بحثاً عن العمر - سعاد الكواري

(( وحلمت : أن ما اعتبرته حقيقة لم يكن سوى حلم ، والحلم كان الحقيقة )) -تشيكوف -
 
-تميمتي الأخيرة شراع مبحر نحو المنفى لأي منفى ، أي منفى غير الوطن - سعاد الكواري
---------------------------------------------
 
 
ماذا تريد مني ؟؟
أظافرك مغروسة في كتفي
ارفع رأسك كي أراك جيدا ، هذه العتمة تزعجني ،لا أرى شيئا
عدا قطرات الدم التي بدأت تنزف بغزارة
ماذا تريد مني ؟؟
أرخيت إليك يديَّ
أشعر وكأنهما ُشلّتا عن الحركة مستسلمة لك تماما
تكلم ..
أرخيت يديَّ ورأسي
هاهما عكازاي خذهما ، غيومي البيضاء ،أسلحتي
ماذا تريد أكثر ؟؟
لا تتلعثمْ
اصرخْ
لا أسمعكَ
لا تحركْ رأسكَ
لا تحركْ أذنيكَ
لا أفهمْ لغة الإشارة
ماذا تريد ..؟؟
هاتين اليدين !!
خذهما
فأنا لا أملك غيرهما
لا أملك غير هاتين اليدين التعيستين
***
تلك الأجرام السماوية التي تتساقط فوق شعاب الروح ، على هيئة أفواه ، تلك الهتافات التي تذبل في قلبي كأنها طعنات طائشة ،
كأنها رعشات مرتبكة ، تهزُّ جسدي هزات متتالية ، فأبدو شاحبة كنسمة مأخوذة برعشة التسكع ،أنا والليل ورؤوس اللقالق نحطُّ على مخدة الهلوسة .
يا رعشة الخوف
مأخوذة أنا بهبوبك العبثي
بأمواجك المتلاطمة
بأرانبك التي تتمرغ في فناء الشهوة وتجتاح تخوم الفوضى
دون أن تلتهب أقدامها القصيرة
مأخوذة أنا بمساءاتك الناقصة
بأخطائك المتتالية .
أنتَ أيها الخوف،تدق رؤوس النوارس بكفك الطويلة ، وتسبقني إلى سواحل البوح ، تسبقني إلى مناطق الثرثرة ،
غير مبال بتلك المشانق المتدلية من السقف ، تسبقني إلى شواطئ الهذيان ..
من أجل لحظة مفتعلة
تحاصر الأمكنة بسياج عريض بنبوءات كاذبة
تفرك رمادك على رياض الجهات وتمضي
مخلفا خلفك جيوشا من الأقزام
يهيئون الفضاء لمعركة غير متكافئة
يحطون كالذباب على عتبات الفرح
غير مدركين حجم الخسارات التي تلحقهم
ماضين في طريقهم ومن خلفهم تتناسل الطرق في غيبوبة تامة
أفتك بمقدساتي الساذجة ، أطعن صدر الصدق بخنجر من ذهب ، أعبث بوصية ذلك الرجل الذي مات مقتولا ،
دون أن يستطيع أحد تعرّف قاتله ، أعبث بسلالة الذئاب وأجلس على مصطبة في شارع ضيق ، أحدق في صمت ،
وأضحك كلما شاهدت القراصنة يقتحمون قلب الغابة ، حاملين معهم نعوشا خالية لأصدقائي الذين لم أرهم قط ، أصدقائي الكثيرين المنتشرين في كل مكان ،
إلا انهم يمضون فلا أستطيع متابعة خطواتهم ، فأرى قطيعا من الذئاب ينحدر نحوالشارع
هنيئا لأقدام الريح
الريح التي تَشِمُ الطريق بأشكال غريبة
وتتمرغ في نهاية المطاف في تراب الحكمة
***
هاهي شعلة الذاكرة تنطفئ
شفرة الغياب تتحول إلى هياكل مشوهة
تمنح العاصفة حماسها
العاصفة المتأهبة على الدوام
تمنحها بكاء متواصلا وتمنحني ضفافها النحيلة
أنا الجالسة عند حدود الضوء ، أقلب زرقة الأفق
أكسر جسور الجرأة كما أكسر مرايا الجنون
أقتنص ظلال النرجس
أبعثر الأحجار المتراكمة عند السهل
أمزق رداء الظلام الذي يسيح ببطء
ما أجملك أيها الخوف
ما أروعك
عندما تذبل كقطعة ثلج ضخمة
أنظر إليك
يلفك الوضوح والصمت و يشعلك الهمس
على عجل تأخذني منابعك التي لا تنضب
***
الضوء داهمني مندفعا من غرفة
مشتعلة بأنين كائنات غريبة
كائنات متشابهة هبطت من مركبة فضائية
كانت تجوب الأفق
باحثة عن مستقر ، عن محطة ،عن نافذة عن جمجمة
فلم تجد أمامها إلا هاتين الحدقتين ، فدخلتهما
***
ظل حجر
ظل طائر
ظل شجرة
مخالب كثيرة
مخالب مقوسة وداكنة
تمشط ضفائر الريح
الريح الصاخبة
الريح المجنونة
ترقص بهدوء وبهدوء أيضا تموت
***
عند الباب كانت تلهو هرة جارتنا السمينة
جارتنا التي تهوى اصطياد السمك بسنارة متخيلة
وتهوى أيضا نشر ملابسها المبللة على حبل غسيلنا
جارتنا السمينة ،الصبورة ،الحنونة تسير نحو النافذة لتغلقها
فربما هدأت الريح قليلا أو نامت الهرَّة .
