تذكر يوسف وموسى! - أحمد علي سليمان

كُن عَفِيفاً ، واحذرْ جمالَ الصبايا
عِفة المرء مِن جَميل المزايا

وانْأ عن حُسْن كم يروحُ ويغدو
إن فعلتَ لم تقتنصْك الخطايا

كم جمال أودى بعقل رزين
والعليمُ ربُ الورى بالخفايا

كم أناس عاشوا أسارى جمال
واستكانوا ، بل ناولوهُ الهدايا

أتقنوا تصديرَ التكلف دهراً
ثم كالوا الأمداحَ بعد التحايا

وارتضوا عيشَ الذل سِراً وجهراً
لم يعيشوا لمبدأ أو قضايا

أزبدَ العشقُ في القلوب ، وأرغى
ولفرط الإعجاب باتوا خزايا

صاح حاذر من أن تكون وَضِيعاً
لاهثاً خلفَ ساقطات الصبايا

لا تمِل مَيلاً قد يُحِيلك وَغداً
همُّه أن يسعى وراء البغايا

يوسُفُ الحُسْن نُصبَ عينيك رَمزٌ
للتحلي بطيّبات السجايا

جاءه الحُسْنُ باذلاً ماءَ وجهٍ
مُفصِحاً عمّا خبّأتْه الطوايا

طالباً منه ما اشتهى مِن سُقوطٍ
والأمورُ فاحتْ بسوء النوايا

والعفيفُ المصروفُ عن كل سُوءٍ
كيف يغشى الفحشا ويرضى الدنايا؟

لم يُطعْ نفساً كم تُحِب وتهوى
قال: كلا ، وخافَ رب البرايا

وتذكرْ (موسى) ، وقد كان فرداً
إذ رأى – بين الناس – ضعف الولايا

قدّمَ العونَ باحترام وبذل
ضارعاً للمولى بمُر الشكايا

ثم جاءتْ إحداهما في احتشام
كي يُجازى على جميل العطايا

والمجازاة زوجة ، ثم رَعيٌ
والنجاة من داجيات البلايا

كُنْ كمِثْل الشهمين سَدّدْ ، وقاربْ
وانْأ بالنفس عن جميع الدنايا

قصصُ القرآن الكريم مَنارٌ
كم حوتْ نوراً طيباتُ الحَكايا

كم لخير مُحَقق أرشدتْنا
بعد أن خصتْنا بعذب الوصايا

مناسبة القصيدة

(الأمهات الواعيات الراشدات هن من ينصحْن لأولادهن ولبناتهن ، ولا يتركوهم هملاً كالغنم الشاردة! وكم من نصيحةٍ فذةٍ مخلصةٍ لأم حريصةٍ فقيهةٍ واعيةٍ طالبة علم ، صحّحتْ درباً ، وغيّرت مساراً ورسّخت قيماً! فهذه أم تُذكّر ابنها بعفة يوسف وشهامة موسى! أرادتْ إحدى الصالحات أن تنصح لابنها الشاب في هذا الزمان الذي قل خيره وكثر بلاؤه وشره ، فقالت له: (أثناء خروجك من البيت يا بُني ، ستلقى صِنفين من النساء: الصنف الأول: امرأة قد ابتليت بمرض امرأة العزيز. قد تجملت وتعطرت وتبرجت ، ولسان حالها يقول لرائيها: "هيت لك". والصنف الثاني: امرأة قد تسترت وتحجبت ، ولكن ألجأتْها الظروف للخروج لقضاء حوائجها ، ولسان حالها يقول: "حتى يصدر الرعاء ، وأبونا شيخ كبير"! فمع الصنف الأول تصرف كتصرف يوسف عليه السلام ، غض بصرك وقل: "معاذ الله". ومع الصنف الثاني تصرف كتصرف موسى عليه السلام ، قدّم المساعدة بأدب ، وامض في حاجتك! "فسقى لهما ثم تولى إلى الظل". فإن "عفة يوسف" كانت سبباً في أن أصبح عزيز مصر. و"شهامة موسى" كانت سبباً في أن رزقه الله الزوجة الصالحة والمأوى!)
© 2024 - موقع الشعر