قَزْمٌ يُنَاطِحُ نَجْمًا

لـ أشرف السيد الصباغ، ، في الوطنيات، 150، آخر تحديث

قَزْمٌ يُنَاطِحُ نَجْمًا - أشرف السيد الصباغ

زَاغَ اللسَانُ فَصَاحَتِ الأحْجَارُ
قَلْبِي تَصَدَّعَ فِي الأنَامِ يَحَارُ

مَا بَالُ بَغْيٍ قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ ؟
يَا وَيْحَهُ نَشَبَتْ لَهُ أَظْفَارُ!

قَزْمٌ يُنَاطِحُ فِي السَّمَا نَجْمًا عَلَا
أَوَ يَسْتَوِي الأشْرَارُ وَالأَخْيَارُ؟

وَبِمَكْرِهِ رَاجٍ يُنَحِّي قَامَةً
دَفَّاقَةً بِالْعَدْلِ لا إِنْكَارُ

فَأسَاءَ فِي حَقِّ الإمَامِ بِغَيِّهِ
هَذِي الإسَاءَةُ فِي جَبِينِكَ عَارُ

قَالَ الإِسَاءَةُ مِنْ عُهُودٍ قَدْ خَلَتْ
فَتَرَاشَقَ الإِنْكَارُ وَالإِقْرَارُ

وَإِذَا سَمِعْتَ الرَّدَّ مِنْهُ حَسِبْتَهُ
ذَا حِكْمَةٍ وَالْبُغْضُ فِيهِ شِعَارُ

وَالْقَزْمُ يَخْرُجُ فِي عِتَابٍ وَاعِظًا
إِنَّ الْوَقِيعَةَ خَلْفَهَا أَشْرَارُ

فِي ثَوْبِ إِرْهَابٍ تَعَاظَمَ شَرُّهُ
مِنْ أَزْهَرٍ مَاجَتْ بِنَا الأَخْطَارُ

فِي بُوقِ إِعْلَامٍ يَبُثُّ سُمُومَهُ
وَيَجُرُّ حِقْدًا زَيْلُهُ أَنْصَارُ

وَالشَّيْخُ إِنْ يُذْكَرْ يَمُجَّ لُعَابَهُ
غَيْظًا يَزُولُ كَمَا يَزُولُ غُبَارُ

فَيَذُوبُ كَيْدٌ لِلْكَذُوبِ فَلَا يُرَى
وَالْمَكْرُ يُوشِكُ حِصْنُهُ يَنْهَارُ

فَطَفِقْتُ أَرْمُقُ قَوْمَنَا مُتَسَائِلا
أنَّى يَطِيبُ لِمِصْرِنَا اسْتِقْرَارُ؟

كَمْ مِنْ قُلُوبٍ أَفْسَدَتْ بِلِسَانِهَا
تُخْفِي الحَقِيقَةَ وَالشُّرُورُ تُدَارُ

وَالصَّمْتُ خِزْيٌ وَالتَّهَوُّرُ ذِلَّةٌ
وَالْغِلُّ أَقْبَحُ مَا إِلَيْهِ يُشَارُ

والشَّيْخُ صُلْبٌ لا يَهَابُ سِهَامَهُمْ
لَا يَنْحَنِي وَعَلَى الْبِلَادِ يَغَارُ

يَحْمِي الحْمِى وَيَسُدُّ أَفْوَاهَ العِدَى
مَا لَاحَ لَيْلٌ أَوْ يَصِيحُ نَهَارُ

وَالْحَقُّ شَمْسٌ وَالشُّرَورُ تَحُفُّهُ
وَالشَّيْخُ نَجْمٌ وَالصِّغَارُ صِغَارُ

شعر/ أشرف السيد الصباغ

مناسبة القصيدة

قَزْمٌ يُناطِحُ نَجْمًا. حينما تتعاظمُ المِحن، وتتراكمُ الفِتن . تُفرِزُ لنا الأيَّامُ عن مُناضِلٍ بوهمه أو مُناظِر بزعمه، تفتنُه الإشاعةُ كلَّ ساعة، فَتَعْلُوه الكآبة، ونسيَ أنَّ إحسانَ اللهِ إليه ثابت عليْه، وبالشُّكرِ يَزيد، ويُغدقُ عليهِ من النِّعم ما يُريد، فيُخطئُ الصَّوابَ ولا يُقَارِب، ويأتي بالغَوَامِضِ مِنَ المَشَارِب، فليسَ صادقَ القَوْلِ فيما ينقلُه، ولا حاذقَ الفَهْمِ فيما يعقِلُه، فلم يزلْ على تلكَ الطَّريقةِ التي أخذَها، وتفرَّد بارتكابِها، حتَّى يجعلَه اللهُ آية، ولم يحقِّقْ لهُ مِنْ مطامِعه ومطاعِنه قِيدَ شَعَرَة مِن غَاية، ولا يرَفَعُ لهُ في الخَلْقِ راية . فبِئْسَ القزمُ الذي نسيَ قَدْرَه، فتجاوزَ حدَّه . ثم يحاولُ القَزْمُ أن يَشْرَئِبَّ برأسِه ليُمسك في السماءِ نجمًا؛ فراحَ يفتنُ الناسَ بسحْرِه، فيقدحُ في مَن كانَ سَعْيُه مشكورًا، وبالأمانةِ مشهُورًا، وبالجِهادِ مذكورًا، ويسبُّ مَن كان فيه الخيرُ يانِعًا والبِر، ويتعهدُ الأزهرَ في العَلَنِ والسِّر، وعندَه في النَّفْسِ كِفَايَة، ويصُونُهَا عنْ كُلِّ غِوَايَة، وفي هِمَّتِهِ نَهْضَة، وبين جنْبَيْه مرُوءةٌ يُؤدِّي بِهَا في الإحْسَان فَرْضَه، فوقفَ على جِهَاتِ الحمى أوقافًا، وجَعَلَ لنفسِهِ من - غيرِ عُجْبٍ - في أغْوَارِ الذِّكْرِ الجَميلِ أحقافًا، والله حسيبُه مِن نجمٍ. فأكْرِمْ بِهِ مِنْ نَجمٍ لا يُناطَحُ وإن مكر به الأقزامُ ! (بحر الكامل).
© 2024 - موقع الشعر