ما العمر ما طالت بد الدهور، - أبي فراس الحمداني

1-ما العمر ما طالت بد الدهور،
العمر ما تم به السرور

2-أيام عزي، ونفاذ أمري
هي التي أحسبها من عمري

3-ما أجور الدهر على بنيه
وأغدر الدهر بمن يصفيه

4-لو شئت مما قد قللن جدا
عددت أيام السرور عدا

5-أنعت يوما، مر لي ب الشام،
الذ ما مر من الأيام

6-دعوت بالصقار، ذات يوم،
عند انتباهي، سحرا من نومي

7-قلت له : اختر سبعة كبارا
كل نجيب يرد العبارا

8-يكون للأرنب منها اثنان،
وخمسة تفرد للغزلان

9-واجعل كلاب الصيد نوبتين
ترسل منها اثنين بعد اثنين

10-ولا تؤخر أكلب العراض
فهن حتف للظباء قاض

11-ثم تقدمت إلى الفهاد
والبارزيارين بالأستعداد

12-وقلت : إن خمسة لتقنع
والرزقان : البفرخ والملمع

13-وأنت، يا طباخ، لا تباطا
عجل لنا اللبات والأوساطا

14-ويا شرابي البلقسيات
تكون للراح ميسرات

15-بالله لا تستصحبوا ثقيلا
واجتنبوا الكثرة والفضولا

16-ردوا فلانا، وخذوا فلانا
وضموني صيدكم ضمانا

17-فاخترت، لما وقفوا طويلا،
عشرين، أو فويقها قليلا

18-عصابة، أكرم بها عصابة،
معروفة بالفضل والنجابه

19-ثم قصدنا صيد عين ناصر
مظنة الصيد لكل خابر

20-جئناه والشمس، قبيل المغرب،
تختال في ثوب الأصيل المذهب

21-وأخذ الدراج في الصباح،
مكتنفا من سائر النواحي

22-في غفلة عنا وفي ضلال،
ونحن قد زرناه بالآجال

23-يطرد للصبح، وليس يدري
أن الناليا في طلوع الفجر

24-حتى لإذا أحسست بالصباح
ناديتهم : حي على الفلاح

25-نحن نصلي والبزاة تخرج
مجردات، واخيول تسرح

26-فقلت للفهاد : فأمض وانفرد
وصح بنا، إن عن ظبي واجتهد

27-فلم يزل، غير بعيد عنا،
إليه يمضي ما يفر منا

28-وسرت في صف من الرجال،
كأنما نزحف للقتال

29-فما استوينا كلنا حتى وقف
غليم كان قريبا من شرف

30-ثم أتاني عجلا، قال : السبق
فقلت : إن كان العيان قد صدق

31-سرت إليه فأراني جاثمة
ظننتها يقظي وكانت نائمة

32-ثم أهذت نبلة كانت معي،
ودورت دورين ولم أوسع

33-حتى تمكنت، فلم أخط الطلب،
لكل حتف سبب من السبب

34-وضجت الكلاب في المقاود،
تطلبها وهي بجهد جاهد

35-وصحت بالأسود كالخطاف
ليس بأبيض ولا غطراف

36-ثم دعوت القوم، هذا بازي
فأيكم ينشط للبراز ؟

37-فقال منهم رشأ : أنا، أنا
ولو درى ما بيدي أذعنا

38-فقلت : قابلني وراء النهر،
أنت يشطر وأنا لشطر

39-طارت له دراجة فأرسلا
أحسن فيها بازه وأجملا

40-علقها فعطعطوا، وصاحوا،
والصيد من الته الصياح

41-فقلت : ما هذا الصياح والقلق ؟
أكل هذا فرحا بذا الطلق ؟

42-فقال : إن الكلب يشوي البازا
قد حوز الكلب فجز وجازا

43-فلم يزل يزعق : يا مولائي
وهو كمثل النار في الحلفاء

44-طارت، فأرسلت فكانت سلوى
حلت بها قبل العلو البلوى

45-فما رفعت الباز حتى طارا
اخر عودا يحسن الفرارا

46-أسود، صياح، كريم، كرز،
