النقاب ثلاثة أنواع - أحمد علي سليمان

أعيا النقابَ تلاعُبُ النسوانِ
وتقرّحتْ – ببكائه - العينان

بالأمس كان موحَداً في شكله
حتى يكون به عظيمُ صِيان

وموحَداً في اللون ، أسودَ فاحماً
ما كان قط مزركشَ الألوان

ومُكَثفاً حول العيون ، فلا تُرى
منه الحواجبُ تفتنُ الشهوان

وسَميكة طبقاتُه قد أحكمتْ
كي لا يشف ، فذا صنيعُ قِيان

أملاهُ شرعُ الله وفقَ أدلةٍ
مبسوطة - للناس - في القرآن

وتكفلتْ بشروحها السننُ التي
قد بُيّنتْ في سُنة العدنان

وشروطه قد فصّلتْ لعفيفةٍ
ترجو بعِفتها دخولَ جنان

في بيتها قمرٌ يُصَدّرُ نورَهُ
في سائر الغرُفات والأركان

حتى إذا خرجتْ خبَتْ أنوارُها
في خيمةٍ لفتْ كما الأكفان

أخفى النقابُ الوجهَ ، فاحتجبَ الضيا
وتكفلَ الجلبابُ بالفستان

فطوى زخارفهُ ، وأذهبَ حُسْنهُ
من بعد أن أخفى جمالَ حَصان

وتساوتِ الحسناءُ بالشوهاء في
ثوب يُحَطمُ فورة الهيمان

والغادة الحسناءُ خلف نقابها
وحجابها أمنتْ سِهامَ فلان

هي أجبرتْه على احترام صِيانها
قالت بأن العِرض غيرُ مُهان

هي عظمتْ شرعاً يصونُ عفافها
كي لا يُصابَ – من العِدا - بطِعان

هي طبّقتْ هدياً يُثَمّنُ عِرضَها
كي لا تكون رخيصة الأثمان

هذا (نقابُ الشرع) جنّبَها الأذى
أكرمْ بشرع الواحد المنان

شرعَ الحجابَ مُكمّلاً بنقابه
وهو العليمُ بفطرة الإنسان

وأتى (نقابُ العُرف) يفرضُ وصفه
بشروط عُرفٍ دامغ البُهتان

لم يستُر الوجه الذي هو أسه
وأتى الذي ما كان في الحُسبان

والنسوة استحسنه بتساهل
وغرقن في الفوضى بالاستحسان

قلن: التقاليد الأصيلة مصدرٌ
وأقرّه التشريعُ دون تواني

فالعُرفُ والتشريعُ يا متعالماً
مهما ادّعيت نراهما سِيَان

فإذا نقابُ العُرف يسري في النسا
مثلَ الهشيم أحيط بالنيران

أكْبرنه ، ورأين فيه وسيلة
فبه تبدّتْ أوجُهُ لحِسان

وتمكّنَ التقليدُ ، والعُرفُ استمى
ما قوبلا – في الناس - باستهجان

وإذا البراقعُ في جميع ديارنا
وغزتْ – برغم الأنف – كل مكان

كانت لعِير ، ثم باتت للنسا
أتساوتِ النسوانُ بالحيوان؟

غلبَ النقابَ – على الريادة - بُرقعٌ
لم يُخْفِ وجهاً قد بدا لعَيان

تعستْ تقاليدٌ تُزاحمُ شرعَنا
وتسودُ في الأمصار والبُلدان

إمّا أحلتْ ما يُحرّمُ ربنا
فبراءة منها إلى الرحمن

أو أن تُحرمَ ما أحلَ إلهنا
فالحكمُ في ذي الحال للديان

سقطتْ ، ويسقط مَن يُتابعُ أهلها
هذا اشتراط السلم والإيمان

وإذا (نقابُ المُوضة) اقتحمَ المدى
وأتى بكل نقيصةٍ وهوان

عَرّى ، وأفحشَ دون إذن أو حيا
