ذهب النشوز بالحب! - أحمد علي سليمان

الحُب يُخفي كل عَيب يُزدَرَى
ويُزيغ عيناً تشتهي أنْ تظهرا

ويُصِم أذْناً عن سماع مَعايب
فترى سماعَ العيب شيئاً مُنكرا

ويَصُدُّ عقلاً عن تفهم باطلاً
حتى يرى فهمَ الأمور مِن المِرا

ويَسُد أنفاً كي يُعطلَ شمَّها
نتناً كريهاً في زواياها سَرى

ويُسَكِّرُ الفمَ عن حديثٍ مُفصِح
سَرَدَ الحقائقَ ، لم تُخالطها الفِرى

الحُب يُزري بالمُحِب وعزمه
ويعودُ بالبطل الهُمام القهقرى

ويُذِله بين الخلائق عامداً
ويَؤز جوهرَه ، وبعدُ المَظهرا

ويَقضُّ مَضجعَه ، ويُذهِبُ نومَه
كي لا يذوقَ الغمضَ يوماً والكَرى

وينالُ منه كرامَة وشَرافة
ونجابة بالأمس كانت في الذرى

ويُحِيله عبداً تعشَّقَ ما اشتهى
وأطاعَ نفساً لا تُحِسُّ ولا ترى

الحُب يجعله بليلى مُعجباً
ويَبيتُ إعجابُ العشيق مُؤشرا

ليلى هي الدنيا وجنة عدْنِها
وهي المدائنُ والحواضرُ والقرى

ليلى هي الوطنُ المُفضلُ والحِمى
وهي الوشائجُ والعواصمُ والعُرى

ليلى هي الأنثى الوحيدة في الدنا
وكأنما المولى سواها ما برا

ليلى هي الحُبُّ المُضمَّخ بالهوى
وفؤادُها بالحُب أصبحَ خيِّرا

ليلى إذا ابتسمتْ تبخترَ قيسُها
صَلَفاً ، ووصَّفَ الابتسامَ ، وثرثرا

ليلى لها أسمى المكانة عنده
والقدْرُ مُذ يفعَتْ ، وشبَّتْ مُعصِرا

ليلى إذا قالت ، فقولٌ صادقٌ
فلسانُها ما قال إفكاً مُفترى

ليلى إذا صمتتْ ، فذاك لحكمةٍ
وصِماتُها يُغريه أن يستبشرا

ليلى إذا التاعتْ تألمَ واشتكى
وتسيلُ أدمعُه السخينة أنهُرا

ليلى إذا مرضتْ دهاهُ سِقامُها
وشكا لعُوادٍ أتوْهُ ، وبَرَّرا

ليلى إذا حزنتْ سَقتْه حُزونه
كأساً مِن الشجوى أمرَّ وأكدرا

ليلى إذا فرحَتْ لداعبَهُ الهنا
وتراهُ أبدى سعدَهُ ، وتندَّرا

ليلى إذا رَحلتْ يُتابعُ خطوَها
ولئنْ تعفرَ وجهُ ماش في الثرى

ليلى هي الأهلون والصحبُ الألى
قيسٌ يَحِقُّ له بهم أن يَفخرا

في حُبها الولهانُ أدلى دَلوَه
وببحرها المسكينُ غاصَ وأبحرا

وغدا أسيراً في الغرام ، ولم يَزلْ
والحُب جَرَّعَهُ العذابَ مُقنطرا

وطغتْ عليه ، وعنفتْه بحُسنها
عبداً لها أمسى ، وباتتْ قيصرا

وتزوجَتْ ، فإذا النشوز طبيعة
وجبلة تُردِي كآساد الشرى

وغدتْ بها أحوالُ (قيس) صَعبة
والحُب عن أنياب كيدٍ كَشرا

ظهراً على عقب بَدَتْ أحواله
والعشقُ والأملُ الكئيبُ تبعثرا

وتعثرتْ قدماه لمَّا تثبُتا
ما ظن في قدميه أنْ تتعثرا