مطرز مكحل ملزز

47-عليه ألوان من الثياب،
من حلل الديباج والعناب

48-فلم يزل يعلو وبازي يسفل،
يحرز فضل السبق ليس يغفل

49-يرقبه من تحته بعينه
وإنما يرقبه لحينه

50-حتى إذا قارب، فيما يحسب،
معقله، والموت منه أقرب

51-أرخى له بنبجه رجليه،
والموت قد سابقه إليه

52-صحت وصاح القوم بالتكبير،
وغيرنا يضمر في الصدور

53-ثم تسايرنا فطارت واحده
شيطانه من الطيور مارده

54-من قرب فأرسلوا إليها
ولم تزل أعينهم عليها

55-فلم يعلق بازه وأدى
من بعد ما قاربها وشدا

56-صحت : أهذا الباز أم دجاجه ؟
ليت جناحيه على دراجه

57-فأحمرت الأوجد والعيون
وقال : هذا موضع ملعون

58-إن ازها الباز أصابت نبدا
أو سقطت لم تلق إلا مدرجا

59-إحدل بنا للنبج الخفيف
والموضع المنفرد المكشوف

60-فقلت : هذي حجة ضعيفه
وغرة ظاهرة معروفه

61-نحن جميعا في مكان واحد،
فلا تعلل بالكلام البارد

62-قص جناحيه يكن في الدار
مع الدباسي، ومع القماري

63-واعمد إلى جلجله البديع،
فاجعله في عنز من القطيع

64-حتى إذا أبصرته، وقد خجل،
قلت : أراه، فارها، على الحجل

65-جعه، وهذا الباز فاطرد به
تفاديا من غمه وعتبه

66-وقلت للخيل، التي حولينا :
تشاهدوا كلكم علينا

67-بأنه عارية مضمونه،
يقيم فيها جاهه ودينه

68-جئت بباز حسن مبهرج
دون العقاب وفويق الزمج

69-زين لرائيه، وفوق الزين،
ينظر من نارين في غارين

70-كأن فوق صدره والهادي
اثار مشي الذر في الرماد

71-ذي منسر فخم وعيت غائره،
وفخذ ملء اليمين وافره

72-ضخم، قريب الدستبان جدا
يلقى الذي يحمل منه جدا

73-وراحة نغمر كفي سبطه
زاد على قدر البزاة بسطه

74-سر، وقال : هات، قلت : مهلا
إحلف على قدر البزاة بسطه

75-أما يميني، فهي عندي غاليه
وكلمتي مثل يميني وافيه

76-قلت : فخذه هبة بقبله
فصد عني، وعلته خجلة

77-ثم ندمت غاية الندامة
ولمت نفسي أكثر الملامه

78-على مزاجي، والرجال حضر
وهو يزيد خجلا ويحصر

79-قلم أزل أمسحه حتى انبسط
وهش للصيد قليل، ونشط

80-صحت به : اركب فاستقل عن يد
مبادرا أسرع من قول : قد

81-وضم ساقيه وقال : قد حصل
قلت له : الغدرة من شر العمل

82-سرت، وسار الغادر العيار
ليس لطير معنا مطار

83- ثم عدلنا نحو نهر الوادي،
والطير فيه عدد الجراد

84-أدرت شاهينين في مكان
لكثرة الصيد مع الإمكان

85-دارا علينا دورة وحلقا،
كلاهما، حتى إذا تعلقتا

86-توازيا، وأطرد اطرادا
كالفارسين التقيا أو كادا

87-ثمت شدا فأصابا أربعا
ثلاثة خضرا، وطيرا أبقعا

88-ثم دبحناها، وخلصناهما
وأمكن الصيد فأرسلناهما

89-فجدلا خميا من الطيور،
فزادني الرحمن في سروري

90-أربعة منها أنيسيان
وطائرا يعرف بالبيضاني

91-خيل نناجيهن كيف شينا
طيعة،، ولجمها أيدينا

92-وهي إذا ما استصعب القياده
صرفها الجوع على الإراده

