قصيدة ديوان في الشام - الزبير الكتاني

في الشام
 
في أي مكان ترى قطعة من أرض الشام, ستجد نفسك تغني
...
سلام إلى أرض السلام شامنا
حمامة الشرف بين تلال الكرامة
مررت بها أرضا شامخة
شام السلام منيرة الأكوان
متى تزور الشرق يا ابن الكرام مرة
فإنك لن تراها الا بين عينيك
...
في الشام...
في الشام إبن النبي “سام “
عليها استوطن فسميت به
بعد تلاث نقاط كتاج الملك
بعد الطوفان أحياها
وكأنها رسالة
وسوريا بين أراضي الشام نيرة
كوردة حمراء بين أغصان الزيتون
على الشام وعد من نبينا الصادق
نصر لايبالي لمن خذلها إلى يوم القيامة
على الشام كلمة حق من نبينا
أنه تكفل بها رب العالمين
على الشام وصى نبينا
صحابته على الخط فيها
عليها ود علي الكريم
ان يصرف بدينارها من الدراهم عشرينا
...
في الشام...
في الشام عبق يختصر روائحها
تذهب مخيلة بعطر الياسمين
تكتب حروفها بماء الورد
وكثير بماء الذهب الثمين
فكل اسم كتب بطريق
فاقرأ عنها إن فكنت من القارئين
وامرر بها واستنشق نسيمها
تذوق بهاراتها المركزة
فيها الياسمين والعصفر...
...والزنجبيل والزعتر ...
...وجوزة الطيب واللوز والصنوبر...
...والفستق الحلبي أخضر...
...بها سوريا وفلسطين
بها الأردن ولبنان وما عليها
من المحيط والهلال الخصيب
وحزب الله يخفض للغزاة جناحه
حتى استحقرت نيوب الليث البهائم
بها كل من مرو عبر الزمن
يستعمروننا ويهددوننا
ويستولون على ما حرم عليهم
من الثمار وحقولها
يا من لا يعرف عن الشام غير اسمها
يهديك ربك من ضلالك
...
بين جنبات أرضنا
تختلط رائحتها العتيقة بأصالتها
فتصيب كل العاشق بسمها
فالشام لا تعرف كرها
فاسأل عن دمشق إن كنت ضالا
واسأل عن ياسمينتها
فتم معنى الحب
استمع إلى وصف الشعراء
ومحادثة الملوك
إنها ملكة الورود
ومسجد للناسك
وصدق العهود
....
لها من القلوب ودها
ومن بيوت الشعر أعذبها
لها الرحمة من أعماق العالمين
كلما أشرقت شمس
بنهار زمهرير تدفئه
وكلما نزلت قطرة مطر
على أرض قاحلة تحييها
وكلما تجلت عن سمائها الفيوم البيضاء
كأنها الزنبق النقي
توزع ثمارها ليسد رمق الجائعين
إذا ما بكى طفل بعد الحصار
تبلله وتروييه
تحييه وتغريه
تدب رغم الكيد حب الأرض
تمنى الانتساب لها الملايين
لتظهر زرقة سمائها اللامعة
تباهي الأقمار بجمالها
كأنها البحر النقي العذب
اجتثت منه ملحه
كما انتزعت أراضينا
فيضيء بخيوط شمسه
بين الرمال من ذهب
وفي الشام يمددنا ربنا
بملائكة ذي أجنحة تحمينا
سدا منيعا إذا طفح الكيل حينا
يا من لا يعرف عن الشام غير اسمها
يهديك ربك من ضلالك
*استهلال الكارثة
 
بروح من الاله تجرى القصائد
وتجرى بدمعة تسمى زبرجد
أتى طائر من الجوار محلقا
ركينا كأنه خيال مغرد
يحدث أخبار عن الشام لفظها
بأن الحياة بين شامي تأبد
ففي الشام أمطار من النار نبعها
وتكوى بحرّها القلوب تصفد
وطفل رضيع حين يجري يقتّل
يظنون أنه من الجن موجد
 
وملك الموت يجمع الأرواح أشتاتا يضمدهم
من الأكفان من تحت الركام
إلى أعلى العنان من ثم للجنان
وحكام لهم يضيئون الليل قنابلا
ويطلبون عن الشد وقف القتال
 
وأجلس وحيدا...
بين ثنايا الظلام
لا أسمع من ذلك الوطن
إلا عن قتيل أو جريح
والليل يهذي
زفراته تأبى الخروج
 