***
لافتة في أول الشارع
لافتة عريضة عمال النظافة يقفون خلفها
ومن خلفها تتراكم المدينة كأنها تلال صغيرة
الممرُّ الوحيد بين مكتبي وسلم الخروج
الممرُّ القصير بين رأسي وتلك الرؤوس الكثيرة
المنكبة على أوراق حكومية قديمة
الممر القصير يطول كأنه خيوط ليس لها آخر
أتشجع وأقف على أول الخيط
دوامة صغيرة تبعثرني بين كومة متداخلة من الخيوط
ألتف على نفسي ، تلتف حولي الخيوط
أشتبك بوبرها الناعم
الخيوط تزداد تشابكا
وأنا ألتف و ألتف
الممر القصير الذي يفصلني عني
يفصلني أيضا عن تلك الرؤوس الكثيرة
المنكبة على سطح المكاتب في تلك الدائرة الحكومية
سلاما أيها الطريق
هذا الصباح يسيل على رؤوسنا
على هاماتنا المتهالكة دون أن نشعر بها
كلعاب قط مصاب بداء مزمن
الظلال تتمايل
أغمضت عينيَّ بقوة كي لا أراها
فسقط الشارع في البئر
سقط النجم
سقطت الأشجار
لكنها لم تسقط ظلَّت تتمايل أمامي
وأنا أغطُّ في نوم عميق
لم تكن روحي تلك التي سبقتني إلى حتفها
كانت شيئا آخر سكنني منذ الأزل
بينما تاهت الروح
وتناثرت فوق الحقول كالفراشات
لم تستطع عصا الساحر تجميعها
لم تستطع الأبواب الموصدة بأقفال من حديد
أن تمنعها من الصراخ
لم تستطع القيود القاسية أن تعوق حركتها
كانت الشمس وهي تخلع رداءها وتغطيها
كانت الدفء والأحلام الخبيئة
كانت الغيوم المحلقة في الفضاء
لم تكن روحي
كانت أرواحا كثيرة
كانت صرخة ذئب
***
الساعة الثانية ظهرا انتهى الدوام
أرى أجسادا ضخمة تتزاحم عند المصعد
أرى أجسادا أخرى تخرج على مهلها ، متثاقلة، كسولة
كيف يمكنني أن أجعل الطريق أطول قليلا ؟؟
من باب البناية إلى باب السيارة
قفزة واحدة ، قفزتان ليس أكثر
كيف يمكنني أن أجعل الطريق أطول ؟؟
هذه الحفر المنتشرة على جنبات الطريق وفي قلبه
تساعدني على الدوران
بإمكاني أن أتسكع في الطرقات الخالية
أن أقف على الشطِّ
أن أتجول في الأسواق
بإمكاني عمل أشياءَ كثيرةٍ
لولا أن أنامل السائق مبرمجة على مقود السيارة
مبرمجة كأنها آلة
***
كالقندس أبني السدود من حولي وأختبئ
فتقتحم عزلتي حشرة الزيز
بصوتها المزعج تزلزل كياني
تخترق سدودي و تخترقني فأسدُّ أذني بكفيِّ
فتخترق ظهر كفيِّ
أبحث من حولي عن مكان آمن
فتغويني نباتات السلوى
بعصيرها الحلو ولونه الأحمر
فآتي إليها مندفعة علها تغلق عليَّ بين أوراقها
علها تمنحني فضاء العزلة
***
في الشارع رأيته يئنُّ
فلم ألتفت ، تابعت سيري
في المقهى تراكم أنينهُ على الطاولة فقلبت فنجان القهوة
في صحن مزخرف الأطراف ورحت أقلبه
فلم تسقط القهوة
لم يسقط أي شيء
أقلبه وأزعم أن القهوة لم تنسكب
القهوة لم تنسكب لكنَّ كفيَّ لهبهُ أنينهُ المتواصل
***
لم يكن مستيقظا عندما رأيته
كان شبه نائم تحطُّ اليمامات على رأسه
فاردة أجنحتها بهدوء كغيمة تقاوم ألم المخاض
توقفت أمامه ورحت أحدق في وجهه الطفولي وأنفه المستقيم
لم تكن له عينان كانتا حفرتين عميقتين
حاولت جاهدة أن أرى من خلالهما أي شئ
فلم أر إلا وجهي يتشكل من جديد
يتربع ، يستطيل يتدوّر
ويعود مرة أخرى
يستطيل ، يتربع يتحول إلى مثلثات ، مسدسات دوائر متداخلة
وجهي يتحول إلى مجموعة من الوجوه لا أعرفها
أغمض عينيَّ فيتحول المشهد بكامله في ذهني
في غرفة نومي ..
علقت وجهي على المشجب وارتديت وجها آخر
لم أحتر ، اخترت أقرب وجه ليدي وارتديته بسرعة
ثم رحت أحدق في المرآة
كان مربعا فلم يعجبني فرميته من النافذة
وعدت أبحث عن آخر ، فلم أجد أمامي إلا ورقة بيضاء عريضة
ارتديتها واستسلمت لهذيان لذيذ راح يتلبسني
***
لا غالب ولا مغلوب
لا منتصر ولا مهزوم
لاشيء أبدا
غير أننا منذ زمن طويل
قبل أن نعرف معنى للكلمات
منذ البداية أيقنا أننا هكذا
كما نحن
لا غالب ولا مغلوب
لا منتصر ولا مهزوم
ولاشيء أبدا
***
أحيانا لا أسمع صوت التي تحدثني
أشعر بطنين غريب
كأنه صدى لصوت حشرة مذعورة
فأحاول جاهدة أن أركز على شفتيها
علّي أفهم حركاتها كلما انفرج فمها أو انكمش
أحيانا كثيرة أشعر بالأسى
لأنني لا أسمع إلا صوت تلك الحشرة المزعجة
***
حاولت مرارا
أن أضرب صدر الحائط
كي ينشق
كي يدخلني النور
كي تعود الريح المسافرة
كي ينشق الحائط ويريحني
***
لقد مزقت أوراقي
مزقتها بعنف ونثرتها
ورحت أحضن مرايا الشمس
وبريق القمرو أومىء لقطيع النجوم
الوقت سفينة
الوقت يد مقطوعة
الوقت مشهد طبيعي
لفيضان مؤجل منذ الأزل
الوقت تمثال مزيف لقيامة الريح
الوقت نافذة .
