التلوّن أخو النفاق من الرضاعة - أحمد علي سليمان

كيفما شِئتَ تلونْ
ليس – للدُهقان - مَأمنْ

أنت ، ما أنت؟ مُراءٍ
شرّ ما في الناس تبطِنْ

كيفما شئتَ تذأبْ
وتغيّرْ ، وتقلبْ

أنت معروفٌ لدينا
لم يعدْ أمرُك أصعبْ

كيفما شئت فمثلْ
قد يكون التوب أجملْ

لكن الشيطانُ أقوى
وعلى مثلي التحمّلْ

كيفما شئت تقنعْ
إنما نفسَك تخدعْ

وخن العهدَ مِراراً
عنك إن البُعد أنفعْ

كيفما شئت تكبّرْ
وتعللْ ، وتبطرْ

إنني زايلتُ غِراً
لم أعُد فيه أفكّرْ

كيفما شئت تحمّقْ
ثم بالغدر تخلقْ

قد قلاك القلبُ حتى
بكَ لم يتعلقْ

كيفما شئت ترنمْ
رجّع اللحنَ ، ونغمْ

قد جفتْ لحنك روحي
وفؤادي قد تعلمْ

كيفما شئت تفلتْ
منك شملي كم تشتتْ

لا تعِرْ شأناً لمِثلي
وانتصحْ ، لا تتلفتْ

كيفما شئت ترنحْ
واكشف الستر ، وجرّحْ

بيننا الصلحُ مُحالٌ
والمَسارُ – اليومَ - صُححْ

كيفما شئت توقدْ
قلّبِ الجَمرَ وصَعّدْ

لن تردّ النارُ عزمي
فانخرسْ ، لا تتوعدْ

كيفما شئت فدلّسْ
ولِمَا شدت تحمّسْ

قد طرحتُ النذل أرضاً
صحبة النذل تدنسْ

كيفما شئت فشوّشْ
أنت عن نصحيَ أطرشْ

لو ملكتَ الماءَ عذباً
فله لن أتعطشْ

كيفما شئت تأففْ
من كلامي ، أو تخوّفْ

لم أعدْ أهواك صدقاً
عنك إني متعفف

كيفما شئت تشوّقْ
باللقا لا تتعلقْ

إنني أبصرتُ رشدي
وكفى هذا التمزق

كيفما شئت فقارفْ
أنت أذنٌ للمعازفْ

لا تخفْ بأسَ الندامى
إنهم أخزى المعارف

كيفما شئت تحامقْ
فيك غِل القلب حانقْ

وعلى الروح قيودٌ
وعلى العقل مَطارقْ

كيفما شئت فضاحكْ
إن ليل الهزل حالكْ

وامسح الجوخ ، وجاملْ
واسع في أشقى المسالكْ

كيفما شئت تمرّغ
في ثرى الغبن ، وأفرغ

طاقة عزتْ علينا
والريا كان المُسوّغ

كيفما شئت تحركْ
واخدع الناس ، وفبْركْ

واسحَر الألباب ، واهزلْ
إن عقلي الفذ مَلّكْ

كيفما شئت تولهْ
إنما الفكرُ مُشوّهْ

علِمَ الناسُ الخبايا
ولهذا لا تمَوّهْ

كيفما شئت تقيّأ
كل ما في الجوف ، واخسأ

أرنبٌ أنت ، فأقصرْ
وكُلِ العُشبَ لتهدأ

كيفما شئت تغابى
واسكب الجهلَ المُذابا

إنني آليتُ أنْ لا
أجعل الحمقى صِحابا

كيفما شئت تهافتْ
إن لونَ الزيف باهتْ

ولظى الحِرباء ولى
وفحيحُ الصِل خافت

كيفما شئت تشامخْ
وتترّسْ بالنواذخْ

بَغيُكَ – اليومَ - كسيرٌ
إنه – في الذل - راسخْ

كيفما شئت تصايحْ
وانشر – الآن - الفضائحْ

أنت فيها مستكينٌ
ضائعٌ غث الملامحْ

كيفما شئت فحايدْ
وترنح بالحقائدْ

واستفدْ من كل غل
وترهّلْ في الشدائد

كيفما شئت فغامرْ
واركب – اليوم - المخاطرْ

قد قلاك الناس حتى
غبت عن كل الضمائر

كيفما شئت تعاظمْ
وتكبّرْ ، وتعالمْ

فيك لن يُخدعَ قومٌ
لهُمُ فقهٌ وعالِمْ

كيفما شئت تهاونْ
واشهد الزورَ ، وهادنْ

أنت ، ما أنت؟ غرورٌ
غادرٌ في ثوب خائنْ

كيفما شئت فواجهْ
كل إنسان ، وجابهْ

كي يراك الكل نذلاً
وترى أنك تافهْ

كيفما شئت تخبّط
وكما تهوى فخطط

أنت تحيا في سراب
وابتعادي عنك أحوط

كيفما شئت تخرّصْ
ومن الصدق تخلصْ

أنت خداعٌ كذوبٌ
مِن عُرى التقوى تملصْ

كيفما شئت تحدّثْ
قولك الغث ملوثْ

أنت – في الدنيا - ذبابٌ
عن خبيئ الدود يبحث

كيفما شئت تغنّجْ
ولكل الزيف روّجْ

فتنة أنت ، ونذلٌ
وبدا لي – منك - مخرجْ

كيفما شئت تمسّخْ
وتمسلمْ ، وتمشيخْ

