شكرٌ أتى متأخراً! - أحمد علي سليمان

شَغلتْنِي الظروفُ يا عبقرية
دون قصدٍ عن رَدِّ أسمى تحية

كُنتِ رِدْئي في غربةٍ سَربلتْني
واحترَقتُ بالصحبة العُنصرية

غدَرَ الصحبُ الظالمون انتقاماً
واستثاروا حَمية الجاهلية

وانطلقتُ في التيه وحدي شريداً
وإذا بالخذلان يَغشى البقية

واغترابي عاينتُ فيه بَلاءً
نالَ مِن تصميمي وروحي الأبية

وابتُلِيتُ بالخذل مِن كل صِنفٍ
إذ عَدِمتُ في صُحبتي الأريحية

غلبوا أهواءً تروحُ وتغدو
واستجابوا للطيش والعَنجهية

لم أصَدِّقْ لغوَ الوشاة عليهم
قلتُ: صحبي ذوي نفوس وفية

واستبنتُ الأقوالَ عَمَّتْ وطمَّتْ
فاستبانتْ مَشاهدُ المَسرحية

وتلاقى الكيدان: كيدُ الندامى
بانتقام الشقيق ، كنتُ الضحية

أين يا أصحابي الدروسُ تولتْ
والقِراءاتُ بعد كل عَشِية؟

أين ولتْ مَواعِظ وفتاوى
والنقاشاتُ حول كل قضِية؟

أين (فتحُ المجيد) يَهدي قلوباً
للتسامي عن الدروب الغوية؟

أين آيٌ تُتْلى لتُخرجَ قوماً
مِن ضَلال لهَدْي رب البرية؟

والتواصِي بالحق أين تولى؟
أمْ دعاوى بَكْريَّة تغلِبية؟

والتواصِي بالصبر أين تولى؟
أمْ وصايا شَكلية مَظهرية؟

وسِنيُّ البلاء طالتْ علينا
والشِّمَاتُ أغرَى فِئاماً شقية

يَشهدُ المولى بالإهانات تترى
في دِيار تأوي إلى العُنصُرية

واحتسينا كأسَ المَذلة جَبراً
وسِوانا كانت له الأولوية

بعد أن هُنا ، واحتوتْنا المآسي
وافتقدْنا تكريمَنا والهوية

وامتُهنا في كل صُقع ووَادٍ
وقلتْنا بين الورى الأكثرية

واصطبرنا عقدَين في شر حال
في ظروفٍ سادت بها الفوضوية

ثم لاحتْ لنا سَلِيلة عِز
بنتُ مجدٍ لها العطاءُ سَجية

أكرمتْنا بين الأنام احتساباً
وببذل الخيرات كانت حَرية

ساقها ربُّ الناس غوثاً مُغِيثاً
ثم كانت في بذلها عبقرية

ولديها دَسَّ الدهاقينُ زيفاً
يُفسِدون بالزور أنقى طوية

فانبرتْ للأوغاد تُبطِلُ سِحراً
ثم خلف الستار وَصَّتْ وَصِية

قالتِ: اصبرْ صبراً جميلاً ، وأحسنْ
ثم أخلِصْ جهداً وسَعياً ونِية

لنْ تُمَسَّ يوماً بأي اعتداءٍ
لكن احذرْ بطشَ الأيادي الخفِية

أنت مَحشومٌ ليس يرميك رام
مَن رَماك يُرمى بذات الرَّمِية

وانتصرتُ عقداً على كل قهر
والجميعُ قالوا: ليَ الأفضلية

وانظلقتُ دَهراً أطوِّرُ نفسي
كي أراها في شُغلها ألمعية

وارتآني الجميعُ بَدراً منيراً
ذا إباءٍ وهمةٍ عنترية

ما ارتضيتُ دَنِية في اعتقادي
والذليلُ في الدِّين يَرضى الدَّنية

عِشتُ حُراً في جاه ربي عزيزاً
ثم أستقوي بعده بأخية

لم تُهِنِّي ، وما ارتضتْ لي هواناً
تلك كانت فيها – وربي – مَزية

والتحايا منها أتتْني مِراراً
صانَ ربي أخلاقها اليَعرُبية

والهدايا جاءتْ تُؤلفُ قلباً
وتُسَلي نفساً طوتْها الرَّزية

ولها أهديتُ القصائدَ نشوى
إذ لها نفسٌ فذة شاعرية

ما ضَننتُ بالشعر أهديه رَداً
لجميل أراهُ أحلى عَطِية

ثم خِلتُ الديوانَ يَحكي صَداها
أو يردُّ على الحَصان التحية

أو يَشيدُ بالمجد أهدتْه طوعاً