***
لا زال الوقت مبكرا
القطط المبقّعة بنقط رمادية تئن في رأسي
القطط المريضة بداء الكسل تتمطّى وتنكمش
وأنا لا زلتُ أهش ذبابة النعاس بيدين مرتبكتين
الباب سقط ، النافذة طارت ، الكراسي تبعثرت
كأنها أوراق شجرة مهيأة للاحتراق
القلب نطَّ هائما بين الزوايا ،عنيفا ، مسالما
سارحا خلف رجفة الريح
القلب نط لكن الزوايا انكمشت
فجأة فارتعشت
القلب سقط والريح تابعت طريقها.
***
أكان جميلا أن نقف أمام الباب
دون أن يكون لنا أيُّ هدف غير النظر إلى آخر الشارع
حتى ولو هبطت على رؤوسنا صرخة الغريب .
***
بالسرعة نفسها نفلت من الجاذبية الأرضية
بالسرعة نفسها نسابق أنفسنا
سرعة الانفلات والاستعداد للمغامرة
للهبوط فوق أسطورة الليل بدون أجنحة
بالسرعة الملائمة ندخل جنة العتمة ونختبئ !
***
الضياء الذي سطع فجأة ثم انطفأ
الضياء المقدَّس الذي هجم كالموج وارتخى كالسراب
الضياء الذي ضلَّ طريقه وحام حول سريري
يالها من معجزة أشدُّ طرف الغطاء وأترك لك الطريق
الزوايا ، الممرات ، أترك لك الأفق وأشدُّ الغطاء حتى النهاية
لك أن تهبط كالدمعة أو تطير كالصرخة
أو تتلاشى كالرؤية أو تنتشر كالإشاعة
لك أن تبقى كالخرافة أو تموت كالفرحة
أترك لك الطريق كي تتمدد وتنكمش
مهووسا بثوبكَ الفضفاض وبجرحي البارد
***
ثمة هرّة تنتفض في داخل الصندوق
ربما هي خائفة من شيء ما
منذ الأمس لم أدخل هذه الغرفة
لم أرم لها الطعام
لم أمسح على رأسها بكفي
كنت أسمعها تئن وأسد أذني بقطن مبلل بمياه مالحة
كي لا أسمع أنينها
ربما هي خائفةٌ
ربما هي حزينةٌ
أقترب
الصندوق يهتزُّ لكنني عدت لا أسمع أنينها
ربُّما ...
***
على هذا البساط أنثر غيوما صغيرة وكواكب
ثم أسند ظهري على صدر الريح
أسند ظهري وأسترخي تماما !
***
أسحق أنين الرغبة بقدمي اليسرى وأعوي
يا نهر الخوف هيا تدفق
هنا مدينة يقتلها الجفاف
وأجساد هائمة في صحراء العزلة
تدفق هنا على رأسي
رأسي قرية تضجُّ بالسحرة والأباليس
فاختر لك متكأ أو عتبة
اختر لك كهفا محصورا بين عظمتين وتدفق.
***
هو بين الوجود والعدم
يغزو مدينتنا القرمزية ، يعبث بها
مدينتنا الأليفة كدمية تفتح خاصرتها للغزاة
الحروب الصغيرة المحفورة في يقظة الفجر
الفتوحات العظيمة لقراصنة مدربين على السطو
هو بين الوجود والعدم يداعب اعوجاج الأفق بأصابعه
ربما هي مخالب القطط اليتيمة
ربما هي الحشائش النابتة في الخاصرة
ربما هي النهايات !
***
له أن يتقوقع في كؤوس الرعب
له أن يذكرني أثناء تجواله في مغارة الوحشة
له أن يحدث مخلوقاته النارية
له أن يصارع طواحين المتاهة وينطق بتفاصيل الأشياء
كل الأشياء التي كانت ترتعش !
***
نحو أقسى الجهات توجهنا كأننا فوضى البهاء
وتهنا وسط سهول الفتنة مبهورين بنشوة الصمت
نسابق أمواج هذا الصباح المقدس
فتعكسنا المرايا فوق قمر البهجة
المرايا المزدحمة بطقوس الشوق ، انشطرت ..
فلم يبق في صفصافة الأحلام
إلا شظايا مبعثرة ومسافة يغشاها التعب .
***
كان لي كل الحق
في الصعود إلى أعلى قمة والمكوث هناك
هذه الأشجار التي تسقط واحدة تلو الأخرى
هذه الأحجار المتراكمة عند المدخل الوحيد
هذا الضوء المشتعل على الدوام
كان لي كل الحق في الصعود
الدود الذي ضل طريقه وانتشر في عروقي
باحثا عن بقايا حنين متمرد
عن بقايا لبؤة مبتورة الذراعين
عن بقايا جمرة أيقظتها ريح مشاغبة .