93-وكلما شد عليها في طلق
تساقطت ما بيننا من الفرق

94-حتى أخذنا ما أردنا منها
ثم انصرفنا راغبين عنها

95-إلى كراكي بقرب النهر
عشرا نراها، أو فويق العشر

96-لما راخا الباز، من بعد، لصق
وحدد الطرف إليها وذرق

97-فقلت : صدناها، ورب الكعبه،
وكن في واد بقرب جنبه

98-فدار حتى أمكنت ثم نزل
فحط منها أفرعا مثل الجمل

99-ما انحط إلا وأنا إليه
ممكنا رجلي من رجليه

100-جلست كي أشبعه إذا هيه
قد سقطت من عن يمين الرابيه

101-قتلته أرغب في الزياده
وتلك للطراد شر عاده

102-لم أجزه بحسن البلاء
أطعت حرصي، وعصيت دائي

103-فلم أزل أختلها وتختتل،
وإنما نختلها إلى أجل

104-عمدت منها لكبير مفرد
يمشي بعنق مالرشاء المحصد

105-طار، وما طار ليأتيه القدر،
وهل لما قد حان سمع أو بصر

106-حتى إذا جدله كالعندل،
أيقنت أن العظم غير الفصل

107-ذاك، على ما نلت منه، أمر
عثرت فيه وأقال الدهر

108-خير من النجاح للإنسان
إصابة الرأي مع الجرمان

109-صحت إلى الطباخ : ماذا تنتظر
انزل عن المهر، وهات ما حضر

110-داء بأوساط، وجرد تاج
من حجل الصيد ومن دراج

111-فما تنازلنا عن الخيول،
يمنعنا الحرص عن النزول

112-وجيء بالكأس وبالشراب،
فقلت : وفرها على أصحابي

113-أشبعني اليوم ورواني الفرح،
فقد كفاني بعض وسط وقدح

114-ثم عدلنا نطلب الصحراء،
نلتمس الوحوش والظباء

115-عن لنا سرب ببطن الوادي
يقدمه أفرع، عبل الهادي

116-قد صدرت عن منهل روي
من غبر الوسمي والولي

117-ليس بمطروق ولا بكي،
ومرتع مقتبل جني

118-رعين فيه، غير مذعورات،
بقاع واد، وافر النبات

119-مر عليه غدق السحاب
بواكف، متصل الرباب

120-ما زال في خفض، وحسن حال
حتى أصابته بنا الليالي

121-سرب حماه الدهر ما حماه
لما رانا ارتد ما أعطاه

122-بادرت بالصقار والفهاد
حتى سبقناه إلى الميعاد

123-فجدل الفهد الكبير الأقرنا
شد على مذبحه واستنبطنا

124-وجدل الآخر عنترا حائلا
زعت حمى الغورين حولا كانلا

125-ثم رميناهن بالصقور
فجئنها بالقدر المقدور

126-أفردن منها في القراح واجده
قد ثقلت بالخضر وهي جاهده

127-مرت بنا، والصقر في قذالها
يؤذنها بسيء من حالها

128-ثم ثناها وأتاها الكلب
هما، عليها، والزمان إلب

129-فلم نزل نصيدها ونصرع
حتى تبقى في القطيع أربع

130-ثم عدلنا عدله إلى الجبل،
إلى الأراوي، والكباش والحجل

131-فلم نزل بالخيل والكلاب
نحوزها حوزا، إلى الغياب

132-ثم انصرفنا، والبغال موقره،
في ليلة، مثل الصباح، مسفره

133-حتى أتينا رحلنا بليل،
وقد سبقنا بجياد الخيل

134-ثم نزلنا، وطرحنا الصيدا
حتى عددنا مئة وزبدا

135-فلم نزل نقلي، ونشوي، ونصب،
حتى طلبنا صاحيا فلم نصب

136-شربا، كما عن، من الزقاق
بغير ترتيب، وغير ساق

137-فلم نزل سبع ليال عددا
أسعد من راح، وأحظى من غدا

© 2024 - موقع الشعر