أطفال تحت الأنقاض! - أحمد علي سليمان

وَدّعِي يا أرض الرِّباط الصِغارا
وامْنحِيهم – بعدَ الرحيل - الفخارا

واحضُنيهم - قبل الوداع - احتساباً
واذرفي الدمعَ لاعجاً مِدرارا

أخبريهم أن المقاديرَ حَتْمٌ
يَرتضيه مَن يعبدُ الجبارا

أعلميهم أن اللقا في جنان
هل ديارٌ تفوق تلك الدارا؟

بشّريهم بالنصر يَغشى ذويهم
مَوتُهم يُزجي – للحِمى - الانتصارا

لقنيهم أن الحياة امتحانٌ
واجهوا - فيه - التضييقَ والإحصارا

بصّريهم بالحق يحتاجُ جنداً
والجنودُ لا يخذلون الديارا

أرشديهم إلى المعالي بَنَوها
في نفوس يوماً تحوز الثارا

واغمُريهم بالحب كي يستريحوا
سوف نغدو - من بعدهم - كُرّارا

لن يمرّ تقتيلهم دون ثأر
ذات يوم يجني العدوُ الخسارا

أي عصر هذا الذي نحن نحيا؟
فاقَ في السوآى والأذى الأعصارا

تُقصفُ الدُورُ دون أدنى اعتبار
هل كِفارٌ لها أقاموا اعتبارا؟

فوق رُوس السكان تُرمى المنايا
ناشراتٍ - بعد السقوط - انفجارا

ثم تهوي كل المباني تِباعاً
ثم لا نلقى - في الدنا - آثارا

والضحايا الرجالُ لم يَستعدّوا
كي يَجُوزوا الحُتوفَ والأخطارا

والنسا أمسيْن كَبشَ فِداءٍ
والردى ما استثنى النسا والصغارا

أي قانون يَرتضي القصفَ ظلماً
أو يُقر قتلَ الورى إقرارا؟

أي شرع يُبيحُ تهجيرَ قوم
مُضْرماً - فوق النازحين - النارا؟

أي عُرفٍ يرضى بسفك دماءٍ
مُستبيحاً – في حربه – الإهدارا؟

نحن - بالمولى ربنا – نتعزى
رب فالطفْ بالمُبتلين الحيارى

قد رفعنا أكُفنا في انكسار
باذلين - في كربنا - الانكسارا

ربنا اجعلْ لنا انفراجاً قريباً
ربنا ارحمنا مِن مِحنةٍ لا تُبارى

رب أدركْ شعباً يُعاني البلايا
والرزايا ، وبعدُ يشكو الحِصارا

رب دمّرْ على الأعادي قراهم
مثلما هم قد دمروا الأمصارا

جَرّعونا كأسَ الحِمام انتقاماً
فاكْتوينا بالعائدات اضطرارا

جَندلونا في كل صُقع ووادٍ
وأهالوا - من فوقنا - الأحجارا

رب أرسلْ بأساً شديداً عليهم
رب وانصرْ أجنادَنا الأخيارا

رب سَدّدْ رمياً رماه النشامى
جاهدوا هم ، لمّا يَفروا فِرارا

أعلنوها: نعيشُ عيشاً كريماً
أو نموتُ أشاوساً أبرارا

ما استكانوا ، ولا ارتضوا عيش ذل
يُورثُ النفسَ ذِلة وصَغارا

قاوموا ظلمَ المُعتدين بعزم
أفلحوا إذ هم قاوموا الأشرارا

نحن - خلفَ المجاهدين - رَعيلٌ
لا نخافُ ظلماً ولا كُفارا

نحن منهم ، ثم المغاويرُ منا
غيّباً كان الشم أم حُضارا

نحن شعبٌ أهدافه قد تلاقتْ
فالمصيرُ قد وحّدَ الأفكارا

من رُكام الأنقاض يخرجُ جيلٌ
يعبدُ الله الواحدَ القهارا

يأخذ الثأرَ من عِداةٍ عُتاةٍ
لا يُطيقُ – للظالمين - جوارا

إن (سايكس بيكو) ستُعطيه درساً