***
لم يجب أحد
الشجرة الواقفة على حافة الغيب
انثنت
مالت إلى الخلف
قليلا كأنها على وشك السقوط
أوراقها العريضة تآكلت
أوراقها اللامعة بهتت
طغى عليها الاصفرار
الشجرة التي جلست تحتها كثيرا في الماضي
لامستها أنامل ملتهبة أنامل الوحشة
وحشة القادم من تلك الأزقة المعلقة على الجفون
لم يجب أحد غير أنني لازلت أنصت لهسهسة شريدة
ربما فرت من خيمة الذكريات
أيتها الدمعة المختبئة
أيتها الصرخة الميتة
الشجرة انحنت
جذورها القوية لا تزال في باطن الأرض
جذورها الميتة
لكنها انحنت واصفرت أوراقها
لم يجب أحد
رغم اعتقادي بأنني سمعت أصواتا تصرخ
سمعت نباح كلاب ضالة وصدى أقدام هاربة
سمعت همسات ، فمددت عنقي
اعتقدت أنني سمعتك
فبدأتُ أرتجف
أرتجف كتلك الشجرة
الشجرة التي لامستها أنامل الصحراء
أنامل الوحشة
من يمنع شوق القلب ؟؟
من يستوطن الرأس؟؟
من يوقف طاحونة الريح ؟؟
الريح المجنونة عن الدوران ..؟؟
لم يجب أحد إلا أنني أغلقت الأبواب
والنوافذ وأطفأت الأنوار وسمحت للكون
أن يغطس في قارورة النسيان .
***
هايدرا
التنين ذو الرؤوس التسعة
يتمايل وسط جمهرة محتشدة من البشر
راقصون من الجنسين يرتدون جسده
المغطي بأقمشة ملونة
ومن الجهة الأخرى يحطُّ السناطير
هذا المخلوق الأسطوري
لنصف حصان ونصف إنسان
مخلوق أسطوري أو هكذا تقول الأسطورة
وتقول أيضا إن الهايدرا التهم العديد
من الفتيات الجميلات قبل أن يذبحه هرقل
الراقصون يخلعون جسد الهايدرا
ويقفون على حواف المسرح
الراقصون يخلعون الأسطورة ويتراجعون إلى الخلف
بينما كانت ستارة المسرح تهبط بسلام
كنت أنا أستعد لإغلاق التلفاز .
***
قلت لي أنك ستتغيّر
ففرحت
نجومي علقتها على أعناق الشجر
وخلعت أرجوحة القلق
يا لرغبتي المهووسة
تغيرت ..
يا لله كيف صدقت؟
كيف صدقت ؟
***
الرأس الذي تاه بين الأقدام المهرولة لا زال تائها
الأغصان نبتت حول أذنيه واشتبكت قليلا
أنفاسه الذائبة أطفأت شعلة الوقت
لهذا سأترك فراشي لحيتان جائعة
وأتسكع بين أزقة مغسولة بالصحو
أيها البرق ..
ارتدِ حقول الكآبة وانزل من فوق ظهر النهار
اخلع رداء الرؤية ثم البس قميص التخيل
امحُ خطواتك التي تتبعني
أنت وحيد مثلي
أنت ثمل حتى النهاية تتخبط في الفراغ
ثمل تحاول طرد الظلام الكثيف من النافذة
***
حتى هذه اللحظة لم ألمح ذلك النيزك الذي أخبرتني عنه
لم أر فراغه لكنني رأيت ألعابا نارية تسقط من سرّة الغيم !
***
أما زلتَ مستيقظا ؟
تشاهدُ سباق الخيول الأصيلة وتراهن على خيل مجنونة
تستعرضُ قدراتها أمام الجماهير المحدقة فيها باهتمام
أما زلت مستيقظا ؟
لماذا لا أشعر بوجودك ؟
لا أشعرُ بحركاتك عندما تتقلب أو تقف ؟
لا أسمع صوت أنفاسك عندما تنفخ مستاء أو سعيدا أو متضايقا ؟
لماذا لا أشعر بك نهائيا ؟
الغبار غطى أطراف النافذة في الصباح سوف أقوم بمسحه
في الصباح سوف أغلق النافذة
قد أطلب من جارتي منظف الزجاج
قد أطلب منها مساعدتي
الغبار أصبح كثيفا ..
بدأت أشعر بالغثيان وأنا أتابع هذا السباق الممل
السباق الطويل
أتابع وأتمتم :
الغبار غطى كل شيء في الصباح سوف أقوم بمسحه
***
بكثافة ملحوظة أقصف ثواني العمر
كأني مدينة تحمل فيروسا معديا
كأني رسولة النزاع المؤجل
قلبي شمس
قلبي جسر
***
هل أستطيع أن أقول بصراحة
وأعرف أنني عما قريب سأدخل قارورة رمتها ساحرة
منذ آلاف السنين في أعماق البحر؟
يا ساعد الزلزال رجَّ مدينتي
فربما تبعثرت أوصالها على كل المدن
ربما تهدمت غيوم الكآبة أو ربما انهزمت أسراب الركود
***
أيقنت أن لا فائدة
سلمت أسلحتي لطائر ضخم
سلمت رأسي للسياف
امرأة النار تسيح كأنها شمعة أوشكت على نهايتها
هذه المشاعر التي تطوقني بها
مشاعرك المتداخلة
أيقنت أن لا فائدة
سوف أنزل السلالم كلها دفعة واحدة
إنها وصايا الشتاء
ما قالته الريح للنخلة
ما قالته الفيافي لكف التمزق
ما قالته الشمس لمدائن الغموض
هاأنا أخلع عني صهيل العبور
أجلس قرب النبع
امرأة النار تسيح ببطء
أدسُّ دهشتي الأليفةَ بين ثنايا الروح
لم أطلب أكثر
كأنَّ الطوفان والعصف وخيوط المطر
لوحة نسجتها عاصفة هوجاء .
***
هاأنا أمضي
أفرغ سلالي المليئة بالخطايا
وأعود إلى داري بقلب منكسر.
***
هذا الشارع مزدحم بضوء الصباح
تلك الرؤوس الطائشة كالرصاصات
هذا الضجيج الموزَّع على الأرصفة
هل ابتعد ..؟؟
هل اقترب ..؟؟
أنت الأكثر إحساسا باليتم
الأكثر إحساسا بالتيه تقترب من رأسي دون أن تلمسه
تصرخ في أعماقي دون أن تهدم جدراني الصارمة
تستوطن قلبي دون أن تشرح أركانه التعيسة
تقتل حزني ثم تتوجه إلى حافة الهاوية
لا فائدة ..