أو يُناغي المُجاملاتِ الندية

أو بشيئ مِن الأهازيج يُطري
ذات فضل تُطلُّ مِن مَشربية

ليت شِعري الديوانُ أغضى حَياءً
إذ خلا مِن أمداح تلك الحَيية

ثم جاءتْ هذي القصيدةُ دَيناً
واجباً قطعياً قبيلَ المنية

ربِّ أصلح شأنَ التي أكرمتْني
ربِّ واجعلها عَفة وتقِية

ربِّ واغفرْ ذنوبَها ، وارض عنها
لا تُمِتْها إلا بحال رضية

أنتَ أدرى بما أقالتْه عني
مِن بَلاءاتٍ في اغترابي عَتِية

ربِّ واقبلْ شِعري الذي صُغتُ عنها
مُستعيناً بالله رَبِّ البَرية

مناسبة القصيدة

(إحدى ربَّات الفضل والجود والعطاء ، كانت قد نفع الله بها أحد الشعراء منفعة لا تصفها كلمات ، ولا توَصِّفها تعبيرات. فنقله الله تعالى بها من ضِيق إلى سَعة ، ومن ذل إلى كرامة ، ومن امتهان إلى عِزة ، ومن عُسر إلى يُسر ، ومن هامش الحياة والأحياء إلى قلب الحياة والأحياء. وامتد نفعها – بفضل الله تعالى – إلى أسرته ، فمكَّن الله لأفرادها ، وعاشوا كذلك أعزة مكرمين معززين ، واستمر الحال هكذا عقداً من السنين من 2009 م حتى 2021 م! وكانت أعذب سنين له في غربته! وكانت لعطاءاتها قيمتُها ، لأن الرجل كان قد خذله القاصي والداني ممن يعرف وممن لا يعرف! ووشى به عند الظالمين من لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، ممن هم من أبناء جلدته ويتكلمون بلسانه ، وعاونهم على وشايتهم وكذبهم وافترائهم شقيقان من أشقائه ، كان قد أتى بهما في غربته وفي بيته ، ليكونا مسمارين دقهما في نعش استقراره في الغربة! وبعد أن تم التشويش على الرجل ، وإنهاء عقد عمله ، تخلى عنه الأقارب والأشقاء والأصدقاء والرفقاء! وأصبح الرجل في الشارع بأسرته في غربة لا ترحم! وأخذ الأصدقاء والأشقاء منه موقفاً! وكأنه بينهم وباءٌ ينبغي عليهمُ اجتنابُه إيثاراً للسلامة والأمن! وصبر الرجل على الخذلان والتهميش ما شاء الله له أن يصبر! وصُبتْ عليه محنٌ وإحن وعذابات وأتراح لا يعلم إلا الله مداها! حتى منَّ الله تعالى عليه بهذه المُوَفقة الفاضلة المُتفضلة التي أنالتْه بوَجاهتها ومكانتها ما جعله رأساً في قومه ، ورفعتْ عن كاهله نفقاتٍ لا طاقة له بها! وحاول المغرضون والحاقدون من سفلة الناس وأوباشهم وأراذلهم تكرار السيناريو الأول ألا وهو سيناريو الوشاية ، فلم يجدوا سبيلاً إلى إقناع هذه الحكيمة الأديبة الأريبة! بل قلبتْ لهم ظهر المجن ، وقلبتْ عليهم سِحرَهم عندما قالتْها صريحة: (الله الله في أبي فلان ، فلقد عانى من الظلم الكثير)! حيث إن هذا الشاعر كان قد أهداها أول ديوانين له! فقرأتْهما ، فوقفتْ على الكثير من أبعاد مِحنته ومَأساته في الغربة! وذات يوم ، وبينما هو يستعرضُ قصائد ديوانه على كثرتها الكاثرة ، لم يجد لها قصيدة ولا مقطوعة تذكُرها بأي جميل ، فقررَ أن يَشكرها شعراً ، كما اعتاد أن يشكرها نثراً في مواقفَ كثيرة! فكانت هذه القصيدة ترجمة لهذا الشعور!)
© 2024 - موقع الشعر