واستعذبتْهُ خرائدٌ وغواني

ورأين فيه حضارة وثقافة
وتقدماً للشعب والبُلدان

ورأين في تطبيقه مدنية
تُفضي إلى التيسير والرجحان

وهو الذي لفظ المبادئ ، وانبرى
ليُشِيعَ فحشاً فائحَ الشنآن

فنقابُ مُوضتِهم عجيبٌ أمرُهُ
يُزري بكل عفيفةٍ ورزان

عُرفَ النقابُ لكي يُغطيَ حُسنها
لا أنْ يُزيغ بحُسنها الفتان

في كل عام تنطلي تقليعة
وكأن غِيداً يستجبن عَواني

هو يُظهرُ الوجهَ الدميمَ مُمَكْيجاً
بطلائه المتجمّل المزدان

ما بالنا بالوجه شط به الحَلا
وازدادَ حُسْناً بعد وضع دهان

وأساء إذ نمصَ الحواجبَ عامداً
والشعرَ قصّ ، فبتْن كالصبيان

هو أظهرَ الوجناتِ بيضاً كالضيا
في كل وجنة مُعْصِر نوران

نورُ الجمال ، وثم نورُ طِلائها
بهما بدتْ لا حبذا الاثنان

فجمالها هي ما اشترتْهُ بمالها
أو أهْدِيتْهُ ، فإنه رباني

أما جمالُ طلائها فصناعة
والحَقْنُ بالبوتكْس حُسْنٌ ثاني

أربابُ مُوضتها استباحوا حُسنَها
خابتْ ، وخابَ المُفتري والجاني

هم شرَعوا ، وهي استجابت ، ويحها
طوعاً ، فما هي هُدّدتْ بسِنان

هم بعد ذلك أجرموا في حقها
وبدون ما لفٍ ولا دوران

هم حدّدوا شرطاً ، فحققتِ الذي
هم شارطوه بساحة النسوان

وكأنهُ يا قوم عصرُ نِخاسةٍ
بمزاد نخاس لبيعُ قِيان

فالسوط في يده يؤدبُ من عصتْ
وتظل في درب الحياة تُعاني

مَن لم تعشْ أمَة لمعبود الورى
فلتحْيَ خاضعة لعبدٍ فان

ولها الخيارُ والاختيارُ كِلاهما
فلتدرس الأمرين بالإمعان

أختاهُ قد بيّنتُ أنقبة النسا
هلا وعيتِ نصيحتي وبياني

هلا استجبتِ لما عرضتُ تعبّداً
وطرحْتِ عنكِ وساوسَ الشيطان؟

هلا لفظتِ هواجساً أوحاكِها
فمُ مُبْطِل مُستشرق دُهقان؟

هلا رجعتِ إلى حجابكِ رَجعة
تُفضي إلى إرهاصة الإحسان؟

هلا اصطفيتِ نقابَ صائنة الحيا
كي تُشرقي في عالم الإدْجان؟

أنجاكِ ربكِ ما اتبعتِ سبيلهُ
وحباكِ منه ركيزة الفرقان

وهداكِ للتوحيد منه تفضلاً
وغدتْ فعالكِ من سنا البرهان

مناسبة القصيدة

(ينبغي علينا أن نعلم أن النقاب على ثلاثة أنواع: نقاب الشرع ، ونقاب التقاليد والعُرف ، ونقاب الموضة والأزياء! ربما إن أدركْنا ذلك خففنا لومنا الشديد على المنتقبات في عصرنا! وتجنبنا أن نتهم نقاب الشرع بالاتهامات التي شرعُ الله تعالى منها براءٌ براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب عليهما السلام! عموماً قبل أن نقيّم امرأة ذات نقاب علينا أن نحدد من أي نوع نقابها! وتلك مسألة مهمة جداً حتى لا تختلط الأمور!)
© 2024 - موقع الشعر