كنت صديقتكَ وأنت تومىء للقطارات المسرعة
للعقبان في السماء ، للفوضى في آنية الطريق
وعندما داهمتك الحمى نمت في حضني كطفل صغير!
***
للأشياء رونقها
للحزن حضوره فوق الملامح
للفرح تميزه المباشر
ولصرختك رعشة مغايرة
تكفي لإعادة تكويني كل ثانية .
***
ليتها تصمت
تلك الذئبة التي تنهش جمجمتي
بوحشية فريدة
ليتها تصمت قليلا
كي أرتب خطواتي
خطوة
خطوة
تلك الذئبة التي لازمتني طويلا
دون أن تكون لي رغبة في الهجوم
كانت دائما تسبقني إلى براري الشهوة
كأنها نسيم هائم
أنا التي فكرت كثيرا في إغوائها
علها تمنحني حضورها المزيف
علها تمنحني كنوزها الخبيئة !
***
رصيف يضيق
هانحن نقف على جهتين متناقضتين
المساحات تتداخل بيننا
الأشياء تتناثر
لا جدوى من الركض خلفها
إذن لأعلن رغبتي في الانسحاب ..
لا فائدة !
***
كل شيء مرَّ سريعا ، فلم ألاحظ كيف مرَّ
لم أر إلا كفي التي تحولت إلى قطعة ثلج قاسية وأطراف أصابع قدمي
فرميت السكين ورحت أهيم على وجهي فوق صراطك المستقيم .
***
مدّي أناملك الرشيقة و بعثريني
لا أرض إلا أرضكِ
لا سماء إلا سماؤكِ
لا طعنة إلا طعنتكِ
لا التواءة إلا التواءاتكِ المهددة بالانقراض
لا ورقة إلا أوراقك الصفراء مادتك المهيأة للاشتعال
مدي أناملك وهدهدي سريري على مرأى من أعشابك الذابلة
هدهديني برفق وبللي رموشي بأمطارك الغزيرة
***
بماذا تفكر هذه اللحظة ؟؟
بماذا تفكر؟؟
الجماجم المبعثرة عبر أزمنتي
الجماجم الخاوية تماما
الجماجم المعلقة على أسوار الحقيقة
خيط يقطع فراغ النظر بتابوت الرؤية
***
إلى أين أمضي ..؟؟
الشارع مغسول بأمطار الليلة الماضية
الكلب الذي كان ينبح مات
صاحبة المقهى سافرت إلى القرية
الغرباء الذين كنت أسهر معهم كل ليلة
تركوا البلاد واتجهوا إلى جهة غير معلنة
المرأة التي كانت تقرأ لي الفنجان أصابها العَشى الليلي
فبدأت أشك في تفاسيرها
رغم جزمها لي دائما بأن ما تقوله هو الحقيقة
السهم الذي رسمته على الجدران
ساحت خيوطه بعدما لامسه الندى
فتغيرت هيئته أصبح مقوسا كأنه بقعة ضوء طائشة
وآلاف الظلال المتداخلة تتشابك في النهاية .
***
كأنني آخر جهة في هذه المتاهة العميقة
يغمرني عويل الليل ونباح العتمة المتواصل
أنزفك أنا التي اختزلت طعنات كثيرة مشابهة
اختزلت نقوشا مختلفة لقصص غير مكتملة
أختزل الآن شفافيتك ..
أتوجك على عرش الخاتمة وأمتطي غيمة بيضاء
هي الحقيقة التي حاولت جاهدة إخفاءها
كنت أتمنى أن أختفي خلف أي من الشخصيات
أن أكون شهرزاد ، بلقيس، قطر الندى
أن أكون كاترين ،جوزفين ، دليلة
أكون أي شيء إلا أن أكون أنا
تلك الحقيقة المزعجة !
***
فاجأتني بالحقيقة
كانت تتكلم ببراءة واضحة
كانت تتمنى لي الخلاص
وكنت أنزف وأضحك
أضحك وأنزف
لماذا أخبرتها عني ؟؟
لماذا مزقت قناعي ؟؟
يا لقسوتك .. ويا لوضوحي ..
***
سأحرق الفضاء بكذبة جديدة
سأتناسل كالقطط الضالة
سأخترق كل الجهات
في كل زاوية ستكون لي بصمة
ولن أكشف عن ملامحي التي أصبحت ساطعة
كرعونة هذا الفجر
***
أخبرني ..
لماذا هذا العشب يربك خطوات الهواء المنطلقة ؟؟
هي اللعنة لا محالة
لا مكان لمتسكع في هذه المدينة
لا مكان في هذه المدينة لعازف على آلة موسيقية
أو راوٍ يتمم حكاياته الناقصة
هذه الرياض التي تتكاثف في محطة البترول
وخلف وزارة العدل كالحرس الوطني أو عند ملاعب الجولف
تتساقط كقطع الخبز المحمص في طبق حساء مجمد
والمدينة تحترق !
***
إنك تتماوج في الذاكرة
كأنك الخيال
أو أنت الخيال ذاته
***
يظهر على هيئته الحقيقية
هكذا ، فأستعيد بياضي
كمن يغرس رأسه في الموت ويغتسل بدماء يمامة
كمن يفرك أسارير الذهول بكفين طريتين
ويصعد سلالم هواجسه
مدفوعا بقوة إضافية إلى أعلى قمة
***
أتفرج على لصوص المقابر وهم يتسللون ليليا
حاملين على رؤوسهم أجسادا ملفوفة بخرقه بيضاء
ويقفون عند إحدى الكهوف تلحقهم القطط
هاهم الآن يخرجون من الكهف متجهين نحو المدينة
الكهف مفتوح
ثمة أشكال هلامية تتحرك
فأهرع إلى الداخل
أتحسس هذه المتاهة
فناء فارغ
وأنا أتبع أيائل مخدرة الحواس
***
فاجأني طيفك في هذا الزقاق
طيفك المتقمص جسد المساء
فاجأني بهدوء راح يقتفي أثر ذلك الحطاب
الذي رمى فأسه في وسط الحقل
غرس أنامله في الطين مهددا باقتلاع كل الجذور
هل تذكر تلك الجذور التي سلمت مصيرها للريح؟؟
تركت روحها معلقة في الهواء
وخرجت من اللعبة مستندة على جذع مقوس .
