نهلة بين الإشهار والتشهير - أحمد علي سليمان

خالفتِ السُنة يا نهلة
وحَملتِ - على الداعي - حَملة

وغدا الإشهارُ كتشهير
وأمور حياتكِ مختلة

وغدا التذكير كتغرير
أقبحْ بالباطل من شُغلة

وشمختِ بأنفكِ في صَلفٍ
وأسأتِ الفِعلة والقولة

وغرورُكِ بالمال تمادى
وطوتْكِ مع العُجْب الغفلة

فلديكِ المرءُ بدرهمه
وبسُكنى القصر ، أو الفِلة

وبذهب تسطعُ لمعتُه
وبأرض قد زرعتْ غلة

و(جراج) فيهِ مَركبة
تختصرُ عذاباتِ الرحلة

وملابسَ من خير قماش
فستاناً كانت ، أو بدلة

وطعام من أشهى صنف
في (المايكرويفَ) أو الحَلة

أنسيتِ الماضيَ إذ ولى؟
أنسيتِ الفقرَ أيا (نهلة)؟

أنسيتِ الحاجة يوم طغتْ؟
أنسيتِ العيشة في العَيلة؟

أنسيتِ الضنك يُسربلنا
وحياة تغمرُها الذلة؟

لكِ كان الفقرُ دوا نزق
ينأى بكِ عن هذي المَيلة

لتكوني في وضع أسمى
من حال أمستْ منحلة

ووعظتُ ، ولم يُثمرْ وعظي
إذ كانت للباطل صولة

هل كنتُ أناصحُ طائشة؟
أوَتمتثل النصحَ الهبلة؟

وتركتُ الشعر دواويناً
تَهدي ألباباً مُعتلة

تصفُ الأدوية لمَن مَرضوا
كم شُفيتْ بقريض عِلة

فقرأتِ ، وعِبتِ قصائدنا
والزلة تتْبعُها زلة

مَن كانت لا تقرأ حرفاً
أوْ تكتب في نص جُملة

أمستْ تنتقدُ قصائدَنا
وتراها صِيغتْ في عُزلة

للشعر عُقولٌ تفهمه
وأراها - في الناس - القلة

وقلوبٌ تفقهُ مَقصدَهُ
وتُصرحُ لا تُنكر فضلة

أسرفتِ على نفسكِ لمّا
فضلتِ عن الشعر الأكلة

للروح مبادئ تمنحُها
أفكاراً تجعلها نبلة

والشعرُ يُلخصُ زبدتها
والحق يُناولها الدولة

والبطنُ لها أكُلٌ شتى
لن تُشبعها يوماً بقلة

فلحومٌ تتْبعُ أسماكاً
والحلوى بعد النوتلة

وعصائرُ تروي من ظمأ
والقهوة تغلي في الدلة

ما لكِ والشعر وأبحره
أبها أزياؤك مُبتلة؟

ونُدِبتُ لعَقدٍ أشهدُهُ
في مبنىً أسفله تلة

وجُمعتُ بصِل أمقتُهُ
ولقيتُ العاقدَ والشلة

وعريسُ الغفلة منتظرٌ
بعد اللقيا يوم الدخلة

وتراه النذلة عنترة
ويراها صاحبُها عبلة

عُرسٌ لا يُعرفُ مأربُه
تخِذ الإسلامَ له ظلة

ونكرتُ التصويرَ ، فهاجوا
وجوابي لم يُمنحْ مُهلة

وعلى مَضض قبلوا قولي
لكن نقضت قولي الفعلة

فالصورُ على الفور التقطتْ
وعروستُنا أمستْ رَجُلة

تُفتي ، وتُطبّقُ ما أفتتْ
والعاقلُ يستهجنُ عقله

وتحمّلَ قلبي مزلقها
والسقطة ما كانت سهلة

وإذا بالهازل متصلاً
كي نبدأ في السوآى جولة

فظننتُ سيَخزى معتذراً
عن زوج ما كانت عَدْلة

أو يطلب مني موعدة
لنحدد للعُرس الحفلة

أو ينشدُ عفوي عن نزق
مارسه في أبهى حُلة

بل ساق النذلُ مفاجأة
لم يدر لبلواها ثقلة

مِن بيت الزوجية يهذي
إذ عرّسَ نذلٌ بالنذلة

والأمرُ طبيعيٌ جداً
واليوم إذا تدري عُطلة

فيم اللومُ؟ وفيم العُتْبى؟
أوَلسنا من أهل القبلة؟

