جحا واليراع الذهبي - أحمد علي سليمان

جحا - في القوم - يخطب لا يهابْ
وليس يخاف من بأس الحِرابْ

ويزعم أنه بلغ الذرى
ومَن هم دونه فهم الذباب

ترُجّ القوم صولته ، وإن
فزع الورى لهم قطعَ الرقاب

تمادى في التهكم هازلاً
ويضرب في متاهات الخراب

قد احتقر الأنام ، ونالهم
وبات الأمر في أعتى المُصاب

ولم يرحم ذكياً بينهم
ولا طفلاً ، ولا الغِيدَ الكِعاب

ولا امرأةً ، ولا شيخاً ، ولا
كهولاً ، بل ولا حتى الشباب

وينعق فوق منبره جحا
تماماً مثلما نعق الغراب

وحرًفَ لم يبال بما جرى
ويسأل ليس يدري ما الجواب

وبدد عِلم أسلافٍ مَضوْا
وطوّق كل آيات الكتاب

وزوّر في النصوص مرَادها
تذأب ، صار في عدد الذئاب

مَلا بطناً بآيات الهُدى
ولا يرضى بما فعل الذباب

تمادى في الصياح على الورى
وقد بلغ الصياحُ مدى الرباب

وينضح في الكلام رماحه
وتفعل في الأنام كما الصِلاب

ويُخلص في العمالة والأذى
يريد الأجرَ حقاً والثواب

ويزعم أنه رجلُ الهدى
وما في قلبه غيرُ الصواب

ويقفز لا هياً كجرادةٍ
حقيرٌ في الكلام وفي الوثاب

يُشير بإصبع ليُخيفهم
ويحسر تارة طرف الثياب

يُجيد القذف والفحشا كذا
ضليعٌ في تعابير السباب

شديد البأس في شتم الورى
ليُثبت أنه لا ، لا يهاب

ويبسط وجهه زلفى لهم
ليُثبت أنه يرجو التحاب

وتشغله القشور ، ولا يرى
حقيقتهم ، فليس يرى اللباب

يُحَييّهم ، ويهذي ساخراً
ومن يكشفْ جحا فله العِقاب

ومَن ينقدْ ولكنْ ذو قوىً
له دُررٌ تغلف بالعِتاب

عجيبٌ من جحا ما قد أتى
لقد فعل الفتى العجبَ العُجاب

وأعجبُ مِن تمادى هزله
يُجيدُ السبك في فصل الخطاب

ولو بين الأنام موحدٌ
لجَلى للدهاقنة السراب

وخاض التيهَ ينشد مرفأ
فقد أودتْ بمركبه العُباب

ومن عجب تلوث كل شيء
وبات الحق في جوف التراب

وذاب النور في غسق الدجي
وقد زالت يواقيتٌ عِذاب

وقد رحلتْ أساريرُ المُنى
وما عرفت طريقاً للإياب

وجيلٌ قد تغشاه الكرى
تفنن في الطعام وفي الشراب

ومِن بلواه أفلس كالهوى
تنكر للصلاح وللركاب

ومن عجب يُفضّل ظلمَة
يتوق إلى غيابات العذاب

ويُصبح في معاقرة الخنا
ويُمْسي في سراديب الشعاب

ولم يعرف صديقاً مِن عِدا
ومِن عَجب له البلوى تذاب

فيشربها ، ويشكر ساقياً
ويُمسي يَجرَعُ السم المذاب

وفي الساحات داع ثائرٌ
وليس إلى تصوره يُجاب

إلى أن بات كمّا مُهمَلاً
يُعاني من مخاذلة الصحاب

وقد أعطى ، ولم يكُ باخلاً
ويزأر مثلما الأسْد الغضاب

ولكنْ كبلتْ أسد الشرى
وولت في تلافيف السحاب

وبات جُحا يُضلل في الورى
ويكشف عن مفاسده النقاب

وأعطاه الورى أموالهم
وأمرُ جحا غِلابٌ في غِلاب

وأفسد كل شيء في الدنا
وطال الهُزءُ في شتى الرحاب

وأمسى الحق عيباً والهدى
وأما الزورُ حتى لا يُعاب

جحا في الناس مرفوع اللوا
ألا خاب المُدلس ثم خاب

ومفروضٌ على دنيا الورى
ويدخل للورى من كل باب

ليسحَرهم بكل نقيصةٍ
وأضحى من قلوب الناس قاب

لقد فضحَ اليراعُ زيوفه
وعاد النور من بعد الغياب

فكُف عن التعالي ، وانتصحْ
وأعلنْ في الدنا بدءَ المتاب

© 2024 - موقع الشعر