***
نهار مريض
ساعة مائلة نحو الغرب
يدٌ تروض عقربها
يدٌ من فولاذ مدفونة في سرير السهو
تعيد ثلاثين ارتجافة إلى خفقة الهبوط
متى تعود..؟؟
لتلملم ريشي وتلصقني بجسد الريح
لتفتح أمامي بوابات العالم
فأنا أملك ملامح صارمة وجسدا عليلا
***
المشعوذون يخلعون خرائبهم ويتقمصون تماثيل بلا أيدٍ
في هذه السهرة تجمعوا من كل مدينة جاؤوا على عجل ..
كي يحرقوا هشيم الموتى ويحرقوا المقبرة
المشعوذون يقتحمون أسطح انزوائي
فأصبحت كساحل بلا مرفأ
أعجُّ بالضجيج وأسطو على شهيق البحر
في هذه السهرة أستلذ طعم الغواية
وإيضاح الرؤية وأتهيأ لانشطار جديد
***
تصبحين على خير
أيتها الكاهنة المقدسة
تصبحين على خير
هاهي تنبؤاتك تصدق
فكيف أحمي رأسي من طواحين الهواء
من هواجسي المشوشة
قبل أن ينتهي هذا العام وأفشل في الوفاء بالعهد ؟؟
***
يا لون البرتقال
يا حمرة الأفق
كم طائراً حلق الآن وأنا ممددة على سريري ؟
أتابع حركتها الرشيقة في الفضاء
وأغني لسرمدية الجرح
أغنية مثقوبة العينين
الآن يا كل الذين أحبهم
يا قصائدي المحترقة بنيران الخواء
لو كنت تعرف أنني أراك دائما
تطلُّ من شقوق المرايا
وأرى جسدي يحلق
يحلق ويختفي!
***
تكاثرت أخطائي
حتى هوميروس يخطئ أحيانا
حتى هوميروس يخطئ
فلم أعد أهتم بتلك المشابك التي تطوق أوردتي
لم أعد أهتم بأي شيء
لذا بعثر أكوام النور على الجدران وانفجر
***
الباتمان أو الرجل الوطواط ،من الشخصيات الكارتونية الخيالية الأمريكية تمثل رجلا يقوم بحماية القانون في مدينة خيالية ،
رجلا يطير،شخصية خرافية ،كثيرا ما استهوتني في مراحل طفولتي الأولى
وأنا واقفة على سطح المنزل تاركة يديَّ للريح ومغمضة عينيَّ
الباتمان
رجل أسطوري
له ملامح تشبه ملامحنا
له جناحان تُشبهان أجنحتنا المحوكة بخيوط الخيال
له الزمن الذي لم يأت والأحلام التي مضت !
***
غادرَ كي ينسى جراحه
مشى ممتطيا حنينه
ممتطيا أحلامي الكسيحة .
***
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عندما دخلت كنت أدون بعض الملاحظات في دفتري الخاص وأخفي خلف ظهري فوضى الحواس ،
تلك الرواية التي أهداني إياها صديقي الذي انتحر قريبا ،قطع شريان يده بسكين المطبخ ،كان جميلا وهو في نعشهِ لا أعرف لماذا عندما رأيته ،
ابتسمت واحتضنت جسدي بقوة ،كان لدي إحساس غريب بأنه كان يحاول أن يجذبني معه،كنت سعيدة وخائفة ،أما الآن فها أنا أحدق في عينيك الفارغتين أحدق فلا أرى شيئا !
***
إنه الغريق يتعلق بقشة
الغريق الذي رأى سطح البحر
فاعتقد أنه يستطيع السباحة
ودون تردد رمى نفسه في البحر
***
بأطراف أناملي ألمس فروة رأسك
أغوص حتى الجذور
ألمس عروقك الخبيئة وأستقر أخيرا تحت الجلد
فأرى سر الكون
أرى لغز الوجود
أرى قيامة تتهيأ للنهوض ومدائن تلمع
أرى منازل كانت تستضيء بعروق النخيل
أرى مصبات مندفعة بقوة نحو الأرض
ووديان منثورة على السطح
أرى قطارات وأرصفة
أرى مدنا وعواصم
أغوص أكثر وأكثر
وأصحو على صدى عصف مفاجئ
يهزَّ كياني في لحظة واحدة !
***
صباح الخير أيها الجرح
صباح الخير أيتها الطرق المجنونة
بوذا يقول :
هل الأرنب الذي أفلت من فم الحية يعود إليها كي تفترسه ؟
هل الرجل الذي يحرق يده بالمشعل يمسك المشعل ثانية بعد أن يكون قد رماه إلى الأرض ؟
هل الأعمى الذي استعاد نظره يرغب من جديد في فقدان بصره ؟؟
بوذا يقول :
انظروا إلى ما حولكم وتأملوا ما في الحياة !
***
كانوا يقولون :
( مهما شرّقت أو غرّبت .. فلن تجد خيرا من الوطن )
كانوا يقولون .. وكنت أستمع !
***
علمتني الحياة ..
