أَنَا وَالشَّارِعُ السِّتُّون - عبد الله جعفر محمد

أَنَا وَالشَّارِعُ السِّتُّون
 
 
أَنَا وَالشَّارِعُ السِّتُّونَ يَسْأَلُنِي عَنْ المَاضِي
وَكَيْفَ تَسَاقَطَتْ مِني تَصَارِيحُ الرُّجُوعِ السَّهْلِ
حِينَ فَقَدْتُ ذَاكِرَتَيْ عَلَى أَعْتَابهِ الصَّفْرَاءِ قَسْراً
ثُمَّ شَطْر النَّهْرِ وَلَيّت البَقِيَّةَ مِنْ دَمِي
وَحَدِي أَنَا وَالشَّارِعُ السِّتُّونَ
أَمْضِي ضِدَّ خَارِطَةِ الرَّحِيلِ
فَالتَّقِيِ الوَقْتَ المُطَرَّزَ بِالبُرُوقِ الحَامِلَات الغَيْم لِلمَاضِي
وَذَاكِرَةً مِنْ الأَفْرَاحِ وَالأَشْجَارِ
أَحْلَامًا مِنْ اللَّيْمُونِ نخلاً لَا اِنْحِنَاءَ لَهُ
وَشَمْسًا لَيْسَ يُرْهِقُهَا الغمام
الكُلُّ كَانَ هُنَاكَ
أُمَّي وَالنِّسَاءُ السُّمْرُ وَالأَطْفَالُ
وَاللَّيْلُ المُعَطَّرُ بِاِبْتِسَامَاتِ النُّجُومِ وَفِضَّةِ القُمَرِ الجَمِيلَة
وَالمَزَارِع تَرْتَدِي لَوْنَ القموحِ
وَلَمْ أَكُنْ وَحَدِي بِبَابِ النَّهْرِ
قَالُوا: لَمْ يَكُنْ لِلوَقْتِ ذَاكِرَةً لِيَكْتُبْ عَنْ قُدُومِي
لَمْ يَكُنْ لِلوَقْتِ ذَاكِرَةً
وَكَانَ الكُلُّ مُتَّجِهُونَ صَوْبَ النَّهْرِ
لَمْ يَكُن النَّهَارُ مُنَاسِباً أَبَدّاً وَلَكِني أَتَيْتْ
المَاءُ قَالُوا ضِدَّ كِيمِيَاءِ السُّيُولَةِ كَانَ بُنِّيًّا
وَكَانَ النَّهْرُ أَعْلَى مِنْ بُيُوتِ الطِّينِ حِينَ قَدِمَتْ
قَالُوا مِثْلَ كُلِّ الآخَرِينَ صَرَخَتْ
قَالُوا لِي: صَرَخْتَ وَلَمْ يَكُنْ أَلَمِي
وَلَمَّ أَدْرِي وَحَتَّى الآنَ لَا أَدْرِي
لِمَاذَا يَصْرُخُ الإِنْسَانُ فِي الحَالَيْنِ
حَالَ البَدْءِ أَوْ حَالَ المَجِيءِ إِلَى النِّهَايَةِ
لَمْ يَكُنْ للوقتِ ذَاكِرَة تُسَجِّلُ صَرْخَتِي
حتّى تَعُود لِقَاعِ ذَاكِرَتِي
تَوَارِيخُ القُدُومِ إِلَى الشَّوَارِعِ مِنْ بُيُوتِ الطِّينِ
كَيْ أُمْضِي لِأَحْلَامِ البِدَايَةِ مِنْ هجيرِ الخُطوةِ الأولى
فَدَعْنِي أَعْتَلِي خطوي
لِأُرحَلَ دُونَ ذَاكِرَةٍ
مِنْ العَشْرِ الأَوَاخِرِ لِلأَوَائِلِ مِنْ دُرُوبِ العُمْرِ
دِّعْنِي أَمْتَطِي الأَحْلَامَ كَيْ أَمْضَى سريعاً
فَالشَّوَارِع جُلُّهَا فُتِحَتْ عَلَى وَجَعٍ مِنْ التَّرْحَالِ
وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ إِلَى المَحَطَّاتِ المُغَبَّرَة القَطَّارَاتِ
الَّتِي تَأْتِي وَتَرْحَلُ دُونَ رُكَّابٍ وَتَمْضِي لِلسَّرَابْ
دَعْنِي أُسَافِرُ
سَوْفَ أبْقَى عِنْدَ بَابِ النَّهْرِ ملْقِيًا عَلَى ظِلِّي
لِأَنَّي لَمْ أَعِشْ فِي البَدْءِ حُلْمِي
حَسْبَمَا بَقِيت بذَاكِرَتِي فتافيتُ المَنَاظِرِ وَالبُيُوتِ الطِّينِ
وَاللُّغَةِ الَّتِي تَحْكِي اِلْتِزَامَ القَلْبِ لِلعَشْرِ الأَوَائِلِ
لَمْ أَعِشْ وَقْتِي هُنَاكَ كَمَا أَوَد وَلَمْ يُسَلِّمْنِي أَحَدْ
صَكًّا مِنْ المِيرَاثِ يَغْفِرُ لِي ذُنُوبَ غِيَابِيَّ القِسْرِيَّ ضِدَّ النَّهْرْ
فَأَنَا رَحَلْتُ نَعَمْ
وَلَكِنَّي حَفِظْتُ مَلَامِحَ العَشْرِ الأَوَائِل مِنْ دهاليزِ الشَّوَارِعِ
قُلْتُ يَوْمًا مَا سَيُولَدُ فِي دَمَيْ وَجَعُ النِّدَاءِ
وَرُبَّمَا أَحْتَاج بَعْضَ النَّزْفِ
كَيْ أَخْطُو بِذَاكِرَتِي لِذَاكَ النَّهْرُ كَيْ آتِي بِقَلْبِي
ثُمَّ أَمْضَى فِي اِنْحِدَارِ الشَّارِعِ السِّتِّينَ
لِلوَقْتِ الأَخِيرْ
© 2024 - موقع الشعر