أنّ وهمَ السلام أمسى شِعارا

ودماءُ الأطفال تُهديه بأساً
وبقايا الأشلاء تُهدي اصطبارا

وبكاء الأيتام يُهديه جأشاً
والثكالى يُطرينهُ ، والعذارى

والأيامى يَذكُرْن كيدَ الأعادي
مُنكِراتٍ عليه ذاك الدمارا

عبَثٌ ما يجري ، وسُخفٌ ، وعارٌ
يا تُرى مَن يهوى الخنا والعارا؟

أن تُبادَ البيوتُ بيتاً فبيتاً
بصواريخ الكفر غيثاً جؤارا

والبرايا تحت الركام ضحايا
يستغيثون الراحمَ الغفارا

ثم تحت الأنقاض غابت جُسومٌ
واشتكتْ أحجارَ البِنا ، والغبارا

أصبحتْ أجسام الضحايا سراباً
خادعاً لا يستلفتُ الأنظارا

ثم نستقصي من يُعيدُ المباني
أو نكافي من ينشدُ الإعمارا

ثم - بعد الإعمار – قصفٌ وهدم
نحن لا لم نؤدب الفجارا

مَشهدٌ مكرورٌ ، فليس جديداً
كم رأيناهُ – جهرة – أمرارا

إن أعيدَ الإعمارُ أين البرايا
مَن عليهم دموعُنا أنهارا؟

إن بنينا ديارَهم والسرايا
أين من كانوا يسكنون الديارا؟

لو رأى الأعداءُ عزماً وحزماً
واتحاداً لوَلوُا الأدبارا

رب وحدْ صفوفنا ، وانتشِلنا
من شِقاق يَزيدُنا استهتارا

وانتصرْ ، إنا غلِبْنا ، وضِعْنا
لك أعذرْنا – ربَنا - إعذارا

ربنا استُرْنا ، وارضَ عنا ، وأصْلحْ
ليس يشقى مَن يَسألُ الستارا

مناسبة القصيدة

(إنه بعد القصف الهمجي البربري للديار الآمنة المُبتلاة في أرض الرباط المقدسة المباركة ، سقطت بنايات على رؤوس أصحابها وساكنيها! وقدّر عدد الضحايا بخمسة آلاف تقريباً! وأغلبهم من الأطفال المساكين الذين جمعتُ أشلاؤهم من تحت الأنقاض مِزقاً! لا لشيء إلا لأنهم مسلمون مسالمون أبرياء يقولون: ربنا الله! لقد غر هؤلاء الأعداء المتعجرفين العُتاة حِلمُ الله عليهم! (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)! نسأل الله أن ينتصر لأوليائه ولهؤلاء الأبرياء الضحايا! كما نسأله أن يُحق الحق بكلماته ، ويقطع دابرَ الكافرين ، في قضية طال عليها الزمن ، وامتدت إلى ثلاثة أرباع القرن! والله المستعان! إنهم أطفال الحجارة بالأمس! خذلهم القاصي والداني لتنهال عليهم الحجارة اليوم! والحمد لله الذي تسبح له الرمال ، وتسجد له الظلال ، نعم! الحمد لله على كل حال! عزاؤنا أن الله يسمع ويرى! عزاؤنا أن الله غالب لا يُغلب! عزاؤنا أن الله عزيز ذو انتقام! عزاؤنا أن الله يُملي للظالم فإذا أخذه لم يُفلتْه! أطفال الحجارة الذين جابهوا الطغيان بالحجارة! اليوم تنهال عليهم الحجارة على مرأى ومسمع من العالم الذي يدعي الحضارة والإنسانية! أإذا كان هؤلاء الأطفال من غير المسلمين يكون موقف العالم منهم هكذا؟ أم تقوم الدنيا ولا تقعد؟ إنها ازدواجية المعايير إذن والكيل بمكيالين!)
© 2024 - موقع الشعر