وافتر الزورَ ، وزيّفْ
ثم دوّنهُ وأرّخْ

كيفما شئت تشعوذ
وبما تهذي تلذذ

أنت إبليسٌ مَريدٌ
واجبٌ منك التعوذ

كيفما شئت تجوّز
وحِكِ الحوبَ ، وطرّز

سوف لن تخفى علينا
وإن ارتبت فعزز

كيفما شئت تعرّضْ
واجمع الجندَ ، وحرّضْ

وانزل الهيجا بجيش
وأنا أمري مُفوّضْ

كيفما شئت تلمّظ
وتعصّب ، وتغيّظ

شأنك – اليوم - تدنى
وانمحى لو كنت تلحظ

كيفما شئت تقنعْ
وبما ترجو تذرّعْ

أنت ذو وجهين ، فاعلمْ
والعمى أعتى وأفظعْ

كيفما شئت تجاوز
وتلاعبْ بالركائز

أنت مطعونٌ لدينا
وعن الأخلاق عاجز

كيفما شئت تهامسْ
واسع دوماً في الحنادسْ

أنت – عند الناس - وغدٌ
يرتدي زي المشاكسْ

كيفما شئت تجاحشْ
وتغذى بالحشائشْ

أنت رعديدٌ خسيسٌ
ساقط تغشى الفواحشْ

كيفما شئت تثاقلْ
وترنح ، وتمايلْ

أنت ، ما أنت؟ سفيهٌ
مجرمٌ تأتي الرذائلْ

كيفما شئت تراجعْ
وتعللْ بالذرائعْ

همّة أنت تدنتْ
واستكانتْ للفجائع

كيفما شئت تخامصْ
وتجمّلْ بالنقائصْ

أنت عِربيدٌ رقيعٌ
يتهادى في المراقصْ

كيفما شئت فراوغْ
إنما زيفك دامغْ

ليس يحوي من أمان
إنما خاو وفارغ

مناسبة القصيدة

التلوّن أخو النفاق من الرضاعة! (كان يلبّس لكل شخص لباساً ويَحبكُ الدَوْر ويأكل على كل طاولة ويرقص على كل طبلة حتى سقط القناع فاحتقره الكل! وتحت عنوان: (النفاق والمنافقون) يقول الأستاذ أحمد بن حسين الفقيهي ما نصه: (لقد ظهرت فئة المنافقين في المدينة على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم فتكاثر عددها وتناسل أبناؤها ، وامتد نسلهم لا كثرهم الله إلى زماننا هذا ، فرأينا أحفادهم في زماننا لا يختلفون في مظهرهم عنا ، وهذا مكمن المصيبة فهم وللأسف من بني جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ، وينتسبون لديننا ، وينتمون لأوطاننا. والحديث عن النفاق والمنافقين سواءً في السابق أو في اللاحق ، حديث يبدأ ولا ينتهي ، فقد جاء الحديث عنهم في أكثر من نصف سور القرآن المدنية ، إذ ورد ذكرهم في سبعَ عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة ، واستغرق الحديث عنهم ما يقرب من ثلاثمائة وأربعين آية من كتاب الله العزيز ، حتى قال ابن القيم رحمه الله: كاد القرآن أن يكون كلّهُ في شأنهم. لقد صدَّر ربكم سبحانه أطول سورة مدنية في القرآن – سورة البقرة - بذكر صفات المنافقين والتحذير من خطرهم ، فذكر سبحانه في المؤمنين أربع آيات ، وفي الكفار آيتين ، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية وذلك لكثرتهم ، وعموم الابتلاء بهم ، وشدة فتنتهم وبليتهم على الإسلام وأهله ، فهم كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: منسوبون إليه – أي الإسلام - وهم أعداؤه على الحقيقة ، يخرجون عداوته في كل قالب حتى ليظن الجاهل أنهم على علم وإصلاح ، فيا لله كم من معقل للإسلام هدموه ، وكم من حصن قد قلعوا أساسه وخربوه ، وكم من علم قد طمسوه ، وكم من لواء مرفوع وضعوه ، وكم ضربوا بمعاول الشبَه في أصول غراسهِ ليقلعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنةٍ وبلية! ومن هنا كان التلون أخا النفاق من الرضاعة! فإلى منافق - ظل يتلون ويخدعني كثيراً ، إلى أن ظهرت حقيقتُه ، وحصحص الحق في شأنه - أقول:)
© 2024 - موقع الشعر