الدواوين الشعرية النافقة - أحمد علي سليمان

المَيْتُ يكتبُ ميّتَ الأشعارِ
والحيّ يكتبُ حيّها ، ويُباري

لا شيء يُدْعى الدسّ في قاموسهِ
بل يكتبُ الأشعارَ دون تواري

ودواته فيها مِدادٌ صادقٌ
ويراعة مُلِئتْ بذي الأحبار

والشِعرُ حيٌ لا سبيلَ لموته
وعليه هالاتٌ من الأنوار

ويعيشُ بعد رحيل شاعره الذي
تخذ الهُدى والصدق خيرَ شِعار

أما الذي بالشعر نافق قومَهُ
ومضى يزوّرُ تارة ، ويُجاري

فقصيده بالموت عانقه الفنا
فغدا به أثراً من الآثار

نفقَ القصيدُ نفوقَ جفرٍ في الفلا
ورثته قطعانٌ من الأجفار

لمّا يُعالجْ واقعاً متسربلاً
بالبؤس ، كم فيهِ من الأوزار

لمّا يُخففْ من معاناة الورى
إذ كان في دين المليك يُماري

لمّا يصفْ مأساة قوم زلزلوا
وتجرّعوا بالظلم كأسَ مَرار

لمّا يدافعْ عن قضية قومه
فيما يقول لهم من الأشعار

لمّا يجاهدْ منكراً في داره
فهناك أثمانٌ لذا الإنكار

لم يَدْعُ أقواماً إلى دين الهُدى
إذ كان منطلقاً مع التيار

بل كان يرقصُ مستسيغاً طبلة
ويهيمُ إن ضرب الغثا بالطار

ويشوقه الإيقاعُ يُشجي حفلة
ويهيجُ إن أصغى إلى الزمّار

ومَشاهدُ الرّقصات تسبي لبّه
من قبل سبي السمع والأبصار

ونراه دوماً إن قضتْ فنانة
يبكي بدمع لاعج مغزار

ولقد يؤبّنها بعذب قصيدةٍ
تُشجي مسامعَ أغلب السّمّار

وقصائدُ الديوان هزلٌ كلها
تُهدي إلى القرّاء أخبث عار

فقصيدة تُطري الطواغيَ جهرة
وتمدّ من يتلو بالاستهتار

وقصيدة أمستْ تُروّجُ باطلاً
وتبوحُ فيه بكاذب الأخبار

وقصيدة تدعو لتركيع الورى
لجحافل الغازين والفجّار

وقصيدة تُدلي بتمييع الهُدى
كترهّل الرهبان والأحبار

وقصيدة تصف الخنوع وسيلة
للعيش كي نحيا به ، ونداري

وقصيدة تستمرئ الطغيانَ في
ثقةٍ ، وفي عمهٍ ، وفي إصرار

وقصيدة فيها التزلف طابعٌ
ويلٌ لكلّ مُخذل ختار

وقصيدة فيها انتحارُ فضيلةٍ
وعلوّ فاحشةٍ بلا إنذار

وقصيدة فيها التدني عادة
فهل التدني فيه أيّ فخار؟

وقصيدة فيها الترخص مذهباً
هل مثلُ هذا الشِعر يرضي الباري؟

وقصيدة نفقتْ معالِمُ نظمها
فغدتْ كبعض مغالطات الزار

شتان بين الشعر يدعو للهُدى
والشعر يدعو للخنا والآر

شتان بين قريضنا في مسجدٍ
والشعر ينشد في أهيل البار

لا يستوي شِعر سما بعقولنا
بالشعر يجعلنا كما الأبقار

تعساً لشعر ليس يرفعُ قيمة
هو والذي أملاه بَعْثُ النار

وهل استوى الحدّادُ ينفخ كِيرَه
وحديده - يا قوم – بالعطار؟

© 2024 - موقع الشعر