من المحنة تأتي المنحة! - أحمد علي سليمان

رُبَّ خير ساقَ بُشراهُ القدَرْ
وانتصارٌ ما على بال خطرْ

طالبٌ قد كان يحيا هانئاً
يَدْرُسُ الطبَ عليه يقتصر

باجتهادٍ لا يُبارى ، آملاً
مَركزاً في طبّه بين البشر

واصلاً ليلَ الدياجي بالضحى
لم يَعُقهُ - عن مَراميه - السهر

باذلاً في العِلم أسمى سعيه
يدرسُ البرهان يستقصي الخبر

وله عزمٌ تناهى وَصْفه
وقناعاتٌ تُسَلي مَن نظر

ودوامُ الحال نصٌ باطلٌ
والقضا آتٍ ، فما جدوى الحَذر؟

صُدِمَ الماشي ، فكانت مِحنة
وأصيبَ الشهمُ في لمْح البصر

والدما سالتْ ، وشُجّتْ بطنُه
وقضاءُ الله وافى والقدر

وانبرى الطب ، وأدلى دَلوهُ
في مُصاب فاق ما تأتي الغِير

كُليَة قالوا: نرى استئصالها
ليس - مما قررَ الطبُ - مفر

فأزالوها ، وسادتْ دَهشة
في خفاياها يَحارُ المُدّكِر

حيثُ كانت تحتوي الموتَ الذي
هو آتٍ عاجلاً إن تستمر

سرطانُ الدمّ فيها وحدها
فانتهى - بالبتْر عن ذي البطن - شر

إنها المِحْنة ساقت خيرَها
يُسعِدُ القلبَ السعيدَ المُبتشر

إنه تدبيرُ رب عالم
هل كتدبير المَليك المُقتدر

جَل شأنُ الله مولانا الذي
خلقَ الخلقَ ، وبالحُسْنى أمر

مناسبة القصيدة

(أحياناً يأذنُ الله تعالى بأن تكون في المصيبة مفاجأة سارة! ومن هنا صدقت المقولة الفذة: "من المحنة تأتي المنحة"! فهذا الفتى لم يخطر بباله ، أن في الحادث الذي أصيب فيه خيراً وإنقاذاً لحياته! ولكن تبين له ذلك فيما بعد! ولله في خلقه شؤون! طالب ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ ﻃﺐ كان يقف امام ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻣﻊ زملائه ، ثم بأوا المسير نحو الكلية ، ﻭجاءت سيارة مسرعة اختارتْه وصدمتْه ، أسرعوا به الى ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ، فأبلغه ﺍﻟﺪﻛﺎﺗﺮﺓ بأﻧﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﻛﻠﻴﺔ ﺘﻨﺰﻑ ، ﻭيجب أن ﻳﺴﺘﺄﺻﻠﻮﻫﺎ ﻓﻮﺭً ، ﻭإﻻ ستتسبب ﻓﻲ ﻣﻮﺗﻪ! فيختار ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﻠﻴﺘﻪ ﺍﻟتي تستأصل ﻭﻳﻌﻴﺶ ، أﻭ ستبقى ﻭﻳﻤﻮﺕ! ﻓﻴﺨﺘﺎﺭ أن تستأصل كليته هذي! ﻭﺑﻌﺪ عدة أيام ﻭبينما ﻫﻮ جالس ﻣﻜﺘﺌﺐ ﻓﻲ غرفته ، ﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺍﻟذي أجرى له ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻣُﺒﺘﺴﻢ ، ﻭﻳﻘﻮل ﻟﻪ: هل ﺗﺴﻤﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ؟ فقال ﻟﻪ الطالب وقد ظن أن الدكتور جاء ليواسيه: أجل ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ لكني ﺧﺴﺮﺕ كثيراً باستئصال كُليتي. فإذا بالدكتور يقاطعه قائلاً: أﻧﺎ ﻛﻨﺖ مثلك أسمع ﻋﻨ القضاء والقدر ، إلى أن شاهدته معك! ﻭنحن نجري لك ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻻﺣﻈﻨﺎ ﻭﺟﻮﺩ ﻧﺴﻴﺞ ﻏﺮﻳﺐ ﻓﻰ ﺍﻟﻜُﻠية التي استأصلناها ، فأرسلناها الى المختبر للتحليل ، فظهر أنه كانت بها ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺗﻐﻴﺮﺍﺕ ﻟﻠﺨﻼﻳﺎ ، وهي ﻓﻲ طريق ﻧﺸﺎﻁ ﺳﺮﻃﺎﻧﻲ وما ﻛﺎﻧﺖ لتكتشف إﻻ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔٍ ﻣﺘﺄﺧﺮﺓٍ ﺟﺪاً! ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻫﻲ الثمن يا حبيبنا! فرد عليه ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ قائلاً: هل تقصد ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ أﻥ ﺍﻟسيارة ﺍﺧﺘﺎﺭﺗْﻨﻲ ، ﻭﺣﺪﺩﺕ ﻣﻜﺎﻥ ﺍلإﺻﺎﺑﺔ بالضبط لآخذ ﻓﺮﺻﺔ ثانية ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ! فقال ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: تخيل! هل تعتقد أنها ﺻﺪﻓﺔ؟ فقال ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﻭﻫﻮ ﻣُﺒﺘﺴﻢ: أﻛﻴﺪ هذا ﻗﻀﺎﺀ وﻗﺪﺭه ، ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ!)
© 2024 - موقع الشعر