المقابر تتكلم 6 - العفو عند المقبرة! (إن تناقض أحوال الناس في الدنيا أمرٌ اعتدناه وألفناه! وهذه عادة ممقوتة استشرتْ في الآونة الأخيرة بشدة! وإن كانت في الأصل غابرة حاضرة ، فلقد كبر عليها الصغير وشاب عليها الكبير! ألا وهي أن أكثر الناس يذمّون فلاناً بغير حق طبعاً ، بل ويقاطعونه ويكرهونه وهو حي يُرزق! فيهضمون جميع حقوقه معنوية ومادية. ويجهرون بالسوء في حقه ، ويعادونه معاداة شديدة. فإذا مات خلعوا عليها ألقاب الصحابة والتابعين وتابعي التابعين! وأحبوه حباً جماً ، وعفوا عنه وسامحوه ، وراحوا يذكرون له مناقب إن بحق أو بغير حق ، ومضوا يبالغون في وصفه بصفات ربما ليست لأبي بكر وعمر ، وكأنه شخصية مختلفة عن التي كانت بينهم مهدرة الحقوق مهضومة الواجبات! ولولا أن النبي – صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن ابن آدم إذا مات انقطع عمله لقلت بأن هذا الميت كان قد عمل كل هذه الصالحات بعد وفاته! حتى إذا جيء بالطعام في مجلس عزائه راحوا يتندرون وينكتون ويطلبون ما لذ وطاب من اللحم والمرق والليمون والأرز والمعكرونة والخبز! ومن بين هؤلاء ربما أصدقاء له كان ينبغي أن تنخلع قلوبهم حُزناً على صديقهم ، ولو من الناحية الشكلي

© 2024 - موقع الشعر