اعتزال... - فريد مرازقة القيسي

اعتزال...
 
أَكُلَّمَا ضَحِكَتْ دُنْيَايَ تُسْعِدُنِي
بِنْتُ الفُؤَادِ أَتَتْ بِالطَّعْنِ تُرْدِيهِ
وَ كُلَّمَا زَارَنِي سَعْدٌ حَزنْتُ بِهِ
كَأَنَّنِي طَلَلٌ وَالكُلُّ يَبْكِيهِ
لَا حُلْمَ رَاوَدَنِي إلَّا وَ قِيلَ : كَفَى
قَدْ مَاتَ مُغْتَرِبًا لَا شِعْرَ يَرْثِيهِ
هَذَا اعتزَالِي لَعَلَّ الدَّهْرَ يَرْحَمُنِي
سَأَتْرُكُ الشِّعْرَ مَجْبُورًا بِمَا فيه
قَالُوا : لعَلَّ بِهِ سُقْمٌ يُؤَرِّقُهُ
مِنْ كُلِّ كَأسِ دُمُوعٍ حَلَّ يَسْقِيهِ
مَا بَالُهُ اعتَزَلَ الأَشْعَارَ؟ كَيفَ لَهُ
أَنْ يَتْرُكَ النَّظْمَ وَالأَبْيَاتُ تَأْتِيهِ
لَمْ يُدْرِكُوا أَنَّنِي فِي الشِّعْرِ مُنْتَحِرٌ
مَا عِشْتُ يَوْمًا بِلَا مُرٍّ أُحَلِّيهِ
سَئِمْتُ قَتْلِي بِلَا قَتْلٍ عَلَى مَهَلٍ
وَخَافِقِي مَيِّتٌ مَنْ ذَا سَيُحْيِيهِ؟
قَضيتُ عُمرًا مَضَى فِي خَلْقِ أَخْيِلَةٍ
حَتَّى الشَّبَابُ قَضَى فِي أَبْحُرِ التِّيهِ
كَعَاشِقٍ لَمْ يَنَمْ مُذْ شَافَ عَابِرَةً
لَمْ تَسْتَمِعْ لِجَمِيلِ الشِّعْرِ مِنْ فِيهِ
وَارَتْهُ أُمَّتُهُ ثُمَّ احْتَفَتْ بِدُخُولِ
العَامِ عَازِفَةً أَنْغَامَ تَمْوِيهِ
يا لَيْتَهُ وَأَدَ الأَبْيَات مُذْ وُلِدَتْ
عَيْبٌ عَلَيهِ يَرَى الأُنْثَى تُقَفِّيهِ
كَشَاعِرٍ كُنْتُ لَكِنْ لَمْ أَكُنُ أَبَدًا...
قَرِيبُ ظِلٍّ أَنَا مَنْ قَدْ يُعَزِّيهِ
ثَمِلْتُ مِنْ كَأسِ مُرٍّ مَاتَ كَاسِرُهَا
وَقَبْرُهُ كُلَّمَا نَادَيْتُ يُخْفِيهِ
إلَى مَتَى كُلَّمَا قُلْتُ الأَسَى كَلِمًا
قَالَ الأَسَى (لا) وَ حِينَ القَوْلِ يَنْفِيهِ
تَبًّا لِعُمْرِي الَّذِي أَهْدَرْتُهُ بِيَدِي
مِنْ أجلِ أَبْحُرِ شِعْرٍ لَا تُحَيِّيه
مَهْمَا عَلَوْت تَعِشْ كَالظِّلِّ مُسْتَتِرًا
لَا شَيْءَ فِي هذِهِ الأرْجَاءِ تُبْدِيهِ
وَ سَوْفَ تَمْضِي كَأَنْ لَمْ تَفْدِهِ أَبَدًا
فَالعَصْرُ يَدْفِنُ مَنْ بِالرُّوحِ يَفْدِيهِ
عِشْ حَالِمًا بِاعْتِرَافٍ لَنْ تَرَاهُ وَ لَنْ
تَنَالَ مَا عِشْتَ طُولَ العُمْرِ تَبْنِيهِ
هَذِي الحَيَاةُ، إذَا مَا الآلُ قَدْ تَرَكُوا
فَمَا سَيَفْعَلُ عَبْدٌ لَسْتَ تَعْنِيهِ
حَمِّلْ هُمُومَكَ وَارْحَلْ، لَا بَقَاءَ هُنَا
مَهْمَا مَنَحْتَ تَنَلْ ذُلًّا بِتَسْفِيهِ
كَعَابِرٍ سَوْفَ تحيَا الحِمْلُ أَثْقَلَهُ
حَتَّى يرَى جِسْمَهُ يَهْوَى تَرَدِّيهِ
يَمْشِي بِلا وجْهَةٍ للَّانِهَايَةِ إذْ
لَا دَارَ بَعْدَ زَوَالِ الرُّوحِ تَأْوِيهِ
وَيَخْتَفِي كَخَيَالٍ لا انتِبَاهَ لَهُ
وَالكَوْنُ فِي نَفْسِهِ زُورًا يُعَزِّيهِ
 
فريد مرازقة
© 2024 - موقع الشعر