أيا الأيتام - حسن شرف المرتضى

أيا أبتاهْ
أبا الأيتامْ
عليك السلامْ
عليك السلامُ وأنت َ تمدُّ لكل يتيمٍ
إلى شاطئِ العمر جسرًا وبابْ
عليكَ السلامُ ومن كل أمٍّ رأتْ طفلها قد تشكّلَ بين يديكْ
وأصبحَ شبلًا له أمنياتٌ يحققها
بعد ما اجتازَ أقسى الصعابْ
عليك السلامُ أيا أبتاهُ أبا الأيتامْ
فكم كان َ نورُكَ يملأ دارَ اليتامى
وكم كنتَ أنتَ الحنون المُهابْ
أيا أبتاهُ وها أنا قاربتُ أن أدخلَ الأربعينْ
ولكنّ قلبي هو الطفلُ ذاك الذي أنتَ ربّيتَهُ
وعلّمتهُ أنْ يخوضَ الحياةَ ويقتحمَ المستحيلْ
فمهما كَبُرْتُ
فإنّ دروسًا تعلّمتُها منكَ يا أبتي
لم تكن غيرَ عمري الفريد
فعمري الجميلُ هنالك في الدارِ
حيثُ اليتامى هنالك لا يملكونَ سوى بعضِهمْ
يحنّونَ، يقتسمونَ الحنينَ وأطيافَ حبّ من الذكرياتْ
ونحكي إلى بعضنا عن ملامحَ أو صُوَرٍ لأبٍ قد طواه الرحيلْ إلى جنةٍ
خلفَ بابِ الغيابْ
أيا أبتاهُ وأنتَ امتلأتَ بكل الفراغِ الذي كانَ فينا فعوّضتَهُ
ففي حُجرةِ الدرسِ أنتَ المعلّمُ والقدوةُ الماثلةْ
وعند الصلاةِ نراكَ الإمامْ
فها أنا ذا والصلاة نحنُّ إليكْ
نحنُّ إلى ركعةٍ أنتَ فيها ترتلُ وحيَ السماءْ
أحنُّ إليكَ وأنتَ تزاورنا حينَ نغدو إلى صالةٍ للطعامْ
تعلمُنا أنْ كُلوا باليمينْ
ولازلتُ أذكرُ أوّلَ يومٍ به قلتَ لي (وممّا يليكْ)
ورُحْتُ بدرسِكَ ذاكَ إلى صاحبي
وممّا يليكَ صديقي فكُلْ
أيا أبتاهُ وللدّارِ شوقٌ ولكْ
وللذكرياتْ
أحنّ إلى ملعبٍ قد أضاءتْ به ضحكاتٌ لنا
بين شوطٍ وشوطْ
ولا زالت البسماتُ تلوّنُ وجهي
أيا أبتاهُ
أحنُّ إليكَ وأنتَ تعلمُنا أنّ غسلَ الثيابِ
ومضغَ الطعامِ
وحفظَ الدروسِ
وطاعة أستاذنا
وإقامَ الصلاةِ
أساسٌ لكي نستطيعَ الحياةَ بشكلٍ سليمْ
أيا أبتاهُ
أبا الأيتامِ عليك السلامْ
وقد كنتَ عيدًا لنا لا يغيبْ
وأعيادنا وجهُكَ الطهر حين يُطلّ علينا
فيذهبَ غمّ الحياةِ ويأتي السرورْ
أيا أبتاهْ
أبا الأيتامِ عليك السلامْ
فكم كنتَ تسألُ عنّا وأخبارنا
وعن أيّ جامعةٍ قد دخلنا
وتحضرُ أعراسنا والزفافْ
تباركُ أولادنا مَنْ تراهم كأحفادِكَ الأقربينْ
ولا زلتَ تعطي دروسًا لنا كيف تربيةُ النشء
وكيف نُربّي الصغارْ
وكيف نعلّمُهم أن هذي الحياة ممرٌّ إلى الآخرةْ
أيا أبتاهْ أبا الأيتامْ
عليك السلامْ
وأنتَ الذي لم يَمُتْ في القلوبْ
وأعلمُ أنكَ في الجنّةِ الآنَ
تسألُ أين منازلُ أبنائكَ الطيبينَ اليتامى
ولم تسأل اللهَ أين قصورُكَ أنتْ
فحتى وأنتَ هنالكَ في الآخرةْ
تسائلُ ربّكَ أين منازِلُنا قبل أنْ تسألَ اللهَ عن منزِلكْ
عليكَ السلامُ
أيا أبتاهْ
أبا الأيتامْ
© 2024 - موقع الشعر