جعلوني مغنماً - أحمد علي سليمان

دمّروني بالكيد والخذلانِ
واستطالوا عليَّ بالطغيان

واستبدوا في كل أمر وشان
واستهانوا بحُرمة الإنسان

واستمرّوا في الجور عقدين حتى
حطموني بالصد والهجران

واستحلوا مالي وعِرضي وداري
ثم حثوا الأعدا على العدوان

واعتلى كلٌ صهوة الغِل يُشفِي
ما اعتراه مِن صَولة الهيجان

وتشفى كلٌ ، وأدلى بدلو
ممسكاً في الفتون بالأشطان

وتعدّى كلٌ عليَّ جهاراً
وأذاقوني حسرة الإمتهان

وتمادَوْا في النيْل مني عياناً
وظلِلتُ مما افترَوْه أعاني

لم يراعوا ديناً ولا عُرف شعب
وابتليتُ منهم بأقسى امتحان

جعلوا مني مغنماً دون حق
فشربتُ التشريد كأس هوان

كالطفيليات التي لا تحابي
أو كمثل الهوام والذبان

ثم جدّوا في الانتقام ، وشطوا
واستطابوا وساوسَ الشيطان

كيف غالوا وشوّشوا ، واستمالوا
في تحدّيهم أنبل الأقران؟

كم كظمتُ غيظي وسامحتُ خصمي
فرمَوْني بالخوف والإذعان

كم بذلتُ المعروفَ لم آلُ جهداً
وخصَصْتُ الباغين بالإحسان

كم شقيتُ كي يستريحوا طويلاً
واحتسبتُ ، لم أفرهم بامتنان

واصطليتُ بالنار كي لا يُلاموا
أو يُصابوا منها ببعض دخان

واحتملتُ الكثير من كل عاتٍ
ثم بُؤتُ في العيش بالخسران

واصطبرتُ حتى قلاني اصطباري
وانقهرتُ من هجمة الذؤبان

عذبوني كلٌ بموقف لوم
وعباراتٍ تحتفي بالبيان

نحن أهلٌ لا تبتئسْ بالزرايا
سوف تحيا في ذِروة التحنان

نحن نفديك بالعزيز لدينا
أنت غال يا سيد الأعيان

فادخِرْنا ليوم بؤس وضنكٍ
نحن أهلُ الإنقاذ والسلطان

لو أتاك رَيبُ المنون أتيْنا
كي نزيل مَرثيّة الأشجان

فاحتوتني الألفاظ كالسحر تسبي
في دهاءٍ ما لاح في الأذهان

خدعوني بالقول يقطر صدقاً
وهْو لونٌ من سامر الصبيان

خدعوني بالوعد فاض يقيناً
وهْو زيفٌ عليه بعضُ الدهان

خدعوني بالترّهات تبدّتْ
في ثياب الأخلاق والرجحان

خدعوني بالطيبات ادّعَوْها
بيننا في سِر ، وفى إعلان

خدعوني بالصالحات أتوْها
بعدما هدّوا أعظم الأركان

خدعوني إذ أظهروا الودّ زوراً
فاشتكى الودّ سطوة الخذلان

خدعوني إذ ردّدوا كل ذكر
للمليك المهيمن الديان

أوهموني أن الحياة كلامٌ
تستطابُ فيه الرؤى والمَعاني

ثم زادوا من فتنتي وانبهاري
بالبكا في تلاوة القرآن

ليت شعري كيف انخدعتُ بقوم
هم ومن يستعدي المَلا سِيان؟

والمصابُ أنكى بزوج تناست
ما تلاشى في سالف الأزمان

لغباءٍ في عقلها لا يُبارى
أرخصتْ وداً غاليَ الأثمان

خانتِ العهدَ ، لم تحكّم ضميراً
واستهانت بشرعة الرحمن

وعليها هانت يواقيتُ عُمْر
أخمدتها بالغِل والشنآن

أسهمتْ في تدمير زوج تعيس
وتقوَّت بالحَيف والعِصيان

ثم أرستْ دعائمَ البُغض عمداً
