الطالع السعيد في مدح خالد بن الوليد - أحمد علي سليمان

شرُفتْ بك الأسفارُ والأشعارُ
وتشرّفتْ بجهادك الأمصارُ

وشدتْ أهازيجُ القريض ترنُماً
وعلى المَضارب أشرقتْ أنوار

وتمايلتْ طرباً عواطفُ شاقها
بُعدُ الزمان ، وشقشقتْ أطيار

وتأثرتْ بالبُشريات نفوسُنا
وتأثرَ الأضيافُ والسمّار

وتعطرتْ بالذكريات قلوبُنا
وأهاجها - في شوقها - استذكار

وتشوقتْ لحُبورها أرواحُنا
وهفا لها - في سعدها - استعبار

أما البيان فدندنتْ نفحاته
وكأنما جادت بها الأزهار

وكذا البديعُ له شذىً ونضارة
إن البديع - بنصنا - مِعطار

وأرى الفصاحة تزدهي في ثوبها
لو أبصرتها غادة ستغار

والشعرُ هشّ وبشّ يُطري (خالداً)
وقليلٌ الإطراءُ والإكبار

والعبقري ثناؤنا يُزري به
ولنحن - في التقدير - بعدُ نحار

هو ذو النجابة والصُوى في قومه
هو - في (قريش) - سيد مغوار

وأبوه سيدُ قومه وغِياثُهم
إن طمّتِ البلواءُ والأخطار

و(لبابة الصغرى) الشريفة أمُهُ
عنها ليرض الراحمُ الغفار

وهما و(أحمدُ) في عُمومةٍ التقوْا
صحتْ - بهذي النسبة - الأخبار

في سادس الأجداد والدُه التقى
ونبيُنا ، هل بعد ذاك فخار؟

في سابع الأجداد أمّتُه التقتْ
ونبيُنا ، نطقتْ بذا الآثار

يا ابنَ الوليد حُبيت أعظمَ نِسبةٍ
لا ريبَ فيها ، لم يَشُبْها عار

ونشأت في دار تفرّدَ جُودُها
حتى رآها الناسُ نعمَ الدار

فخرتْ (بنو مَخزومَ) أنك شِبلها
بين القبائل لن يكون صَغار

هي أكرمتْ ضيفاً ، وجادت بالقِرى
وكأن بيت (أبي الوليد) مَنار

وظللت تنصرُ دينَ قومِك قانعاً
حتى أشاد ببَذلك الكفار

ورأوْك أشجعَ فارس مُستبسل
لِقناهُ – إن حَميَ الوطيسُ - أوار

فنصرتهم حِيناً ، ولم تكُ وانياً
بل كنت - في أم الوغى - كَرّار

وبرزت في (أحُدٍ) كأشرس فارس
وسَبتْ جنانك خطة وقرار

ورميت بعض غنائم تُغري بها
بعضَ الرماة مِن الذين أغاروا

حتى إذا نزلوا انطلقت تُذيقهم
بعض الذي كرهوه لمّا اختاروا

كان الخيارُ سبيلهم لهزيمةٍ
ومُصيبةٍ كبرى ، فبئس خيار

وأتاك مكتوبُ (الوليد) بدعوةٍ
للحق ما غمضتْ بها الأفكار

يدعوك دعوة مُخلص مُستيقن
ودعاؤه شهدتْ به الأسحار

يرجو لك الخيرَ العميمَ ، طريقه
دينٌ له – رغم العِدا - الإظهار

مُتعجباً مِن رفضك الحقَ الذي
هو للتقاة الصالحين شِعار

لمَ حِدت عنه ، وإن عقلك راجحٌ؟
اعلمْ بأن رسالتي إعذار

أنكرت صِدقَ (محمدٍ) مُتجنياً
أأخَيّ هل سيُفيدُك الإنكار؟

ونبينا – وسْط الصحابة – قال لي:
أيناه خالدُ؟ لم يزلْ يَمتار؟

فجهرتُ أن يوماً سيُسْلمُ طائعاً
يأتي به المتكبرُ القهار

فإذا بأحمدَ مُثنياً مُستعبراً
ويقول (خالدُ) ما له استذكار؟

هل مِثله جهل الحنيفة مِلة
كالشمس ضاءَ بها وشعَ نهار؟

لو أنه جعل النكاية للهُدى
لو جَدّ للإسلام فيمن ثاروا

لأتته من ربي الخيورُ وفيرة
ولعز واستعلى به الأخيار

فاستدركنْ ما فات ، وانهضْ يا أخي
واعلمْ بأن نصيحتي إنذار

فقرأتَها والقلبُ غرّدَ صادحاً
والحق بانَ ، فما هي الأعذار؟

ولقيتَ (عثمانَ بن طلحة) ساعياً
وقصدت (طيبة) إذ بها (المختار)

