التنور - أحمد علي سليمان

ضاقت النَّفسُ ، وآذتني الخُطُوبُ
وكذا الأنفاسُ ضاقتْ ، والقلوبُ

فارتِ الأوضاعُ والبلوي استشاطتْ
أفلتتْ مِن بين أيدينا الدروب

ورتعنا في حضيض الأرض ردحاً
غرنا بالله شيطانٌ كَذوب

صرف الكل عن الحق طويلاً
ثم كانت بيننا تلك الحروب

ليت شعري ، فار (تنورُ) الرزايا
فعَلا في القوم شجبٌ ولهيب

وإذا بالدمع مدراراً يُعاني
وإذا في الروح ذُعرٌ ونحيب

ونشيجُ القلب في الأحشاء يكوي
وإذا الإحساس مكلومٌ كئيب

في (سراييفو) لنا جرحٌ مُدَمَّيً
ثم في (الشيشان) جرح لا يغيب

يا جِبالاً خُضبتْ بالدم دهراً
وسهولاً بالعذابات تَطِيبُ

يا زهوراً حُرِّقَتْ حتي استجارت
يا حياة كم تحدتها الخطوب

هل سمعتم بُفتاة في صباها
عِرضها يهتكُه اليومَ الصليب؟

وجنينٍ يُطعن الآن جهاراً
دون ذنب ، أين مِن هذا الذنوب؟

وحُبالى في دجي القهر حيارى
أزهنّ الذلُ والغدرُ الرعيب

وعجوز عينُها تُفقأ غدراً
ليت شعري أين من هذي الرقيب؟

ومُسِنٌّ ضِرسُه يُخْلَعُ ظلماً؟
ثم يُرمي في المجاهيل يَجُوب؟

وشباب في أديم الأرض ماتوا؟
وتَري في توه هذا الشعوب

وبُيوت كقضيض في قفار؟
وضحايا دمعُنا فيهم يذوب

لو رأي ذاك رضيع يا فؤادي
لاستوي كهلاً ، وأرداهُ المَشيب

إنه الموتُ علي الناس حُسامٌ
قاصلُ النَّصل مبيرٌ لا يخيب

يحصد الكل ، ولا يُبقي جنيناً
كيف مِن هذا القضا يوماً هروب؟

وإذا بالقوم غرقي في دماءٍ
وإذا للصَّربِ إطباقٌ مَهِيب

لكنِ الدهر طويلٌ ، يا خزايا
شمسُكم هذي سيطويها الغروب

ثم لن تشرق في الدنيا ثوانٍ
إنما الظالم بالظلم يَخِيب

ولكُم في (بدرنا) كل اعتبار
ولنا في الغُنْم قد كان النصيب

واسألوا الطاغوتَ مَن كان أميراً
إن يوماً مثلَ هذا لعصيب

ذُبِّحَ الكُفار تذبيح نعَاج
ندبوا الحظ ، ولم تُجد النُّدوب

ثم ذاقوا مِن كؤوس الذل حيناً
وإلي ما طَلبوا فليستجيبوا

عرَفوا (البُوسنةَ) أرضاً وجهاداً
وجواها ليس يَرويه أديب

وكذا (الشيشانُ) في البأس رجالٌ
كل جيلٍ ساعةَ الحَربِ ضُروبُ

جُندُ هذا الدين كُثرٌ كالضواري
ولهم عند الوغي بأسٌ رهيبُ

ولكُم يا أيها الكفار يوم
أسودُ السِّحنة ، تُلقِيه الغُيوب

إنما (البوسنةُ) منا وإلينا
وفلسطينُ هي الحِصنُ النّجِيب

وكذا كَشميرُ والصومالُ منَّا
وكذا بورما وأقصانا السَّلِيب

كل أرضِ يُذكرُ الرحمنُ فيها
مِن قُرانا ، إن شمالٌ أو جَنُوب

كل شَعبٍ يُعلن الإسلام شرعاً
باعتقاد ، ثم فِعلٍ ، ذا حَبِيب

فَرْحُه فَرْحي وحُزنُ الشعب حزني
ذلك التوحيد ، مَرمانا الخَصِيب

ولنا اللهُ به نلقي الأعادي
ولنا العزة والنصرُ القريب

وبأيدينا يَذوق الكفرُ خِزياً
إن أرادوا العز حقاً ، فليَتوبوا

نحن نُكْرَهُ في الدين سوانا
باختيار القوم صدقاً فليُنيبوا

ذلك الحق ، ويَدريه أناسٌ
لكنِ الكُفر له رأي مُريب

زيَّفُوا التاريخَ أمسي الزورُ حقاً
وإذا تزييفهم فينا قَشِيب

إنما الحقُّ سَيعلو بدماءٍ
ربنا المولي قريبٌ ومجيب

فانصرِ اللهمَّ مَن بالدين يسمو
إنما مِن عندكَ النَّصرُ الرَّطِيب

© 2024 - موقع الشعر