرسل، من دونِ عجزٍ أو كسل، فطوبى لمن رفع لها لواءً! وتحمل في سبيلها بلاءً، وحمل لها راية؛ ليحققَ بها أكرمَ غاية .
إنها الدعوة إلى الله .
سبحان الله! كشفت أسرارَها أنوارُها، وأزالَ غمامَ أخطارها جميلُ أجرِها، وعظيمُ فضلِها، وكريمُ آثارها .
وإن كنت باحثا، فلا تكن لاهثا، فالسبيلُ واضحة، وإنْ رَمَقَتْك عيونٌ قادحة، وألمَّت بك بلايا فادحة .
فلا تبحث في نفسك البعيدة، وأحلامك الشريدة، ومواقفك العنيدة، عن عملٍ يحققُ لك هذا الأجر، وبين يديك عملٌ بهذا القدر .
فكنْ للخلقِ مصدرَ طاقة، تُهدي إليهم كلَّ حينٍ إشراقة، فالنفوسُ إلى الخيرِ توَّاقةٌ مشتاقة، ولا تكنْ مصدرَ تسمُّمٍ في كل اجتماع، يعلو وجهَك في كل مجلسٍ قناع، وبضاعتك من الخيرِ مزجاة .
ثم اعلم ـ رحمك الله :
أن الدعوةَ إلى الله تستوجبُ أمورًا لازمة، من دونها ليس لها قيمةٌ قائمة :
فرأسُها علمٌ محمود .
وروحُها عملٌ مقصود .
وشعارُها دعوةٌ بخيرٍ معقود .
وقلبُها صبرٌ بلا حدود .
تلكَ أربعةٌ كاملة، لتحقيق الخير شاملة .
وهل ثمةَ دعوةٌ من دون أسوة ؟
لا .... والذي رقَّقَ القلوبَ بعد القسوة .
وأَرْسِلْ طرْفك في جموع الناس حولك، تأْنَسْ عجبًا .
تراهم متفاوتين في ذلك وهم على طبقات، فمنهم من تنسَّمَ رحيقَ درجاتِ الدعوة بفهم، ومنهم من استبدت به الدركات بألف سهمٍ ووهم، ومنهم بين هذا وذاك .
فتعلَّم كيف تتكلم، فإن العبارات القبيحة، تردُّ النصيحة، وتنشرُ الفضيحة، وتذبحُ الأفكارَ الصحيحة .
واعلم بأن الجُمَلَ المسمومة، توقظ الأحاسيسَ الموهومة، وتحيي الأفكارَ المهدومة .
والكلماتُ الملوثة، للضغينة مُورِثة .
والنظراتُ الجائلةُ جراثيمُ قاتلة، وآثارها ليست زائلة، وسهامها في حق من تدعوهم مصيبة من دون ريبة، تُضعفُ اهتمامهم، وتدمِّر استجابتهم، وتقتل همتهم، وتهدم جسورًا بناها غيرك ببذل جُهدٍ في صمت كل وقت، فإن فعلت فقد نَزَلَتْ بك علاماتُ المقت، فتكون يوم تكون شوكةً مؤلمة في جنب الدعوة، وقَذَىً في عيونها، حيث تغتال آفاقَ الخيرِ التي يغرسها دعاة الخير، فهل يصحُّ بعدُ أن تقول: لا ضيْر .
فانتبه لكلامك قبل أن ترسلَه، واهتمَّ بعملك قبل أن تنشرَه، فإنه يتركُ في النفوسِ أثرًا، تحصدُ ويحصدُ غيرُك من ورائه خيرًا يانعًا، أو شرًّا لاذعًا.
وإذا أردتَ من الخلقِ الطاعة، فاجعلْ لصدق القول، وصحة العملِ أكبرَ مساحةٍ متاحة .
وقد يغالبُ نورَ المسير، ظلامُ المصير، وذلك حين يقول قائل :
كيف السبيل ؟ فأهلُ الفضلِ يقتلون .......
اعلم ـ عافاك الله من براثن الشكوك .
أن أعداءَ دينِ الإسلام ـ من قديم ـ لا يدَّخرون في عداوتهم لهذا الدين شيئا، ولا يستظلون من هداه فَيئاوألقِ سمعك لقول ربك: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )، فهل تستقيم حال من إذا ناقشته في خير رده، وإذا نافسته في صالح أفسده؟ إلا أن يفتح الله مغاليق قلبه لدينه، ويشرح صدره لهدايته، أما من تجرَّد عن ساعد المؤاخذة، وأبرى السهام التي يظنها في الإسلام نافذة، فقد خاب سعيه، وضل وعيه، وحسبك قولُ محقِّ الحق، وخالق الخلق،: ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) .
ولا نبرحُ يحدُونا أملٌ بريقُه يلوح، أنْ يصبحَ الإسلامُ منهج حياة وأَكْرِمْ به مِنْ طموح! وجذوةً متَّقِدة توقظ الهمم، وتزكي النفوس، وتحيي القلوب، ودعوة مباركة يَعُمُّ بها الوعيُ جميعَ الخلق، فتعمرَ القلوبُ بأنوار الهداية .
وباب الدعوة إلى الله منذ فُتح لا يُغلق له مصراع، ولا ينعقد على حصر فضله إجماع امتناع .
قال الله تباركت أسماؤه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
والعاقلُ من يحذرُ على قلبِه وسطَ أمواجِ الاتهام، وإن تلاطمت وتراكمت على الإسلام، أنْ تَفْتِكَ به غَالةُ اليأس، ويتجرَّعَ مرارة البأس في كل كأس، فتقعَ نفسه في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، لمصيبة حلَّتْ، أو نكبة نزلتْ، أو كارثة على الصدرِ جثمتْ، فشرُّ الناسِ من انقطعَ في اللهِ رجاؤُه، واتسعت في رِكابِ اليأسِ أرجاؤُه .
** بقلم / أشرف الصباغ **

© 2024 - موقع الشعر