هداديك يا عامرية! - أحمد علي سليمان

هَدادَيكِ كُفي الدَّمعَ ، واستدفِعي الأسى
وكوني بهذا الرُّزء مِن أشجع النسا

ألا وارحمي نفساً دَهتْها حُزونها
فكم ودَّعتْ بالأمس يا أختُ أنفسا

وأدري بأن الأمَّ رُوحٌ لبنتها
كأني بها جسمٌ بروح له اكتسى

وأوصيكِ بالصبر الجميل تعبُّداً
كفى باصطبار المرء في الكرب مُؤنِسا

ألا يا ابنة البدو المغاوير هوِّني
عليكِ استزيدي من مُناجاة يونُسا

حَنانيكِ إن الحزن كم يُوغِرُ الصِّبا
فيُمسي خواءً من قوى النفس مُفلسا

يَهيبُ العراقُ الشهمُ بابنة عامر
بأن تترك الوجدَ الذي في الحِمى جسا

عسى الله يُحذيكِ السكينة تجتني
عذابَ فؤادٍ لم يُطِقْ ضنكَه عسى

تهُزُ ثباتَ القلب سربلة الجوى
فكيف تلي قلباً على البأس أسِّسا؟

ولن تُرجعَ البأساءُ أمَّاً إذا قضتْ
ولا يُرجعُ الأحبابَ إنْ رحلوا أسى

وأذكرُ (أمي) يومَ أبلِغتُ فقدَها
بقِيتُ حزيناً طِيلة الصبح والمَسا

وسالتْ دموعُ العين تنعِي رحيلها
ودنيايَ أضحتْ نصبَ عينيَّ حندسا

وأطرقتُ لم أنطِقْ لِمَا حَلَّ كِلمة
كأن لساني آسفاً قد تيَبَّسا

فلمَّا قرأتُ البيت بيتكِ راعني
وأهدى يراعي مِن ضنى الوجد أكؤسا

لأكتب نصاً ينشدُ الرفقَ ، يَحتفي
بنفس تهاوتْ ، عزمُها ما تنفسا

تقولين: تبكين الأمومة فارقتْ
بنص وربي لم يَزُرْ قبل أرؤسا

ستبكين حتى ينفدَ الدمعُ كله
ومأتمُها قد حاز في الصدر مَجلسا

فقلتُ: لماذا تقتلُ الأختُ نفسها؟
وقلبي لِمَا يلقاه من شِدةٍ قسا

فهلا ملكتِ النفس يا ابنة عامر
لكي لا يبيت القلبُ بالوجد أتعسا؟

أقدِّرُ ما تَلقِين إذ عشتُ مِثله
وما كنتُ يوماً بعد (أمي) لأيأسا

بكيتُ عليها ، ثم أبَّنتُ دامعاً
قصيداً رقيقاً فاق تِبراً وسُندسا

فذي قرة العين ، الحياة بأسرها
وترجحُ ما قد شافتِ العينُ مِن نِسا

خِتاماً أعَزي مَن دَهى الرُّزءُ قلبَها
وليلُ مآسيها مِن الكَرب عَسعسا

وغارتْ نجومُ الليل ، وانجابَ نورُها
ومِن قبلُ كانت في سما الكون كُنسا

وأدعو إلهَ الناس دعوة مُحسن
فكنْ ربنا للأمِّ في القبر مُؤنسا

وثبِّتْ فؤادَ (العامرية) ، واهدِها
وأحرى بحزن أنْ يزول ويُدْرَسا

مناسبة القصيدة

هداديك يا عامرية! (تأثرتُ كثيراً بما حدث للشاعرة العامرية البدوية العراقية ، حيث إنها لما ابتُليتْ بفقد أمِّها أنشدتْ بيتاً من شِعرها هو السببُ المباشر في كتابتي هذه القصيدة على البحر الطويل! تقول:- سأبكيكِ حتى تُنفِدَ العينُ ماءَها وأنصبُ ما بين الضلوع مآتما! فكتبتُ لها أذكّرها بأن الصبر عند الصدمة الأولى ، وأخذتُ على يدها بصدق أن تتماسك وتتجلد وتصطبر ، وناشدتُها بأن تُخليَ عنها الوجدَ والأسى فإنهما يخترمان بأسَ النفس وثباتَ القلب! ومن يتصبرْ يُصبرْه الله تعالى! ومن هنا سطرتُ سِينيتي في مواساة شاعرتنا العامرية! عسى الله تعالى أن يرحم أمها وأمي على وجه الخصوص ، ويرحم أموات المسلمين الذين شهدوا له سبحانه وتعالى بالتوحيد وشهدوا لنبيه بالرسالة والنبوة وماتوا على ذلك على وجه العموم! كما وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا بأن يربط على قلب العامرية كما ربط على قلب أم موسى – رضي الله عنها ، وصلى وسلم وبارك على ابنها الكليم - ، وأن يتقبل هذا التأبين الشعري ، ويأجرني عليه ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن تقع حروفه وكلماته وأبياته على قلب العامرية برداً وسلاماً ، فتكون سبيلاً إلى تصبيرها وطريقاً إلى بذل السلوان بين يديها ، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر الوحيد عليه!)
© 2024 - موقع الشعر