بخواتيمها الأعمال! (قصة جبلة بن الأيهم) - أحمد علي سليمان

أوَجَدت وعدَ الله ربي الأكرمِ
حقاً - بدار الصدق - يا ابن الأيهمِ؟

إذ غرّك المُلك الذي هو زائلٌ
فأدرتَ - للإسلام - مُقلة غيْلم

أرسلت للفاروق تطلبُ إذنه
في أن تجيئ عليك هيبة مسلم

فاستبشرَ الفاروقُ دون تردّدٍ
فلعل عبداً - بالحنيفة - يستمي

وإليك خط كتابه يرجو اللقا
بمُوحّدٍ لقياه أربَحُ مَغنم

كم تسعِد الفاروقَ توبة تائب
أمسى - لدين الله - صِدقاً ينتمي

ولك الذي - للمسلمين - جميعِهم
وبكل عدل دون أي تكرّم

وعليك طبعاً ما عليهم في الورى
فالله أكرمَهم بشرع مُحكم

فخرجتَ في جمع تعاظمَ كثرة
وأتيت ترأسُ جمعَهم كالضيغم

ودخلتمُ حرمَ المدينة مَوكباً
بدت الحُلي عليه مثلَ الأنجُم

حُللٌ - من الذهب السبيك - نفيسة
ولها بريقٌ ساطعٌ كالعندم

ومطارقُ الأقوام يلمعُ وشْيُها
وكأنما هذي جحافلُ رستم

والخيلُ في سُرُج الجلاجل جُللتْ
ولها صهيلٌ يغتذي بتحمحُم

وعليك تاجُ الملك يستلبُ النهى
ويذكّر الأصحابَ بابن الأصحم

والمسلمون استقبلوك بفرحةٍ
وحَفاوةٍ ، وتفاؤل ، وتبسّم

حتى النساءُ خرجن يشهدن اللقا
والصِبية انطلقوا بكل ترنم

كل القبائل شاركتْ مِن خزرج
و(خزاعةٍ) في ذا اللقاء وضَجْعم

وأقمت بالزهراء خيرَ إقامةٍ
وعليك صبّ اللهُ أعظمَ أنعُم

وكذا تعلمتِ العقيدة والهُدى
وشريعة الديّان خيرَ تعلم

وحَججت بيت الله ، تحدوك المُنى
بالأجر عند المستعان المنعم

فإذا بمَن وطئ الإزارَ تناله
كفٌ تخلتْ - في الشِجار - بمِلطم

فشكى الفزاريّ المظالمَ واثقاً
مِن نصرة الفاروق دون توهّم

فالأنفُ قد كُسرتْ بلطمة ظالم
مُتطاول ، مُتعجرفٍ ، مُتجهم

فقضى له الفاروقُ إما بالرضا
بالذل منك ، بدون أي تبرّم

فإذا أبى كان القصاصُ شريعة
في كسر أنف الجائر ابن الأيهم

فالأنفُ بالأنف ، الشريعة هكذا
أوَليس ذا نص الكتاب المُحكم؟

فجهرت أنك - في الغساسن - سيدٌ
ملكٌ ترفعَ أن يكون له سمي

فأجابك الفاروقُ: قد سوى الهُدى
بين الأكارم في الوشائج والدم

فإذا بإفصاح ، يزيدُك خِسّة
أبئسْ بما وافى به أشقى فم

إذ كنت - في الإسلام - تنشدُ عِزة
ومكانة ، يا للنفاق المُبْرم

فأجابك الفاروقُ: دعْ ما تدّعي
مِن صَولة الملك المُريب المُبهم

فأجبت: إني - بعدها - مُتنصّرٌ
كيلا أسوّى بالعبيد العُدّم

فعلمت أنك إن فعلت فميتٌ
ضرباً بسيفٍ من أمير مسلم

وبنو (فزارة) ينشدون قِصاصهم
والكل أطرقَ في خِضمّ المأزم

فجأرت أمهلْ يا أميرُ إلى غدٍ
حتى خرجت بجنح ليل مُظلم

ودخلت (قسطنطينية) ، وهرقلها
أعطاك إعطاء الجواد المُكْرم

وأتاك من عمر رسولٌ مخلصٌ
يدعوك للإسلام قبلَ المَندم

حتى اشترطت من الشروط عَسيرَها
وقطعت - بالألفاظ - دون تفهم

تُجري على الفاروق شرطك عابثاً
وكأنه شرط اللبيب المُلهم

تتزوّج ابنته ، وبعدُ خلافة
هذان شرطا هازل مُتبرم

وأجابك الفاروقُ لكن بعدما
وافتْ مَنية فاقدِ التقوى عَمِي

© 2024 - موقع الشعر