قلتُ: أرى التوفيق قلاكم
ما زدتُ على هذي القولة

أين الإشهارُ أيا صرعى؟
لم هذا التحليل الأبله؟

حفلٌ تحضره عائلة
وصحابٌ في العادة قِلة

والشاي مع (الكيك) تحايا
والحلوى توضع في السلة

وهدايا تلزم من حضروا
كِيستُها شُفعتْ بالقُبلة

ماذا قدمتُ لتقطعني
سنواتٍ تتوالى (نهلة)؟

زادتْك الأموالُ غروراً
قتلت فيكِ النخوة قِتلة

أنا أغنى منك بأخلاقي
أنا في قومكِ أندرُ عُمْلة

مَن مِثلي أكرم عائلة
منها غسلَ الأيدي غِسلة

لن ترجع يوماً عِشْرتُنا
يوم صحبتُكِ فيها طفلة

قد نصبحُ يوماً في ودٍ
إما طلع الجمَل النخلة

إن كنتِ استبدلتِ بأخّ
زوجاً ، هذي أنكى زلة

صفقتُه بانت ، وانتشرتْ
وتخطتْ مسألة الدبلة

خدع الكل بزخرف قول
وسبا العِيرَ بضرب الطبلة

نحن خصومٌ عند المولى
بعد نهاية هذي الرحلة

وأحاسبُكِ على تشهير
بي في حاضرةٍ أو نزلة

وموازينُ المولى وُضِعتْ
أكرمْ بموازين عدلة

وأقول ، ويسمعُني ربي
خذ خالصَ حقي من نهلة

مناسبة القصيدة

نهلة بين الإشهار والتشهير! (كان أخوها الأكبر بمثابة الأب الثاني الذي سخره الله لنهلة ، ليُغنيَها من فضله تعالى عن سؤال الناس ، وليُعينها على أمر دينها ودنياها. فردت عليه أمر دينها ، وقبلتْ منه أمر الدنيا ، حيث أعانها الله تعالى وكسر عليها فقرها طالبة وموظفة وزوجة بفضل الله أولاً وآخراً ، ثم ببقية مال كان هذا الأخ الأكبر يُرسله لوالده الذي كانت نهلة تُربى في داره! وظل الأخ الأكبر يقوم بدوره في خدمة عائلته بكل ما استطاع. وينصحُ للكل بما فيهم نهلة. ولكنها لا تستجيب. فلم يعبأ بذلك ، وظل مؤشر العلاقة ينزوي ويضمحل ، حتى وصل لأدنى درجة وهي التزاور في المناسبات والاتصال للضرورة القصوى. ورزقها الله تعالى من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب! ولكنها كانت كلما ازدادت غنىً ازدادتْ حِرصاً وشُحاً وبُخلاً! فبخلتْ بمالها عن أخيها! والجدير بالذكر أنه كانت لها عند أخيها مُداينة مِقدارها أربعة وخمسون ألف دينار! وقام بسدادها إلا سبعة آلاف دينار! والرجل لم ينكر ذلك المبلغ ولم يأكله ، وإنما اعتذر عن عدم القدرة على السداد ، وطلب النظرة إلى مَيسرة ليس إلا! فكان رد النذلة التي هي إلى عبادة المال أقرب منها إلى عبادة الله: (حسبي الله ونعم الوكيل) تلك التي نقولها لمن بغى علينا أو سلب متاعنا أو أكل مالنا ، وعجزنا في استرجاع شيء من ذلك منه! وراحت تُشهّر بأخيها تشهيراً عند بعض الناس! زاعمة أنه استحل دنانيرها التي أخذتْ أضعافها وهي في دار أبيها! وأتى اليوم الذي أرادتْ أخاها الأكبر ليكون وكيلاً للنكاح في المحكمة الشرعية ، وهناك قام الرجل بدوره ، ولم يتأخر ، وبعد محاورات ومناورات ونقاشات تم العقد قولاً وعملاً!
© 2024 - موقع الشعر