بعدما شادت أسوأ الأضغان

واستعانتْ بأهلها في التحدي
ثم جالت بالسيف في الميدان

مَن رآها في كرّها لم يُصدّق
فلها طعنُ الفارس الطعان

أشهرتْ في اللقاء سيفَ عدو
والعداءُ أضحى مِن العرفان

حاربت هذا الزوج حرباً ضروساً
واستعانت بالوُلد والنسوان

واستطابتْ إذلاله دون ذنب
واستساغتْ تعنيفه بتفان

كم تمنّت إخضاعه لهواها
حسِبته عبداً من العُبدان

فارعوى دهراً للذي كان منها
كالذي في الأنثى مِن النقصان

قال: علّي أحظى بحب يُدواي
ما أصاب الودادَ مِن يَرَقان

علّني أرضِي زوجتي باحتمالي
وأباهي بالأمنيات الحواني

وأزفّ الأشعارَ بين يديها
تفرحُ القلب ، غضة الأوزان

ثم أهدي الأشعار من لا تساوي
بيت شعر قد ضمّه ديواني

هو عندي أغلى من المال قطعاً
وأجلّ شأناً مِن العِقيان

فاق حسناً قلائدَ الماس ضاءت
في الدياجي أعناقَ أحلى الغوانى

دونه عندي كلُ كنز ثمين
حازه أهلُ المُلك والصَوْلجان

إن شعري روحي ونفسي وجاهي
وانطلاقي وعزتي وصِياني

وأرى أبيات القريض دياري
والقصيدَ في الحسن كالإيوان

كل بيتٍ دمعٌ وجرحٌ وفحوى
وشعورٌ يصبو إلى السلوان

كل بيتٍ شذىً يفوحُ عبيراً
مِن عتيق النسرين والريحان

كل بيتٍ ثغرٌ يُرَجِّع لحناً
في حياتي من أعذب الألحان

كل بيتٍ دنيا تهادى صباها
فاستحالت رُباً عليها المغاني

كل بيتٍ أهلٌ وقومٌ وناسٌ
إن بُلينا بقسوة الخلان

كل بيتٍ جُودٌ وبذلٌ وعطفٌ
إن أصِبنا بالمنع والحرمان

كل بيتٍ سيفٌ يدافع عني
كي أعيش في رفعةٍ وأمان

كل بيتٍ طيفٌ يروح ويغدو
حاملاً ذكرى من قديم الزمان

كل بيتٍ إرهاصة للمعالي
وانتصارٌ للسِلم والإيمان

كل بيتٍ من لؤلؤ عسجدي
لفظه ، والتصويرُ مِن مَرجان

فالمِدادُ من دمعتي قبل حِبري
واليراعُ جلاه دون توان

وأراها لا تستحقّ صداهُ
كيف تبكي هذي على أحزاني؟

زوجة باعت حبنا اليوم بخساً
أتراها ترثي لسوءٍ دهاني؟

زوجة بَلها ، فرَّطتْ في حقوقي
وحقوقِ الأهلين والوُلدان

زوجة خانت أسرة وحليلاً
ثم أزجت للشامتين التهاني

واستعاضت عن زوجها بالأعادي
غدرُها لا يحتاج للبرهان

حسبنا الله في المصاب ، ويكفي
رب فامننْ بالصفح والغفران

كن نصيرَ المظلوم ، والطفْ ويَسِّرْ
ثم حققْ لنا عظيم الأماني

يا ولي الألى إليك استجابوا
جُدْ علينا بالعفو والرضوان

ما استطال الأنذالُ إلا بذنبي
سُنة هذي في الهدى الرباني

تبتُ يا ربي من ذنوب دهتني
واعترفتُ بالذنب والكفران

والمليكُ بالعفو والصفح أولى
من لنا في البلوى سوى المنان؟

قد رفعتُ لله مُرَّ اشتكائي
مُوقناً بالنصر المُبين الداني

والإلهُ الرحمنُ أدرى بحالي
مَن عليمٌ بالحال كالرحمن؟

© 2024 - موقع الشعر