صياغة معاصرة لمعلقة عمرو بن كلثوم - أحمد علي سليمان

ألا لا يسألنْ أحدٌ علينا
فإنا في انحدار الجاهلينا

تركنا الوحْيَ - خلف الظهر - عمداً
وآذينا الهُداة المُهتدينا

وحاربْنا الهداية في مضاءٍ
وبتنا للدنايا معلنينا

وغيّبنا الشريعة في قرانا
وضيّعنا الحنيفة والعرينا

وبدّدنا يواقيت الأماني
وحطمنا سيوف الفاتحينا

ودمرنا الحواضر والبوادي
وأذهبنا بذا العز المكينا

(أبا هندٍ فلا تعجلْ علينا)
(وأنظرْنا نخبرْك اليقينا)

بأنا نأكل الذل اختياراً
ونأكل بعده القهر الغبينا

وأنا نشرب المأساة جهراً
وبتنا للمخازي شاربينا

وأنا نستبيح الحق صدقاً
ونكبته لكيلا يستبينا

وأنا نستبد بكل رأي
ولسنا ننشد الرأي اليقينا

وأنا نقمع الأحرار منا
وأنا نخذل الأبرار فينا

وأنا نحرق الأرحاب ظلماً
وأصبحنا عُتاة ظالمينا

وأنا نسحق الأركان سَحقاً
ونطرب أن غدونا فاتكينا

وأنا نهدم البنيان صدقاً
ويبني غيرنا المجد الحصينا

وأنا نذبح الياقوت حقاً
ونحترم الضلال المستبينا

وأنا نسفك الدمَ ، لا نبالي
ومن إخلاصنا نكوي الأنينا

وأنا نقتل المظلوم فعلاً
ونردي - فوق حفرته - الجبينا

وأنا قد ملأنا الأرض عدلاً
نحاكم – داخل البطن – الجنينا

وأنا المانعون لكل خير
وأنا القانطون إذا ابتلينا

وأنا الآمرون بكل شر
ويأمر غيرنا بالقسط حينا

وأنا فوق هذي الأرض أسرى
ويحيا غيرنا متحررينا

وأنا المُهْدرون لكل حق
وبات النور منهزماً سجينا

وأنا الماحقون لكل نصر
وبات البذل فينا مستكينا

وأنا الهازلون إذا نشطنا
وينشط غيرنا حتى بُلينا

أبا هندٍ ، فأبشرْ نحن صرعى
نذوب – على موائدنا - حنينا

ولمّا نفتكرْ في هدي ربي
فواعجباً لقوم هازلينا

(وقد علم القبائل من مَعَدٍ)
بأنا قد ضللنا عابثينا

رسمنا صورة للزيف ثكلى
وأمسى سُحقنا فينا كَنينا

وقدّمنا لعالمنا الرزايا
وقدّمنا له الحال المَشينا

وآياتٌ لنا في الجور شتى
وأمسى الزور - في دمنا - دفينا

شربنا - في الدغاول - كأس خِزي
وبتنا – في الورى - متسكعينا

وشرّدنا الفضيلة في الفيافي
ويذرف جيلنا الدمعَ السخينا

كأن الحيف مفروضٌ علينا
وصار العيشُ مُسْوداً دجينا

نرقع بالضلال دجى هوانا
ونؤثر أن نضِيع ، وإن نهينا

(إذا بلغ الرضيعُ لنا فِطاماً)
نعلمه ضلال المارقينا

فلا يدري حلالاً من حرام
ولا يدري سبيل المؤمنينا

وينشأ في دهاليز الخطايا
فلا يدري منار المخلصينا

وعند شبابه يغدو سراباً
ويحيا في تعلته رهينا

ويصبح - في ديار - القوم مَسخاً
فلا يرقى لدرب الخالدينا

ولم يعرف لنور الخير درباً
وعاش يردد اللحن الشجينا

ولم يشعر بآهات الثكالى
