وكذلك أخْذ ربك! (مات الطبيب المغرور) - أحمد علي سليمان

أخْذ المهيمن مهلك لمن افترى
واغتر بالإمهال ، ثم تجبّرا

واعتز بالعِلم الذي يزهو به
وإلى سراب العُجْب عاد القهقرى

واعتدّ بالتجريب يغمرُه هوىً
ومِن التمسك بالرشادِ تحرّرا

ما العلمُ إن لفظ الشريعة والهُدى؟
ما العلم إن جعل المخارفَ جوهرا؟

ما العلم إن طرح العقيدة خلفه ،
ولكل ما شرع المليك تنكرا؟

غرّ الطبيبَ تمكنٌ وبراعة
ومكانة أخذتْ بألباب الورى

وجنى عليه الصِيتُ في كل الدنا
والشهرة القعساء تسكنه الذرى

والمال أكمل نقصه وعَواره
فاختال بين الناس ، ثم تبخترا

وتناقلتْ صحفُ الحواضر شأنه
وغدت - له - بعضُ الجرائد مِنبرا

عملية مِن بعدها عملية
ونجاحُ كلٍّ يستحث مَن امترى

وجراحة تنداحُ إصر جراحةٍ
ومهارة (الدكتور) أمست مَظهرا

والكل يسألُ مستشيراً واثقاً
والبعضُ يسأل قانعاً مستفسراً

ويجيبُ صاحبنا على استفسارهم
ونراه حيناً قد يُحذر مُنذرا

حتى إذا جاءت إليه مريضة
مما تعاني لم يداعبْها الكرى

بل صارعتْ قلباً يُجرّعُها الشقا
وعلاجُه - فوق الدروب - تبعثرا

في قصةٍ تؤذي وتجرحُ مَن تلا
وحكايةٍ منها الفؤادُ تضجرا

ومصيبة نزلت بأجمل غادةٍ
رضيتْ بما المولى المهيمنُ قدرا

واستسلمتْ لقضائه ومُراده
والأمرُ أوشك أن يُشاع وينشرا

وجميعُ مَن عرف الحقيقة خالها
صِدّيقة ليست تئنّ لمَا جرى

ومُصابُها في قلبها يُدمي الحشا
ويُسيل دمعَ العين صِدقاً أبحرا

لكنه الإيمانُ يمنحُها العَزا
ما أعذبَ الإيمانَ إن هو أثمرا

أسمى مِن الكلمات وصفُ حبيبةٍ
ترجو الحِمام يريحُها مما ترى

وجميعُ أهل الطب خطوا موتها
والكل - بالموت المحقق - بشّرا

وكبيرُهم أدلى بما هم قرروا
أبئسْ بما خطوا وما هو قرّرا

والله أنجاها ، وأهلك ناجياً
نكرَ المشيئة ، ثم كابرَ وافترى

ليكون للضُلّال أعظمَ عِبرة
لمن استهان بحُكم ربي وازدرى

© 2024 - موقع الشعر