رسالة من امرأة (1)

لـ عمر الحسن، ، في الغزل والوصف، آخر تحديث

رسالة من امرأة (1) - عمر الحسن

أكتب لك فجر الثالث من أيلول اجتاحتني رغبة جامحة في الكتابة لك رغم معرفتي الخالصة بأنك تنهى عن الرسائل المكتوبة وتفضّل المسموعة وأكثر منها تفضل اللقاءات أكتب لك ولا أعرف هل ستصلك هذه الرسالة أم أني سوف أفرط في التسويف في إرسالها إلى أن أفقد الرغبة في ذلك كعادتي دائماً عزيزي عمر طريقتك في الكتابة تعجبني وأكثر ما يعجبني منها طريقتك في التفكير اسمح لي أن أسميك مفكراً كثيراً ما أبحث عن المفكرين وأقصد بذلك الذين لا يخافون من طرح الأسئلة ولم تكن أسئلتهم الوجودية رهينة رأس، وكثيراً أيضاً ما أستمع لمفكرين لكن هذه المرة الأولى التي أقابل فيها مفكراً في مجتمع يرتاح للتعايش مع أفكار قد ولدت من رأس قد لقي حتفه. أيها العزيز، سعيدة بأن الصدفة ألقت بك إلي وغاضبة من أن سماء واحدة تجمعنا ولم ألتقِ بك إلا بمحض صدفة لقد بكيت قبل أكثر من أسبوع لسبب أعتقد أنك تعرفه حيث أنك دائماً ما تدعي أنك تعرف ما وراء جدار البال وما تحت اللسان، تأملت فيك ذات ليلة الشيء الذي لا تعرفه يا عمر أنك مألوف في مخيلتي أنت تشبه فكرة اختلقتها عندما شعرت باليأس من أن أجدها على هذه المعمورة. أما عن سبب بكائي فكان السبب الأول له أني وجدتك على هذه البقعة من الأرض إذ تمنيت لو أنك صديقي، صديقي يا عمر ولو أني رأيتك بعين القلب (كان مقدور عليه) حيث أن أمر قلبي بين يدي، لكن رأيتك بعين العقل وهذا ما جعل وقع الأمر قاسياً على نفسي، بكيتك بكاء الفقد. هل لي بطلب كبير؟ أتمنى منك أن تكتب، تكتب كثيراً، أن تكتب بإسهاب بغير توقف.. اكتب يا عمر في كل أوقات فراغك غير المتاحة أصلاً، اكتب وهبني القراءة لك، أتمنى أن أقرأ ما يجول في رأسك وفي صدرك (هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر) لا أتأمل أن ترد على هذه الرسالة اقرأها فقط. (فلانة)
 
 
 
أكتب لكِ مساء الخامس من أيلول صباح الخير وإن كان الوقت ليلاً إني أرى كل الأوقات نهاراً ما لم أنَم لقد أتعبتني قلة النوم كما أضرّت بكِ كثرتُه ثم أستعفوكِ وأسألكِ صفحاً عن مخالفتي رغبتكِ في: الاكتفاء بقراءة الرسالة دون جواب. لكني فرّغت نفسي للرد على رسالتك كما فرغت نفسي لقراءتها فالكتابة هي الصوت المرئي وأنا أكتب لأني أرفض العيش وأريد الحياة فإنَّ القراءة هي نجاتي من الجحيم، والكتابة تعني وقوعي في الجحيم فإن قلتُ لكِ: هناك يوم جميل (صدِّقيني) وإن قلتُ لكِ: سيأتي هذا اليوم (كذِّبيني) فكل الأيام أسطوانة مكرورة وعمّا قليل تشرق شمس غدٍ ليبدأ أمس وتهرولين مثل الأيام وراء موهبتي، وصداقتي، وفكري هل ترَين سرورك في قدرتي التعبيريّة وهي تصوّر جراحي بكلمات؟ إنَّ كل قصيدة كتبتها كنت أشعر بدوخة ودُوَار كنت أشعر بدوران الأرض من تحتي هل ترَين الصداقة مني فوزاً عظيماً؟ فلقد استضافني الاكتئاب إلى خيمته وذهب لإعداد القِرَى ولم يرجع فأنا هنالك وحدي هل ترَين التحاور مع رجل تورّط بعقله، غنيمةً لكِ؟ في رأسي.. ما يشبه هزيم الرعد في رأسي.. ضوضاء تصخب ولا تهدأ أبداً أسمع مِطرقة حدّاد.. أسمع دَمدَمة دم دم دم
(عمر)
© 2024 - موقع الشعر