مقريصات

لـ لطفي القسمي، ، في الغزل والوصف، 5

مقريصات - لطفي القسمي

في مقدمة جبال الريف العريق
تقع بلدة جميلة
ذكرها ابن خلدون
صاحب كتاب المقدمة
وأتمنى أن تبتعد قريتي
الغاضبة اليوم عن المؤخرة
هي بلدة سكنها قديمل
الموريون واللكسيسيون
وعرج عليها الكنعانيون
والمورسكيون سكنوها
بعد سقوط قرطبة الفانية
تقع بين مدينتين شريفتين
الأولى بنت قلعة حصينة
والثانية أمست دار الضمانة الحزينة
سكانها من سوس رحلوا عنها قديما
ولكنهم عادوا سريعا اليوم
لأخذ الغنيمة المحظية
سكانها الغزاويين
ينطقون كلمات أمازيغية منسية
لكنهم يجهلون معناها بغرابة
ومن سم أرضهم بأسماء أمازيغية؟
أسردون وأغبالو
وتارية كلمات ينطقونها
وهم عن معناها ساهون
لكنهم بمحبة سكنوا الجنة المخفية
بين الجبال والأحراش البرية
حتى المستعمر الغازي
تسابق على الارض الغزاوية المخفية
وقسمها الى قسمين الاولى عالية اسبانية
والثانية جعل منها أرض سفلية فرنسية
مقريصات هي الارض السفلية
غصبا صارت فرنسية
لكن روح الامازيغي الحر
جعل منها أرض مستقلة عربية
بأسماء أغلبها أمازيغية
مقريصات أنجبت الابطال
وصارت عند الحكام منسية
لمس الحسن الأول ترابها
وشرب من مائها شربة مروية
قرية مقريصات الجميلة في مضى
أصبحت اليوم كأصل اسمها عقدة مرمية
عقدة في كيفية تنمية أراضيها
وإحياء جمالها المفقود
وإرجاع البركة الهاربة
من حياة سكانها لأسباب
صارت واضحة للعيان غير مخفية
أتذكر الحياة البسيطة الجميلة
ونهار الصيف الطويل
وبرد الشتاء والشمعة
والوجبة الحلال الكريمة
المباركة من خالقها
للمعدة مشبعة شافية
أتذكر حقول الحبوب الغنية
والأشجار المثمرة
وسحر البرية الغنية
أتذكر الورود الزكية
والبسمة على الوجوه المرضية
اللابسة لباس القناعة
ولحب الخير سباقة
وتقديم العون مبلية
أتذكر حبي لفصل المنجل والطرابق
ورجال ونساء توازة
ولتلك الاغنية النسوية
التي تغنيها النساء بصوت عذب حلو
داخل الحقول الغنية الزهية
أتذكر متعة ذهابي
في البرق والأمطار الغزيرة
إلى المدرسة الصانعة من الحرف كلمة قوية
مدرسة غزاوات في قلب مقريصات
كم كانت طريقها البعيدة
شيقة وشاقة علي
وباردة تارة وحارة تارة
كم تدفأنا مع الاصدقاء
على نار المعامرة
تلك ذكرياتنا عن مقريصات الغزاوية
عندما كانت في قناعتنا فردوس بهية
اليوم مقريصات تراها بؤبؤ العين
شاحبة وعنا أضحت غريبة
تحولت أرضها من جنة خضراء
الى أرض سوداء جرداء
بنبتة دخيلة صارت مبلية
نهار اليوم أضحى كنهار الغد
والغد أمسى كيوم غد
كل شيء بلا طعم
كل شيء أصبح مملا
بالأرض القديمة الكئيبة الغريبة
هربت البركة من رزق الناس
وفقد الزمن مذاقه بأرض الاجداد
وتلاشت القناعة بالقليل
وحتى الورود الزكية
غدت اليوم بلا رائحة ولا طعم
وكأنها فقدت رغبتها
في تعطير الحياة البئيسة
فهي تعلم بأن الحرام أمسى حلالا
والحلال أمسى حراما
والنور أمسى ظلمة
لكن لماذا نلوم القرية
فمقريصات هي مقريصات
القديمة والجديدة
الأرض لا تتغير
لكن سكانها غيروها بلحظة
مقريصات مازالت جميلة بهية
لكن بنو هلال الفاسدون
شوهوا الجنة بلمسة جهنمية
وأزالوا البركة عنها
وحولوا اللؤلؤة الى جمرة
فالأرض جميلة بسكانها تصير
وتصير قبيحة بسجانها و لئيمة
لو عاد المخلوق ذو الرجلين الى أصله
وروحه القنوعة القديمة
ستعود تمقريصت الامازيغية
الى عاداتها القديمة الجميلة
و ستحمل مجددا تاج الملكة السعيدة
وستنفض عن ظهرها الغبار
ولن تبقى الأميرة مريضة
نحن العلة وليست مقريصات
فلماذا نلوم الارض الطاهرة الكريمة
إذا لم نجد الداء لسقمنا الكريه
فلن تعود حلاوة العيش
الى أرضنا العريقة
نحن نعيش في الالفية الثالثة
ومقريصات في عقولنا ضائعة
عندما نعتزم الخروج للبحث عنها
ستعود إلينا جنتنا الغاضبة
لتوبخنا قائلة كيف أهملتموني
وعشتم في رفاهيتكم المريضة الزائفة
كيف نسيتم الحب والخير والغيرة
وروح التعاون والمحبة الدائمة
عودوا الى أصلكم الطيب
وعندها ستجدونني كما كنت
أرض مباركة صامدة طاهرة
© 2024 - موقع الشعر