وتمردَتْ (ليلى) ، وناولتِ الأذى
وعلى يديها ذاقَ ما قد قدِّرا

همٌ وغمٌ واختلالُ معيشة
وكأنه مَكرٌ بليل دُبرا

ومكائدٌ تهُدي اضطرابَ مشاعر
والزوجُ بالترويض لا لن يشعرا

وإذا الرعونة تجتني أرجَ الهنا
قسْراً ، ويُمسى الكيدُ سيفاً مُشْهَرا

واسْتأسدتْ (ليلى) ، وعافتْ قيسَها
وعلى الأذى لم يستطع أن يصبرا

فرمى بموعظةٍ ، وأظهرَ حِرصَه
فلعل حِرصاً أن يُعيدَ الجوهرا

واحتالَ في طرح النصوص تكلفاً
فلعل نصحاً أن يُفيدَ ويُثمرا

يا ليلَ أين الحبُ يُدركُ حالنا
ويُقِيمُ وُداً بالرعونة دُمِّرا؟

يا ليلَ أين مودة ذهبتْ سُدىً؟
تعساً لمَن هذي المكائدَ فجَّرا

الحُبُّ ولى ، وانقضَتْ أيامُه
وأتى الذي كم عِشتُ منه مُحذرا

أشمتِّ فيَّ مَن استهانَ بحُبنا
وترين لي ولكِ السفيهُ تنكرا

يا ليلَ عُودي ، واستقيمي حِسبة
إن النشوز بلا دَواع يُزدرى

إني أعيذكِ بالمليكِ ، فأسجحي
وكفى الذي جَرَّعتِنيهِ وما جرى

كانت أمامي الغِيدُ ، فاخترتُ التي
كانت أبرَّ مِن الجميع وأخيَرا

ما بالها اليوم استكانتْ للشقا
وفؤادُها بالشائعات تأثرا

يا ليلَ دَمدمتِ الخطوبُ ، وزمجرتْ
والقهرُ وَيحَ القهر ، هاجَ وزمجرا

والبيتُ أضحى كالسفينة أبحرتْ
لكنْ تُواجهُ ريحَ كيدٍ صَرصرا

فتحمَّلي مُؤنَ المعيشة ، واعتلي
فرسَ الجلاد مجاهداً ومُظفرا

لكِ قد بذلتُ الخيرَ رغمَ خَصاصةٍ
وبكِ ارتقبْتُ الفجر بَدراً نيِّرا

فجعلتِ آمالي لنيل سعادةٍ
حُلماً تأبَّى لحظة أنْ يَخطرا

وهذَى نشوزُك مُعلناً إفلاسَنا
والعيشُ مِن هذا النشوز تضَرَّرا

ذهبَ النشوز بحُبنا وحياتنا
والعِشقُ لم يألُ الحبيبة مُنذِرا

لكنها لم تنتبهْ لوَعيده
وعليهِ دَمعي في البلاد تحدرا

للهُم أبدِلني بزوج بَرةٍ
قلبي إليكِ بما يُعاني أعذرا

فارحمْه مِن (ليلى) وقسوة قلبها
وأنِلهُ مِن تقواك يا رب الورى

مناسبة القصيدة

(الحب يُعمِي ويُصِم كما يقولون! وهذا الزوجُ العاشقُ كان قد غرقَ في الحب والعِشق والهُيام! الأمرُ الذي أعماه عن عُيوب عَشيقته! ثم أتمَّ الله تعالى عليه النعمة فتزوجَها! ولم يكن المسكينُ يعرفُ عن رعونتها ونشوزها وسوء خلقها لا الشيء الكثير ولا القليل! وصبرَ وصابرَ على عيشته معها رجاء أن يُصلحا الله ، وحاولَ الإصلاح! ولكن في نهاية المطاف ، ذهب النشوز المُزمِنُ بالحُب! وإن بقيت العيشة شكلاً لا حقيقة! فأنشدتُ حِكاية عنه هذه القصيدة!)
© 2024 - موقع الشعر