سأعلن العصيان
في 30 سبتمبر عام 2000 اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، وقع اشتباك بين القوات الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني، وسط الاشتباك كان طفل في الثانية عشر من العمر خلف والده خلف برميل اسمنتي، وكان الأب يشير إلى الجيش الصهيوني بأنامله بأنهم مجرد مواطنين عزّل لوقف اطلاق النار وسط وابل من الرصاص والغبار، ولكن الجيش أبى إلا أن يقتل الطفل الصغير ويترك أباه الذي غادر بعد ذلك الأراضي الفلسطينية إلى المغرب لأنهم مؤمنين دائما بأن الطفل هو المستقبل، مستقبل التمرد والعصيان، مستقبل المقاومة لاستعادة أرضه المسلوبة لذلك كان النساء والأطفال أكبر هدف يسعون لقتله ومحوه من الوجود مدة أكثر من سبعين عاما؛ وفي أواخر 2010 تحول الأمر للتمرد والعصيان على الحكام العرب، لتبقى الشعوب العربية تقاتل بعضها بعضا حتى تهزم بيدها وتنسى عدوها الحقيقي، وكان لسوريا النصيب الأكبر من ذلك الشتات، وتوالت الأحداث التي لا تخفى على أحد، والنفوس ضعفت، وظهر الوجه الحقيقي لعامة الناس على بعضهم، ووسط الليل والناس نيام وبعضهم يرثي بعضا، زفر الليل زفرة ثقيلة.
...
زفرات الليل بها كلل
ورذاذ الحزن بها قتلوا
والهم الكافر يسحقني
وذنوب الموت بها زلل
قل لي ما بالك يا قمر؟
أرأيت الصبح له ملل؟
أرأيت الليل يوجعني
وكأن الليل له وشل؟
قد غار النجم من القمر
وأنين الليل له ثمل
فبكى لي النجم وسهرني
فاصبر يا قلب فقد قبلوا
يا أهل الشام أنا قبس
صنم والشام بها نذل
قتل الأطفال بقنبلة
لولا الثورات لما قتلوا
يا أهل الشام أنا مطر
يا طفل الشام لك الوجل
يا طفل الشام أنا عبث
يا طفل الشام لك الخجل
يا طفل الشام فدا العمر
لولا الأيام لها أمل
يهوى المحبوب لقائكم
لولا الحيطان لها النكل
إني لأنوحك يا طفلي
بدم ينحاز له العقل
ولأجل الطفل جرى شعري
ولأجل الحكم لما القتل؟
ويبقي قلب الطفل في الكتمان
ولأجله سأعلن العصيان
وسأعلن تداخل الشعر بالنثر
فلا قافية ولا وزن ولا ألحان
ولا عفو ولا رأف من الكريم المنان
وطفلة تزمجر من تحت الأنقاض
كمدفع حين يطلق حمولته
تكسر عنان السماء بحر سقر
وتهبط على العزل
فلا تبقي ولا تذر
وتحمل الردم بالصبر
فيسقطه جندي لابد من موتها
حتى يرتاح العدا
ليسمى...
بطل لوطنه فداء
حماه من كيد طفلة
دمها بركان
لا يدخل مجال الأمان
لا يشبه عبرات الغلمان
ليس لكيد فتيان
لا يعامل معاملة الصبيان
وجدائل شعرها بها قذائف تقصفهم
من رأسها إلى السماء إليهم
فحيي دولة السلاح إنها
تهاب شعر الطفل الأعزل
لها دعاء يجري فيرعبهم
ويلوون وجوههم ألما
ليتبعونهم أعوانهم حكاما
تناقض كالنثر
يحسبه القارء شعرا
والأدب جبل
أعلاه شعر وسفحه نثرا
يؤيدوا غبار الأمم ليأخذوا الرضا
تضخمت أثداؤهم
فأصبحوا نسوان
بربكم أهذا كفر أم إيمان
سأعلن العصيان
....
واسأل الجمال عن دره
رغم خوفه خلف والده
يعلم الأجيال معنى الصمود
صرخته بلا سلاح
تبعد الجند المترفين
ورغم سلاحهم
خائفين مبعدين
ووالده يشير يا آثمين
أنا الحق فاقتربوا
لأقول...
جيوش الغرب قد خافوا الجنين
ورغم الموت لم يسمع أنينا
يخاف الموت من طفل الكرام
إذا خافت جنود الكافرين
يعود الطير رمزا للعناد
إذا طافت أيادي العابثين
نسيتم ثأرنا يا قم خوف؟
فلا تُهذى رقاب الأرذلين
فنادي الحق كي يمشي لماما
كمشي الليث إذ دخل العرين
فإن الحق شاخصة يداه
كبطش الأرض إذ طالت علينا
 
