(عُقبى حُب الظهور)! - أحمد علي سليمان

ما رَدَّ شيبٌ مُغرضاً أشِرا
بالسوء في أقواله جَهرا

حُبُّ الظهور الدَّهرَ قاتلهُ
يَختالُ زهواً مُعجَباً بطِرا

لم يَدر حجمَ النفس عن كَثبٍ
للشر عمداً نفسَه نذرا

والجهلُ نصبَ العين منتصبٌ
والحقدُ في ألفاظه استعرا

والطيشُ يُهدي قلبَه نزقاً
والغِلُّ يُزجي اللؤمَ والدبَرا

في العِلم لاحظ ، ولا نظرٌ
بل خبط عَشواءٍ وكَيلُ هُرا

يَصطادُ مِن طرح الألى اجتهدوا
لكنْ بجهل يُشبهُ الغجرا

إحساسُه بالنقص يقتله
حتى يُرَى للنفس مُنتصرا

يَلقى ذوي الإرشاد مُحتقِناً
والقلبُ مما عاينَ انفطرا

تسفيهُ من يلقاهُ مَطمحُه
حتى إذا ما سُفهَ ابتشرا

واعتادَ أن يَطغى بغِلظته
مستسخِراً يَستغفلُ البشرا

والناسُ - في هذا السجال - غدَوا
مما يُداجي - في المِرا - زمَرا

فالبعضُ يَستحْيِّي فيأسِرُه
شيبٌ غزا لم يَتركِ العُشُرا

والبعضُ يُرضيه تفضله
بالشيء ما - في باله - خطرا

والبعضُ عن جهل يُشجِّعه
فاغترَّ بالتشجيع ، وافتخرا

والبعضُ يُبدِيها مُجامله
تسبي النهى والسمعَ والبصرا

حتى أتتْ مِن ربه عِظة
تنسيقها يَستلفتُ النظرا

والسُّؤْلُ عن لام لعاقبةٍ
منها المزاجُ الهادئُ اعتكرا

إذ باءَ باستفزازه أشِرٌ
والشيخ لمَّا يُمهل الأشِرا

إذ عاب مُستلاً مُهندَهُ
أعطاه دَرساً بالغاً نضِرا

إذ قال: هل غِرٌ يُعَلمني؟
والغِرُّ – في إفلاسه - انصهرا

شيخٌ أنا ، في العِلم جُبتُ مَدىً
والعزمُ – في التحصيل – ما قصرا

في (الأزهر) الوضاء خندمتي
فيه استقيتُ العِلمَ والدُّررا

مَن أنت يا مُتعالماً جهلاً
في غيِّهِ مُستطرداً سَدَرا

كفكِفْ غروراً لست تُحسنُه
واصمُتْ ، وأقصرْ قد كفاك مِرا

مناسبة القصيدة

(اعتاد ذلك الأشيبُ على حُب الظهور بين الناس! وهو مرضٌ نفسيٌ يجعلُ صاحبَه يحب التميز والظهور على أكتاف الآخرين! كما يجعله يتصدرُ المجالس بحق أو بباطل! ولأن أشيب قصيدتنا لم يأخذ قسطاً من العِلم لا في المدارس والمعاهد والجامعات ، ولا على أيدي العلماء وطلبة العلم ، ولا من الكتب قراءة وبحثاً ودراسة على نسق التعليم الذاتي! فساعده جهله على حب الظهور! فكان يتصيد من كلام من يجالس من العلماء وطلبة العلم أية نادرةٍ في الحديث أو التفسير أو اللغة أو الإعراب ، ليقوم بامتحان من يجالس ، بهدف أن يُثبت للمحاور دونيته في العلم ، وأنه أعلم منه! ولما علم الناسُ عنه ذلك كانوا ثلاثة فرقاء: فريق يأخذه بظاهر أمره ، وفريق يصدقه بظاهر الكلام ، وفريق يتساهل ويسكت احتراماً للسن والعلم معاً ، وفريق يجادل ولكنه ينهزم في النهاية لغلبة الطيش والنزق والجهل! إلى أن أتى اليوم الذي لم يتوقعه الأشيب. ولم أتوقعه أنا كصاحب له! فكنتُ معه عند صديق هو إمام وخطيب تخرج في جامعة الأزهر ، وطبيعي أن يكون على درجة من العلم الشرعي بحكم التخصص على الأقل! ولكن هذا الصديق امتاز عن غيره من أصدقائي بالجُرأة في الحق! وبينما جلسنا ثلاثتنا نشرب الشاي في بيته ، فطرح الأشيب المريض بالعُجب وحُب الظهور سؤالاً على صديقي متحدياً إياه قائلاً: عندي سؤال أتحداك إن عرفت جوابه! فقال صديقي: ولماذا التحدي ، اسأل سؤالك فإن عرفت أجبتك ، وإن لم أعرف أجبته وعلمتني ، وكفى الله المؤمنين القتال! فقال الأشيب: (ما نوع اللام في قوله تعالى: (فالتقطه آلُ فرعون ليكون لهم عَدُواً وحزناً)؟! فقال صديقي بلا روية: (لام التعليل)!
© 2024 - موقع الشعر