جُرْذَانُ الْخِذْلَانِِ

لـ أشرف السيد الصباغ، ، في العتب والفراق، 61، آخر تحديث

جُرْذَانُ الْخِذْلَانِِ - أشرف السيد الصباغ

تَهْفُو الْجُرْذَانُ لِنُصْرَتِهَا
وَلَهِيبُ الْوَهْمِ بِنَبْرَتِهَا
 
هَيَّا اتَّحِدُوا، هَيَّا اقْتَحِمُوا
وَغَدَتْ تَخْتَالُ بِمِشْيَتِهَا
 
جُرْذَانُ الْخِذْلَانِ اجْتَمَعَتْ
وَتَظُنُّ الشَّمْسَ بِقَبْضَتِهَا
 
بِطَنِينِ ذُبَابٍ قَدْ هَجَمَتْ
لِتُخِيفَ اللَّيْثَ بِصَيْحَتِهَا
 
نَسَجَتْ مِنْ رِيشٍ أَسْلِحَةً
وَتَهُبُّ لِنَجْدَةِ فِكْرَتِهَا
 
وَجُيُوشُ خَيَالٍ تَصْحَبُهَا
لِتُنِيرَ الْحُلْمَ بِشَمْعَتِهَا
 
وَرَوَتْ بِالذُّلِ كَرَامَتَهَا
وَالْجُبْنُ مَآذِنُ شِيمَتِهَا
 
فَتَبِيتُ بِأَحْضَانِ الْغَفْلَةْ
وَيَغُوصُ اللَّيْلُ بِلُجَّتِهَا
 
قَدْ أَيْقَظَهَا نُورٌ فَجْرًا
يَرْمِي بِاللَّوْمِ لِثَوْرَتِهَا
 
بِلِسَانِ الْعَزْمِ يُذَكِّرُهَا
فَتَهِيمَ بِوَادِي مِحْنَتِهَا
 
أَبَتِ الْجُرْذَانُ اسْتِسْلَامًا
وَسَعَتْ فِي جَنْيِ مَغَبَّتِهَا
 
وَاللَّيْثُ يُطَالِعُ فِي عَجَبٍ
وَيُرَاقِبُ كِبْرَ حَمَاقَتِهَا
 
وَالذِّئْبُ يُرَدِّدُ مَوْعِظَةً
يُذْكِي نَارًا مِنْ حُرْقَتِهَا
 
مِسْكِينٌ يَحْمِلُ سِكِّينًا
لِعُيُونِ الشَّرِّ وَجَذْوَتِهَا
 
فَانْقَضَّ اللَّيْثُ بِزَأْرَتِهِ
فَتَشَتَّتَ شَمْلُ شَجَاعَتِهَا
 
وَبَدَا مِنْ جُرْذَانٍ زَيْفٌ
وَتَوَارَى الْخِزْيُ بِحُفْرَتِهَا
 
وَتَهَدَّمَ وَهْمٌ فِي ذُلٍّ
وَتَهَاوَى الدَّمْعُ بِمُقْلَتِهَا
 
حَدَثٌ جَلَلٌ قَدْ رَاوَدَهَا
إِذْ جَرَّتْ ذَيْلَ هَزِيمَتِهَا
 
فَتَلُوذُ بِأَهْدَابِ النَّجْوَى
كَيْ تَرْضَعَ ثَدْيَ مَهَانَتِهَا
 
تَتَقَلَّبُ فِي جَمْرِ الْحَيْرَةْ
فَيَنُوحَ الْخَوْفُ بِسَاحَتِهَا
 
مِنْ نَظْرَةِ لِيْثٍ قَدْ خَضَعَتْ
فَاهْتَزَّ الْكَوْنُ بِرَعْشَتِهَا
 
وَيَصُوغُ الْأُفْقُ لَنَا عِبْرَةْ
صَارَتْ مَثَلًا مِنْ سَاعَتِهَا
 
"مَنْ يُصْغِ لِجُرْذَانٍ مَرَّةْ
يَشْرَبْ مِنْ كَأْسِ مَرَارَتِهَا"
 
 
شعر / أشرف السيد الصباغ

مناسبة القصيدة

الْمَبَادِئُ الشَّرِيفَةُ، تَصْنَعُ الْمَعَانِيَ اللَّطِيفَةَ. وَالآرَاءُ الرَّاجِحَةُ، تَدْفَعُ الشَّائِعَاتِ الفَاضِحَةَ، وَإِنْ نَاحَتْ لَهَا أَلْفُ نَائِحَةٍ. وَمَا أَبْعَدَ الْمَسَافَةَ بَيْنَ صَاحِبٍ وَصَاحِبٍ! فَصَاحِبٌ لَهُ مَبْدَأٌ كَقِنْدِيلٍ يُنِيرُ، وَإِكْلِيلٍ يُزْهِرُ. يَهْتَمُّ بِشُؤُونِ مَنْ حَوْلَهُ، ثَابِتٌ كَطَوْدٍ شَامِخٍ لَا يَتَلَوَّنُ فِي كُلِّ جَوْلَةٍ. وَيَبْنِي بِمَبْدَئِهِ قِيمَتَهُ، وَيَشْحَذُ بِصِدْقِهِ هِمَّتَهُ. فَمَا أَطْيَبَهُ مِنْ صَاحِبٍ! وَصَاحِبٌ دَلِيلُهُ تَضْلِيلٌ. فَيَخْتَلِطُ أَسْفَلُهُ بِأَعْلَاهُ، وَيَرْضَى بِالذُّلِّ عَمَّا سِوَاهُ. وَإِذَا رَأَى مَنْ يَهَابُهُ وَيُحَاسِبُهُ تَقَلَّصَ، وَإِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَنْصَحُهُ تَمَلَّصَ. فَنَظَرَاتُ قَلْبِهِ سُمُومٌ، وَنَبَرَاتُ صَوْتِهِ هُمُومٌ. تَنْزَعِجُ لِمَرْآهُ الرُّوحُ، فَلَا يَخْطُو خُطْوَةً إِلَّا انْبَثَرَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ الْجُرُوحُ. فَيَبْقَى مُحَاصَرًا فِي سُجُونِ أَوْهَامِهِ، وَتُحِيطُ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّلَوُّنِ أَسْقَامُهُ. فَمَا أَخْبَثَهُ مِنْ صَاحِبٍ! قَالَ اللهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ: (قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (بحر المتدارك).
© 2024 - موقع الشعر