لا تقولوا ضحية زوجته - أحمد علي سليمان

لا تزيدوا تعصّبي وانفعالي
إن هذا التأويلَ فوق احتمالي

لا تكِيلوا بالخُسْر أهونَ كيل
ما أحِل التطفيفُ في المِكيال

لا تقولوا قولاً يُخالفُ حقاً
ليس ينجو مَن يفتري أو يغالي

واصدُقوا في الفتيا ، وسُوقوا دليلاً
فالدليلُ يسمو بصدق المقال

وإذا قلتم فاعدلوا ، واستقيموا
إنما العدلُ زينة الأقوال

واحذروا أن تُبالغوا في التجني
شأنَ كل مستهتر لا يُبالي

واحصُدوا التصويباتِ كي تستفيدوا
كم تدك الأخطاءُ صرحَ الجدال

واصبُغوا بالإحسان تقييمَ قوم
راقبوا في تحليله ذا الجلال

لا تقولوا: ضحية لثُريّا
رغم كل ما أحدثتْ من نَكال

عفّ شِعري عن أن يُوصّفَ أفعى
حقها أن تحيا مع الأصلال

لم تكن تحيا بيننا في سلام
ضربتْ للبغضاء أخزى مثال

كم نصحنا ، فما استجابتْ لنصح
واستمرتْ في درب أهل الضلال

لم تُهيّئ للحق والخير قلباً
واستبدتْ بالرأي والإرتجال

جرّعتْنا كأسَ الوقيعة مُراً
وأذاقتْنا من نقيع الخبال

لم تزل بالشحناء تهدمُ بيتاً
وتُلاحي سُكانه بالجدال

فأضافتْ فوق الخِلاف المآسي
بانتقام ، كأننا في اقتتال

والحليلُ (الهلفوتُ) يقفو خطاها
ليس يحيا (الدلدولُ) مثلَ الرجال

وتبنى ما خططتْ دون وعي
قائلاً: سعيي خلف أم العِيال

تابعٌ يحيا بالتدني ذليلاً
والذليلُ يهفو إلى الإذلال

مِن يديها مصروفُه كطفيل
حيثُ حازت جبراً جميع المال

والمسيرُ اليمينُ إن يمّنتْهُ
أو شِمال ، فليس غير الشمال

والحلالُ ما حللتْ ، فليُطعها
دون أدنى تلكؤ أو مَلال

والحرامُ ما حرّمتْ ، فليُطبّقْ
دون إبداء غضبةٍ وانفعال

سيداً أمستْ ، والحليلُ عُبيدٌ
هل لعبدٍ أمرٌ على الست عالي؟

إنما العيب في الرذيل ابتداءً
ليس قطعاً في ربة الأحجال

أين كانت إذ شيطن الأخ نذلٌ
وتمادى في رميه بالنبال؟

أين كانت لمّا تخرّصَ عمداً
قائلاً عنه أشنعَ الأقوال؟

أين كانت لمّا توقد حِقداً
ثم سوى حرامه بالحلال؟

أين كانت لمّا وشى ببريء
عند أعدا هم للطواغي موالي؟

أين كانت لمّا توشّحَ سيفاً؟
وي كأنا بتْنا بساح القتال

أين كانت لمّا رمى بالأحاجي
والدعاوى عبرَ السنين الخوالي؟

أين كانت لمّا أتى بالأغاني
في بُييتٍ أعياهُ سوءُ ابتذال؟

أين كانت إذ عكّر الصِل صفواً
كل فردٍ منه اشتكى ما يُعاني؟

أين كانت والخِب فرّقَ شَمْلاً
ثم دامتْ تفريقة الأشمال؟

أين كانت والوبشُ يزرعُ فينا
تُرّهاتٍ تسوقنا لاختبال؟

مَن دهانا بحب أهل المعاصي
فانطلقنا نخصّهم باحتفال

مَن هدانا لجمع أخبار قوم
لم ينالوا منا قليلَ اشتغال

ما فتئنا نعطي التصاويرَ همّاً
وعليها نرتادُ أعتى صِيال

دَورُهُ في التضليل كابن لحَيٍّ
لستُ فيما دوّنتُه بمُغالي

بدّلَ البيتَ من خلية نحل
تُجتنى فيه أطيبُ الأعسال

لبُييتٍ في حَمْأة الجهل يرسو
هل يُرَجّى خيرٌ من الجُهّال؟

لم يعدْ قرآنٌ – على الأهل - يُتلى
آيُهُ في ليل الدجى كاللآلي

وأضل الدهقانُ قوماً حَيارى
بفتون طالتْ جميع العيال

صدّهم عن هدي المليك ، فضاعوا
ثم عاشوا معيشة الأنذال

والغرابُ أمسى دليلَ الخزايا
ثم قالوا: يقودُنا باعتدال

لا تقولوا: زوج السفيه طوتْهُ
حيثُ عاش حقاً أسير جمال

لم تكنْ بالحسناء بالحُسن تسبي
عقل صب لمّا مشت باختيال

ليس هذا ضحية لهواها
كي نقول: ضحّى لنيل الوصال

هو أشقى ، والله بالنذل أدرى
ما تحلى يوماً بأحلى الخصال

مناسبة القصيدة

لا تقولوا: ضحية زوجته (أخ شقيقٌ أمره وتصرفه وسلوكه من أعجب ما رأيتُ ورأتْ معي الدنيا بأهلها! راح يُناصبُ شقيقه الأكبرَ العداءَ ، ويكيلُ له الكراهية بدون أدنى مبرر! كما راح يسعى جاهداً بشتى الأساليب في خراب بيت شقيقه هذا بلا جريرة له في ذلك. يحكي لي شقيقه الأكبرُ قصتهما معاً بمرارةٍ وأسىً وجوىً فيقول: لقد وقفتُ بجانبه وقفة الشهم المتفضل الجواد الكريم ، ولم أبخل عليه يوماً بوقتٍ ولا بمال ولا بجهد! وتعرضتُ لعدة مخاطر من أجله ، ولم أرض له إلا العيش الكريم والشهادة الجامعية ، كي لا يكون أقل ممن حوله من زملائه ، وبذلتُ في ذلك الغالي والنفيس! كما بذلت في الغربة ما الله به عليم! ثم قابل ذلك الإحسان والمعروف بالإساءة! الأمر الذي جعلني أتساءل: لماذا؟ وإلى متى؟ وراح الناسُ يختلفون في جواب سؤالي: فقال قومٌ: إنها زوجتُه المغرضة عديمة الوفاء ، تلك الحيزبونُ الدردبيس التي لم تكن تترك موقفاً يمر إلا وظفته للقطيعة والجفاء والشقاق! فقلتُ في نفسي: ربما! ولكنني ما لبثتُ أن واجهتُ الناس قائلاً: الأخ الحقيقي لا تُغيره نساء الأرض بما فيهن زوجته تلك ، ولا تغيّره النفوس التي خلقت بما فيها نفسه إلا أن يشاء الله ربي شيئاً! إن الأخ الحقيقي كالذهب الخالص ، نعم ، كالذهب في نفاسته وطبيعته! ولقد تأتي على الذهب ذراتُ الغبار وأكوامُ الأتربة فتُخفي لمعانه وبريقه!
© 2024 - موقع الشعر