ألا أبكي على اللبن المنسكب
لأنها كانت تعطيني دائما
الكثير
الكثير
وما أن أغمض عيني
أو أرمش قليلا حتى تسحبه مني ثانية
أعطتني في السابق حصانا مجنحا
لكنها ربطتني في جذع شجرة تين ضخمة
وتركتني أراقبه وهو يقطع الأفق ويصهل
ثم أعطتني محبرة وريشة طائر خرافي
وتركتني أنقش فوق جدار روحي كلمات
تلهو بها عصافير الوله وفراشات الصحو
ثم قطعت كفي بمادة حادة وأصابت عينيّ بالعمى
ودفنت محبرتي تحت التراب
هكذا هي الحياة
محارة ضخمة تفتح فمها وتغلقه
تفتحه وتغلقه
وأخيرا
منحتني قلب النسر وتركت الطيور الجائعة تأكل قلبي !
***
أبعد المرآة عن وجهي
لا أريد أن أرى
أبعدها أرجوك
لا أريد أن أرى
هذه التعرجات التي تلهو بها الريح
هذه الشظايا المنبعثة من مرآتك
تشرخ بؤبؤ عيني
لا أريد أن أرى
لا أريد أن أرى
ملكة الخيال أنا
أستطيع أن أخلق عالما من اللاشيء وأعيشه
أستطيع أن أصنع منزلا من الرمل وأسكنه
أستطيع أن أبعثر ريش اليمام
فوق سحب غير ماطرة وأنام فوقه
أستطيع أن أنحت من الفراغ
حضنا دافئا واسقط بداخله
ملكة الخيال أنا
أقايض هذه الأحلام برفَّة رمش
وأصعد قمة إفرست ممتطية خيول الهواء
أبعد مرآتك عني
هكذا أنا سعيدة
فلماذا تريدني أن أرى ؟؟
***
كان الرجل الكهل يقول :
إذا قاد الأعمى رجلا أعمى
سقط كلاهما في الحفرة
وأنا كنت أتصورها نكتة تستحق الضحك
حتى رأيتهما ذات يوم عند نهاية الطريق
رأيتهما، فتذكرت كلام ذلك الكهل
لكني لم أضحك هذه المرة !
***
آه لو تلمسني في هذه اللحظة
أشعر بتلك الرغبة القوية لأناملك
يا أوقيديوس
يا شاعر الحب والحرية
رتل كلماتك في مسمعي
ابسط رداءك فوق العشب الأخضر
نديٌّ هذا الصباح معجون بمياه نقية
لو لمستني في هذه اللحظة
لتناثرت الرمال الناعمة فوق سريري واهتزت السهول بعنف
لو تلمسني في هذه اللحظة
فربما تشابكت أو تداخلت أو تحولت عن مسارها المعتاد
هذه الخطوط الوهمية التي كونتها دوامة الخيال !
***
يا هذا المربوط بجذع الشجرة حاول أن تفك قيدك
حاول أن تتحرر من دهشة الهذيان
وتذكر ، أن روما لم تُبنَ في يوم واحد
***
يسألني عن بيتنا القديم ، عن المساحة الخالية التي كان أولاد الحي يلعبون وسطها وكنا نحن الفتيات ننظر لهم من بين الشقوق ،
ننظر لهم بصمت ، وبخفة نتسلق سلالم الشجرة الهرمة ونستقر في النهاية في حضنها ،نداعب صغار العصافير
ونراقب الصبية وهم يركلون البحر بأقدامهم ويعبثون بالنباتات الطرية وفي المساء نتمدّد على البساط نستمع للقصص التي كانوا يروونها لنا ،
عن المارد الذي عثر عليه أحدهم في قارورة مرمية في البحر وعن تلك السمكة التي اصطادها أحدهم ولكنها فرّت وسقطت في البحر بعدما اختلفوا في من الذي اصطادها ،
كنا نستمع لهم دون أن نغلق عيوننا، عيوننا فقط كانت معلقة في سرب الحمام الذي كان يتحرك ببط ء.
كان يسألني عن جدتي العمياء التي كنت أحبها كثيرا ،عن جارتنا التي احترقت بسبب إهمال خادمتها الآسيوية.
كان يسألني وكنت أبحث في عينيه علني أصل ،علني أطرد غبار المسافة وأرتب خزانة الماضي ،بعدما بعثرت محتواها رياح الكوس
وملأتها برمال صغيرة ناعمة
***
كتبت صديقتي على لوح زجاجي عريض
(( للهرة سبعة أرواح )) ومضت
فحمدت الله أني لم أخلق هرة !
***
كطفل الأدغال جاء هذا الليل
فزعا من أصواتنا الموزعة في أرجاء المنزل
جاء على مهله وراح يحتك بأجسادنا الصلبة
كانت (وردة) تسكب أسئلتها فوق هرم الوقت
وكانت (آمال) تكفن شعلة المساء
أما (سهى) فكانت تنصت لصفير الريح
وكنا جميعنا مستسلمات
لهذا الركود الذي لفَّ المكان في دقيقة واحدة
***
لم أرتكب جرما
كل ما في الأمر أنني نبشت بأظافري الجرح وتركته ينزف
هكذا عريته للريح ودخلت كهفا دمره الخراب
(( لا أريد أن تكون لي أسرار
أريد أن يعرف الكل كل شيء ))*1
فليس أحدٌ أشد عمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا
وليس أحدٌ أشد صمما من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا
لم أرتكب جرما
كل ما في الأمر أنني خلقت هذا الفضاء لكي أستطيع الحياة
خلقت عالما متخيلا كي أعيش
هذا العالم المطعون بناب خنزير بري
هذا العالم الذي ينزف خرابه على رأسي
ويخلطني برماده الملون
تمهل أيها البكاء
أريد أولا أن أتمرس على العبوس
لم أرتكب جرما
وجهي المطارد منذ الأزل استعاد ملامحه
فانهض أيها الفزع
دم يابس يأخذ أشكالا مختلفة
لا هيئة له ،لا صورة
أنظر إليه فأراه يلمع
هذا العالم لا يعنيني ،بمشاكله ،بعذوبته ، بشقائه
لا تعنيني إلا بقعة الدم التي تلمع
وهذا الديك الذي يصيح رغم كل شيء
يشعرني بعظمة الجنون
فاتبعوني يا زمرة المجانين
لنعيد تكوين هذا العالم
نحن شهداء المعرفة !