ولم يحزن لحزن المسلمينا

كذاك حكى (ابن كلثوم) كلاماً
تولى عهده في البائدينا

تحوّلت الديار إلى وهادٍ
ترد الحق والهَدي المبينا

لها - في الهزل - ألسنة حِدادٌ
وعند الجد نصبحُ صامتينا

ألا هل مبلغ عنها زهيراً))
بأن لسانها أمسى طعينا

لها في كل منتجع كلامٌ
يفصّل عُجمة ، ويفيض طينا

ألا والموج منهمرٌ عليها
ولا تدري السبيل أو السفينا

أبا هندٍ لقد شمت الأعادي
وسار القوم خلف المفلسينا

وتسقط قيمة ، وتموت أخرى
وتنتحر الفضائل أجمعينا

وأهل الضاد سادوا ، ثم ضاعوا
وصاروا في عِداد البائدينا

وهذي ضادهم تشكو ركوداً
تنام على لهاث الأرذلينا

ويرتزق الغفاة بها كثيراً
ويقمعها الجهولُ فلن تبينا

ويطعنها الجفاة بكل كيدٍ
إلى أن شوّهوا السمط الثمينا

أبا هندٍ وحل السِلمُ هدياً
وأكرمْ بالرشاد المحض دينا

وعمّ القومَ خيرٌ لا يُبارى
وباتوا سادة مترفعينا

وفي أيامنا شقيَ البرايا
وغاب السلم عن دنيا العمينا

شهامتكم أبا هندٍ مَحَوْها
وصاغوا بعدها مَسخاً مَشينا

تفرّق شملهم في الأرض فعلاً
وباؤوا بالمذلة خائبينا

رضوا بتخلفٍ عن كل خير
وما عاشوا بمجد السابقينا

سواهم - في ذرى العلياء - يشدو
وهم - في الوحل - باتوا راتعينا

فواعجباً تخلف ركبُ قومي
وخالف - في الورى - الوحي الأمينا

وخالف عن تقاليد وعُرفٍ
وضيّع بالأباطيل المعينا

يمينَ الله أنكرتُ كثيراً
أبا هندٍ فصدّق ذا اليمينا

ولم يعمل بما أفصحتُ أهلي
وضاع الأجرُ أجر العاملينا

فأقصرْ يا ابن كلثوم ، شبعنا
فلسنا - في سماعك - راغبينا

وخفف من علو الصوت هذا
فلسنا نشتري من يفتدينا

عزمنا أن نموت بغير ذكرى
وفي الهلكى ترانا الأولينا

ألا لا تخبرنْ أحداً علينا
فلسنا في الهوان الآخرينا

سبقنا الكل في كل انحطاطٍ
وسرنا في خِضمّ المُعرضينا

أبا هندٍ لقد ذهبتْ قريشٌ
و(تغلبُ) قد مضتْ في الذاهبينا

وأعرافُ اليعارب زيفوها
وعاش القوم كالمتغرّبينا

فلا هُمْ من (قريش) أو غِفار
وليسوا بالمهيمن مؤمنينا

وليسوا من تقاليدٍ نسَوْها
وليسوا من فريق الصالحينا

وقد أحرجتَ بالأشعار قومي
بمدح العُرْب والمُستعربينا

فتحتَ الباب بالشعر افتخاراً
لأمك قد ثأرتَ ، فكن معينا

دمَ الباغي سفكتَ ، ولم تؤجلْ
محوْتَ العار من قلب أهينا

رفعت اسم (تغلبَ) في البرايا
سحقتَ تعاظم المستكبرينا

فهلا تنظرنّ لذل قومي
وقد سالت دماءُ المخبتينا؟

تمهلْ يا ابن كلثوم علينا
ألا واكبح زيوف الزاعمينا

فليسوا – قط – منك ، ولست منهم
مَشيتم يَسرة ، ومَشوْا يمينا

أعَدتُ صياغة الشعر احتساباً
مُعلقة تشوق المُنصفينا

© 2024 - موقع الشعر