شوق المحبين - أحمد علي سليمان

أرجُو السماحَ بأنْ أراكَ اليومَ ساعة
فيها حِوارٌ ليس تَنقصُه الشجاعة

فالأمرُ أمسى فوق طاقة عاشق
وكأنّ قلبَكَ وَدّعَ الآنَ التياعَه

أوَلا تُحِسّ بما جرى لي في النوى؟
إن الفراقَ رَمَى على قلبي وِجاعَه

وأنا على البلواء ما لي قدرة
واللهِ إن الحال بالغة الفظاعة

والقهرُ في أمْر الحبيب مُجَندلٌ
مِن يوم أن راجت لدى الناس الإشاعة

والشامتون على الدروب تسامروا
واسمُ الحبيب حَلا لألسنة الجماعة

أنت الذي أعطيتني لك صورة
فيها الأريجُ ، وحُبيَ المِسكينُ ذاعه

وأراكَ من نظري إليك حرمتني
والصوتُ صوتك قد حُرمتُ هنا سماعه

أعدمتَ إنسانية ورَباعة
وغدوت مثل قويرب جافى شِراعه

فاللهَ أسألُ أن يردك والألى
صحبوك ، إن البُعدَ مُحْتدّ الشناعة

لا أستحقُ من الحبيب تجافياً
واليومَ لا أشكو لمَن حَولي ضياعه

فليذهب المحبوبُ حيثُ هو اشتهى
فلربما وجدَ الصداقة والشفاعة

وأراهُ يخسرُني ، ولستُ بخاسر
أنا قد مللتُ من الذي أهجو طِباعه

إن النهارَ يسودُ من بعد الدجى
وينامُ أهل الراح بعد السُكْر ساعة

وينامُ أربابُ القِمار نهارهم
وتقامُرُ الأقوام من أخزى البضاعة

وتُفِيقُ من نومٍ حبيبي بعدما
تستبصرُ الحق له أقوى النصاعة

ما بين نيران وجناتٍ حبيبي
يا فرْحتي بالنور يُهدينا شُعاعه

ها فانظر الدنيا زهتْ في خير ثوب
إن انتقام الحب قد أهداكَ صاعه

إني ابتسمتُ اليوم أني صرتُ وحدي
أنا ما بذلتُ في هوى دنيايَ طاعة

صِدْقاً لدنيانا انتقامٌ مِن ذويها
لكنني لمّا أصِبْ منها لعاعة

مناسبة القصيدة

(الأصل أن يكون الحب شعوراً متبادلاً بين المحبين! وهذه زوجة تبدي الجفا وفؤادها دام من الصبابة والهوى! فما كان من زوجها إلا أن اعتز بنفسه وترك لها الخيار. ونقلاً عن جريدة الدستور يقول الأستاذ الناقد محمد عريقات ما نصه: (من يقرأ لبعض الشعراء القدماء ، دون الالتفات إلى المسافة الزمنية التي تفصل فيما بينه وبين هذا الشعر ، سيشعر أن هؤلاء الشعراء هم من معاصريه ومشاركيه في الحياة الاجتماعية إضافة إلى الحالة النفسية الراهنة وانفعالاتها مع الواقع. في هذا السياق قد تخدم هذا القارئ قصيدة لشاعر في العصر الجاهلي ، تعكس رأيه الذاتي والاجتماعي دون تلك القصيدة التي يكتبها شاعر معاصر يسكن على بعد شارعين منه ، من هنا تتلاشى هذه المسافة الزمنية بين الشعر وقارئه ، وتتحقق الحداثة ويكون هذا الشعر مضارعاً على الدوام. هنالك شاعر قديم ، لكن ليس هنالك شعر قديم تأسيسًا على هذه المقولة ، فإن امرأ القيس شاعر قديم لكن شعره الذي يخترق الزمن على الدوام بتأثيره وفاعليته ليس قديماً ، كذلك كم من شاعر معاصر تعود بك قصيدته إلى عصور سحيقة في النسيان؟ فيما يتعلق بالقصيدة تجد أن هذا الشاعر الحديث *زمنيا* لا يجد أصالة وجزالة لها إلى بعلاقتها المباشرة المشوّهة ، بطبيعة الحال ، مع الموروث والتقوقع فيه دون تجاوزه ، ظنه أن مستقبل الشعر في ماضيه كما لو أن الكمال الشعري قد تحقق وانتهى مع الشعر الجاهلي. كلنا نتذكر الرصاصة التي أطلقها محمود درويش في مهرجان قرطاج الدولي حين قال قاصداً مجايليه من الشعراء: إن أبا الطيب المتنبي أكثر حداثة من كل الشعراء المعاصرين ، فما يسمى بالشعر العربي الحديث وقع في نمطية مبكرة وأصبح مصاباً بالتشابه والتكرار. نقرأ آلاف القصائد اليوم ، ولا نعرف من يكتبها لتشابهها وتطابقها. وفي كلامه هذا إشارة كبيرة على أن المسافة الزمنية بين الشعر والقارئ ليست معياراً أو مقياساً لأن يكون الشعر حديثاً أو قديماً. ولعل من أبرز شعرائنا القدامى الذين حقق شعرهم هذا العبور الدائم للأزمنة هم بالدرجة الأولى *أبو تمّام* ، و*المتنبي* ، و*أبو نواس ، حيث أن الأول تجاوز مخترقاً النطق الشعري الذي كان سائدًا في عصره بأن أسس للغة جديدة لها أبعادها ودلالاتها المتجاوزة بحركتها لصنمية المعنى ، مما أنقذها من الشيخوخة وتحنيط الزمن لها داخل مرحلة معينة ، حيث أنها ترفض الواقع المألوف وتعمل على منحى جدلي مجازي ، جاءت كشاهدة على شرعية العمل على تطور القصيدة ، وهو الشاعر العباسي الأول الذي جذّر للغموض والإبهام في الشعر ، وذلك يرد ادعاء النقاد المعاصرين الذين يدعون إلى العودة إلى الماضي في سبيل التخلص من الإبهام. قيل لأبي تمام: *لماذا لا تقول ما يفهم؟ فرد عليهم: *ولماذا لا تفهمون ما يُقال!* ، الغموض ليس قضيتنا ، بقدر ما هو إعلان عن حداثة أبي تمام في عصره ، حداثته التي اخترقت بشعره العصور التي تلته. ويؤكد في أكثر من شاهد أن قصيدته ابنة الفكر ، وأن لغته عصية على الهرم ، مهما تعاقبت عليها الأزمنة ، ولعل استعاراته المربكة لمجايليه جعلته يتجاوز عصره بمراحل ، ومن قصص غرائبيته أن قال أحد التقليديين وهو *ابن الأعرابي* عن شعر أبي تمام: *إن كان هذا شعراً ؛ فكلام العرب باطل. أما أبو نواس ، شاعر المدينة الأول ، وشعره خيالي لم يتحقق بعد ، كذلك وصفه أدونيس في كتابه *زمن الشعر* ويضيف بأن شعره يقدم نفسه عارياً من أي سلاح عدائي ، إنه يقول الحرية ، حرية كل فرد ، ويحضنها ، ويطوف معها ، ويغنيها ويغني لها ، كأن هذه الشعرية تموج الرغبة نفسها في أعماق الإنسان حيث لا إكراه وحيث يتلاشى العنف من تلقائه ولا يعود له أي سلطة).هـ. وهكذا ينبغي أن يكون الحب شعوراً متبادلاً بين الزوج وزوجته!)
© 2024 - موقع الشعر