غلبتْ عليه شقوته! (حمام منجاب) - أحمد علي سليمان

أخذتَ - للقبح والسوآى - بأسبابِ
فكنتَ أسوأ مُحتال وسَلّابِ

وما احترمتَ معاييراً ولا قِيماً
ولا تقاليدَ أو أعراف أعراب

وما تمثلت أخلاقاً أتاك بها
دِينٌ ، كأنك أنت المارقُ الصابي

وما اشترعت بشرع تدّعيه ضحىً
كم سنّ من سُنن مُثلى وآداب

وما رحمت التي جاءتْك سائلة
عن الطريق إلى حمّام مَنجاب

وما رعيت جواراً ليس يَخفره
سوى رقيع حقير الأصل نصاب

ولم يردّك عنها جدّ لهجتها
فلا خضوعَ بقول ساقطٍ نابي

هل العباءة تُغري مَن تأمّلها
وتحتها بعضُ أفوافٍ وأثواب؟

هل الحجابُ يثيرُ العينَ إن نظرتْ؟
وهل تثيرُ الفتى أعطافُ جلباب؟

حَشيمة تلك ، لم تُبرزْ مفاتنها
وما لها أبداً في أي تلعاب

ولم تسافحْ ، ولم تلِنْ لمن عشقوا
وما لها زمرة مِن شرّ أصحاب

ساومتها يا ضعيف النفس دون حيا
وقلت: هيا ادخلي من ذلك الباب

أوهمتها بالحيا والصدق في جلدٍ
وأنت أحقرُ خدّاع وكذاب

وازددت شوقاً لمرآها ، وقد دخلت
لذاك لذتَ بشباكٍ وأبواب

كأنما ضبعٌ حلتْ فريسته
فبات يطحنُ أنياباً بأنياب

أين المروءة إن كان الفتى رجلاً؟
أم أنت وحشٌ أتى من عالم الغاب؟

صدت الغزالة ، لم ترحمْ تذللها
بل جُرْت بالمِخلب المَشفور والناب

وقلت: ذي وحدها في دار مفترس
ضاري الفحولة في الهيجاء غلاب

فلا نجاة لها مني ، وإن جأرت
مثل الذبيحة في دكّان قصّاب

فالبابُ أوصد ، والجيرانُ في شُغل
وقد أخذتُ تدابيري وأسبابي

ذي غادة سلبتْ عقلي وعاطفتي
وحسنها حاز - إي والله - إعجابي

أقول: هيت لكِ انصاعي لمَا رغبتْ
نفسي ، ولا تحذري مجيئَ غيّاب

وسِرّك الآن في بئر ، فلا تهني
ولن أبوح به يوماً لأترابي

فيم التردّد؟ لا تستنكفي أبداً
عن شهوةٍ جمحتْ بغير هيّاب

ولا سبيل إلى هروب مَن حُبستْ
ما بين أعمدةٍ قامت وأخشاب

ففاجأتك بما تنويه قائلة
اذهبْ وأحضرْ - لنا - شهيّ أرطاب

ودونك السوق ، لا ترجعْ بلا أكُل
فإن مَن تشتهي باءتْ بأتعاب

وقد يعوزك أكلٌ تستعينُ به
على الذي تنتوي آمالُ لعّاب

ثم انطلقت تُلبي كل ما طلبتْ
قبّحْت من رجل – للفحش - وثاب

أنفقت مالك في لحم وفي رطب
تهتاج في عَرَق يأوي لتسكاب

وجئت تطرقُ باب البيت في لهج
والقلبُ يصبو لإبهاج وإطراب

وقد عرفت التي - في البيت - ماكثة
ما أنتما - في بيادينا - بأغراب

بل عاشقٌ يبتغي مرضاة نزوته
إذ خصّ ضيفته الفضلى بإرهاب

تفقد الدارَ في شوق وفي شبق
وما به عصَب يأوي لأعصاب

وأفلتتْ هذه العزلاءُ مِن يده
لأنها حُرة وذاتُ أحساب

وبرة آمنتْ بالله خالقها
وعَفة ذاتُ أخلاق وأنساب

فإذ به وحده - في الدار - مُنجدلاً
يلوكُ ما خلفت من ذل أوصاب

يقول: أين التي دَفّ الفؤاد لها
كما يدفّ عبابيدٌ لأنصاب؟

وكيف تخلِف ذات الشأن ما وعدتْ
حتى تحوز بخلف شرّ ألقاب؟

يا أيها العاشقُ الولهانُ تلك لها
مبادئٌ سمقتْ تُزري بمُرتاب

فتب - إلى الله - مما كنت تنشدُه
عساك تحظى إذن بعفو توّاب

© 2024 - موقع الشعر