أنسيتم كل ما مر؟
نحن والله ما نسينا
قد فهمنا
مات الضمير فينا
صهاينة سلاحهم النار
وسلاح الشهيد دمه
منا الدم والأرض والرهف
ومنكم السفك والقتل والقصف
منا الجمال والجو الرطب
ومنكم الدخان والسم الزعاف
نسيك القوم يا سيد الشهداء
وينسى الشهيد كأنه ما كان
والملائكة تعليه في الأكفان
واخجلتاه من شوق النبي العدنان
سأعلن العصيان
....
واسأل الشام عن حمامتها
حمامة السلام أصبحت رمادا
دمروا المساجد والكنائس
وأتوا بكل يد تنهشها
وشربوا كأسا على جثتها
وطاب لهم الاحتفال
أترى مت يا حلب؟
أراك ترتعدين
يا حلب قومي فالنصر آت
فداك كل القوم والدعوات
أليس هذا وعد النبي؟
مالي أرى بين المفاصل رعدة تململك
واصفر بالخوف لونك فأرقك
ووقف شعرك فأخجلك
مالي أراك وسط الركام نائحة
إنه ليل ولا صبح هناك
يا حلب قومي وانظري
جيوش الرسول سرّجوا خيولهم
قدموا للعدو مسائلين غاصبين
يا حلب لا تفزعي من بطش العدو
وأنياب الأخ عند الحرب
فلا مجال بقوتك الكامنة من الاستسلام
ولن أقول أكثر ما يقول شعبي اليوم وغدا
في الشام شعب إذا فرقته اتحدا
والكلب كلب ولو سميته أسدا
زورا تظن إذا قطعتهم سجدوا؟
الشعب هذا لغير الله ما سجدا
ووقف ظالم عند العيد يُصلّي
يظن بركعته سيصلح بلدا
وماذا عن هدم الأكوان
ورباط الفرسان
وبكاء الصبان
تزمجر يا قوم أنا انسان
سأعلن العصيان
...
لم العصيان؟
أخذت أفكر بعد توقفي قليلا عن الإنشاد لم العصيان، لقد سقط لحد الساعة أربعمائة ألف قتيل، وشرّد الملايين، وفي هذا الخراب، بكت طفلة على أبيها أنها ستهلك جوعا تحت الركام والرصاص والجفاف، يخرج أبيها المعدم باحثا عن أي شيء يسد رمق طفلته الهزيلة الصغيرة رغم أنه قد فاقها جوعا، فيسمع صوت الرصاص بعد ابتعاده عن كوخه بأمتار قليلة وسط الظلام لتستقر في صدره ثلاث رصاصات تجعله يسلم الروح إلى بارئها، لتتبعه ابنته بدموع تسع الجبال تضرب على صدره باكية قم يا أبتي لا أريد أكلا فقط قم أريدك أنت، لتقع فوقه برصاصات عدة أصابت الجمجمة والظهر والكاحل؛ بالكوخ الذي بجانبه يقطن هناك رجل وزوجته وابن وبنت حسنة الوجه شديدة الجمال معروفة بأخلاقها الطيبة وخجلها الشديد، يقتحم الكوخ أربعة مسلحين من تنظيم داعش الأمريكي محاولين اغتصابها وسط أهلها، يثور الابن والأب الشيخ الهزيل لمنع البلوى فيتلقيا رصاصا لا يعد ولا يحصى، تصرخ الأم والبنت بلا جدوى، ويلكم من المولى، ليسخروا ضاحكين... الله ..؟؟ نحن قتلناه؛ ثم أفكر من جديد .... لم العصيان؟
فتجيبني نفسي...
 
لأجل حلب هنا وكل من قتلوا
لأجل طفلة تهذي بالجوع والموت ينتظر
لأجل مغتصَبة تخجل الأطفال إذ نظرت
لأجل متمسلمين ساخرين
الله؟... نحن قتلناه
لأجل المغبونين في ريف حلب
في الحاجب والسفيرة وادلب
في جبرين وتقاد وخان شمعون
وما أمام خزان الرشاشات الأمريكية
وما خلف خط قصف الطائرات الروسية
قام الهزابر الثائرين
يضمدون سعوف الحرب
 
سنشد شهبائتنا منهم
وستمض قنابلنا كالهم
وتقوم الأرض مقاومة
لرجال الله فتى قاصم
فقلوب العرب مسالمة
وسيوف الغرب لنا كالسم
بسلاح الحرب سنرعبهم
وسماهم خوفا تتهدم
وبأيدينا سنقاومهم
كصقور الأرض لهم كالضم
يا طفل الشام أضف صبرا
فرياح الأرض لهم تشتم
ستدور الأرض وتطردهم
فكلام الحزن يضيع الدم
 
وأخذ في النهاية طفل الشام
يغرد على أنغام القيرواني
وسط صوت الرصاص
 
يا ليل، الشام متى غدها؟
أقيام الساعة موعدها؟
وبكت أطفال تشهدها
عيني يصيح توعدها
فبكت أعوان تفردها
والموت أسير يأخذها
حلبٌ أسوار تقددها
قانون الغاب مصيدها
والحال تغنى مُأقصدها
للحزن مآس تجحدها
ما أحلى الشام تبددها
لولا الحيطان تنكدها
فبكى الأحباب تمددها
للكره أساه تفندها
يا من بالشام محددها
للأهل عشيق موردها
يا شام القرن توصدها
عينيك صفاك تمجدها
وبكى الأطلال تكمدها
أسف للشام يقددها
أطفال الشام تبعدها
قد طال الحق يخلدها
وورود الشام مفندها
نكران الحق مصيدها
فلويل الأرض مبجدها
حنق للحرب يبددها
خُلق الشرير ينكدها
ويصيب الأرض يعربدها
والنار جرى ليهددها
حكام العرب تأبدها
فبكى السُّقَّاط يغردها
أسف للبين يرددها
© 2024 - موقع الشعر