وصحبتما (ابنَ العاص) أصدقُ رفقةٍ
وأردتُمُ الإسلامَ يا أبرار

وهناك أعلنتُم بها إسلامَكم
وتكشفتْ – بين الورى - الأسرار

ونبينا كم سَرّه إسلامُكم
ومُهاجرو الأصحاب والأنصار

فلذاتُ أكباد القبيلة أقبلوا
فقريشُ - مِن فرط الأسى - تنهار

و(ابنُ الوليد) رجا دعاءَ (محمدٍ)
أضحت تُخيفُ (ابنَ الوليد) النار

فأجابه: الرحمنُ ليس مؤاخذاً
عبداً على ماضيه ، ذا الستار

ما قبلهُ سيَجُبُ إسلامُ الفتى
فلم التخوفُ؟ آن الاستبشار

ثم انطلقت مجاهداً تحمي الحِمى
ومع السلام تدورُ فيمن داروا

ووطئت ساحاتِ المَعامع ضيغماً
وغدوت سيفاً زانه الإشهار

بل صاحبٌ لأعنة الخيل انبرى
للغزو ، والأعدا همُ الفرار

وبكتْ (قريشٌ) أنْ كفرت بدينها
وبكى - على إسلامك - الكفار

قالوا: صبأت فقلت: إني مؤمنٌ
فاغتاظ مما قلته الفجّار

وخبرت بالهيجاء صُبحاً والمسا
وبدتْ لك الأوهادُ والأوعار

في الكر والفر استميت مناضلاً
ويُطيعك الأجنادُ والأنفار

مازلت تُلهمك القيادة درسَها
وأتتْ خيولك ، واستوى المضمار

وخلفت قادة (مؤتةٍ) في غزوةٍ
ورسمت درباً ما عليه غبار

وأعدت تشكيل الجنود تقودُهم
للنصر ، لمّا زاغتِ الأبصار

وبفتح (مكة) لم تؤخرْ همة
فقدِمْت واليُمنى بها البتار

حتى إذا اختاروا السلام غمدتهُ
لمّا يعدْ طعنٌ ولا استكبار

ونبيُنا ناداهمُ أن يذهبوا
طلقاءُ هم فلتأمن الأمصار

أأبا سليمان مَدحتُك فارساً
هيجاؤه فخرتْ بها الأشعار

يا قاهرَ الفرس المَجوس تحية
مَرتْ على تدوينها أعصار

يا مُنزلاً بالروم أعتى نكبةٍ
حفلتْ بها – للقارئ - الأسفار

لمّا طغَوْا ، وبظلمهم سفكوا الدما
بك أجريتْ – بدمائهم - أنهار

واسأل عن (اليرموك) قوماً عاصروا
أهلُ التراجُم غيّبٌ حُضّار

حتى أتاك يريد رأيك (جُرجة) ،
ولمست أن العبد فيه وقار

فأجبته بصراحةٍ وصرامةٍ
ما قلت: هذا قائدٌ دَيّار

كلا ، ولم تكُ في اللقا متكبراً
متعاظماً يهتاجُ فيه الثار

بل كنت داعية يريد لمن دعا
نورَ الهداية ، إذ خبتْ أنوار

والعبدُ آمن ، ثم جاهد مسلماً
وله على نصر الهُدى إصرار

حتى إذا رزق الشهادة (جُرجة) ،
عيناك زارهما له استعبار

وسلوا (اليمامة) عن بطولة (خالدٍ)
وسلوه يومَ تُقوسمتْ أدوار

فأبو عبيدة قائدٌ يغشى الوغى
بالأمر ، لا فتيا ولا إدبار

و(أبو سليمانٍ) فجنديٌ لهُ
ومُسَيّرٌ في ذا ولا يختار

وانصعت للأمْر المُفصّل نصه
وكذاك يفعلُ سادة وكِبار

ورُئيت في (الألّيس) تختصر المدى
لم تُحن هامة بأسِك الأسوار

وشهدت (أجنادين) مُختالاً على
فرس الكرامة ، ثم طال حصار

وروى (البخاريُ) الرواية صُححتْ
هو – بالبنان – لصحتيه يُشار

تصحيحُ مَتْنٍ ، ثم بعدُ رواية
وإلى (الصحيح) تُصوّب الأنظار

مِن أن تسعة أسيفٍ كسرتْ لها
في كف (خالدَ) وحده آثار

مائة المعارك خاضهن جلائلاً
جاءت بهن جميعاً الأخبار

لم يُهزمَنْ في أيهن وربنا
والنصرُ جاد به له الجبار

وشهدت فتح الشام مِن بعد العرا
ق ، وطالتِ الغزواتُ والأسفار

وشربت كأسَ السم مُترعة الردى
تُهدي الحِمام ، فليس منه فِرار

ورواية السم الذعاف صحيحة
لم يعتورْ تصحيحَها إنكار

فروى (أبو يعلى) و(أحمدُ) نصها
وكذا (ابنُ تيميةٍ) له إقرار

و(الحافظ الذهبي) حسّنَ متنها
وأراه – في الإسناد – لا يمتار

أما بنوك فأربعون منحتهم
شرفَ الجهاد ، فكلهم كُرار

وأماتهم طاعونُ (عمواس) ، ونش
هدُ أنهم شهداؤنا الأطهار

وبهم (بنو مخزومَ) تفخرُ أنهم
فخرٌ ، وذخرٌ دونه الأذخار

أأبا سليمانٍ شمختُ بطالعي
هذا السعيدِ تصونه الأشعار

وعلى سرير الموت قلت مقالة
فيها الرواة وسامعوها احتاروا

إذ كنت تأمل أن تموت مجاهداً
فالكلمُ يدمى يعتليه غبار

لا أن يُباغتك الردى كبُعَيّر
قد غاب عنه رُغاؤه الهدار

وبكتْك - بعد الموت - أفضل نسوةٍ
ودموعُهن كأنها الأبحار

ما استكثرَ (الفاروق) طارقة البكا
إذ دمعُه مُتحدرٌ مِغزار

يا (خالدَ) التوحيد ذِكرُك طيبٌ
ولقلما طابت لنا الأذكار

مع (خالدٍ) يا ربنا احشُرْنا إذا
أتتِ القيامة ، نعم ذاك جوار

واشمله بالرضوان يا رب الورى
واستره يوم العرض يا ستار

يا رب نوّرْ قبره ، وأعذه من
ظلماته ، إذ عندك الأنوار

يا رب أدخله الجنان رحيبة
مع من يحب ، فتلك نعم الدار

© 2024 - موقع الشعر