***
نطت من الحائط
صرخة كانت تباغتني بصمت
وكنت أحاول أن لا أثيرها بصمتي
نطت كأنها لبؤة استفزتها الريح
فراحت تدوس على الأعشاب الضارة التي كانت تنمو بسرعة
كانت صرخة جميلة ملأت رأسي بضجيج طالما احتجت إليه
بضجيج سمعت عنه ولم أستمتع به وهو يتسكع بين عروقي
***
كلما مضيت في طريق رأيتك أمامي
تتسلل كالزئبق وتستقر كالمرض بين مفاصلي
رأيتك تحدق كبومة ضخمة وتضحك
فأنهض مذعورة كطائر بلله المطر
هذا الطريق بلا نهاية
هذا السكون بلا آخر
هذه الأنفاس الشريرة
وحدها تتكاثف فوق قباب النهار
فابتعد عن طريقي
فأنا كالطوفان أتمرغ برذاذ التحدي
وكالسيل أمضي وكالنسيم
هيا ابتعد
واتركني أمرُّ !
***
أحمل هذه الجبال على ظهري وأمضي
أصعد سلالم مشتعلة بالنيران وأمضي
أشقُّ غطاء البحار وبطرف قدميَّ ألمس القاع وأمضي
أخنق تنهداتي ويأسي وأمضي
يدي في يديك
قامتي ملتصقة بقامتك
حزني مشتبك بحزنك
خطوتي تصطدم بخطوتك
ووحدتي تسابق وحدتك وأمضي
بك أمضي إلى نهاية العمر
شامخة كالنخيل لا تهزني الرياح
ولا تقتلعني العواصف
شامخة
يدي في يديك
فلا تسقط
ولا تتركني أسقط
اجذبني من القاع
قف إلى جانبي شامخا كالنخيل أيضا
قف إلى جانبي شامخا كالطريق
نتمايل مع الريح ومن خلفنا الطوفان
***
عندما حبست البحر في كوب
ثارت الأنهار واعترضت طريقي وساومتني
فكسرت الكوب وتركت البحر يغرق العالم ويغرقني
***
موكب عرس ،الطقوس ذاتها ،كأن الأرض سفينة والقمر شمعة
وأنا هضبة غمرتها المياه
أنا هضبة أو إطار للوحة رسمها فنان فاشل
***
عندما دقت الساعة الثانية عشرة مساء
سألتني : الآن جئتِ ؟؟
سألتني ومضت
فانحنت المسافة خافضة رأسها لتمرَّ الغيوم وتعبر هذه الوجوه التي أعرفها جيدا
الوجوه التي أعي ملامحها ولا أعي هيئتها أو من تكون
صلبتني عند المدخل الوحيد في هذه الصالة الواسعة
فلم أجد صعوبة في التبحر عكس الريح
الريح كانت هي الأخرى تهب من جهة معاكسة
آه يا رأسي ..
ربما تخونني الذاكرة
قالتها ومضت
***
فجأة انتشرت رائحة البخور من زاوية بعيدة
أفواج المدعوات ينحشرن بين الكراسي
أجساد تنزف في مشهد متكرر
أجساد لينة
الأضواء تنهشهن كذئاب جائعة
تنهشهن أنامل الدف
إنها رقصة العبور
إنها رؤوسنا المضغوطة
بين أنامل متعطشة للتصفيق
رأسها يعبر رأسي
رأسها المعلق فوق الرؤوس
لولاكِ ما عبرت هذا النفق
لولاكِ ما جئت
***
انفتح الباب
فجاءت تشق البساط بثوبها الأبيض الطويل ووجهها الملائكي
جاءت فتهت بعيدا ، يزف موكبها فراشات وعصافير وقطط
يا هذا الغول
اهدأ
لم تأت بعد لحظة الفرار
الأبواب موصدة بالأقفال
الصالة مزدحمة
فاهدأ واتركني أتأملها
لولاها ما جئت
لولاها ما عبرت هذا النفق
لولاها ما تركت تلك العيون تفترسني
هاكم خذوا عينيَّ واتركوا لي ابتسامتي الناقصة
خذوا سلالي الخالية
خذوا وحشتي واتركوني
***
المرأة الجالسة على الكرسي ،الملاصق لكرسيي ،المرأة التي تحدق في وجهي ، ربما كانت تعرفني
أحبك أيتها الوردة البيضاء
أحب صفاءك
فامنحيني هذا الصفاء
امنحيني شرعية النقاء
لأمنحك عمري الطويل
أيتها الوردة البيضاء
***
ذكرتني المرأة الجالسة على يساري ،بأنني لم أخضب يدي بالحناء
لم أرتدِ ملابس تليق بالمناسبة ،استنكرت كيف أكون أختها ولم أخضب يديَّ بالحناء ،فلم أعلق ،
لم أعلق أبدا ،لأنني تذكرت مرة أنني رفضت أن أخضع لتهديدات والدتي في ليلة عيد ،رفضت أن أسلمها كفي ،
رفضت ولا أعرف لماذا ،ربما لأنني لا أستطيع أن أجلس لحظة واحدة دون أن أستخدمهما ، يداي جناحاي ،
لازلت أذكر كيف بكيت كثيراً يومها عندما ربطتهما بقماش وطلبت مني أن أجلس لمدة ساعة
دون أن أستخدم يديَّ ،ومنذ تلك الليلة لم أستسلم أبدا ،حتى ولو رمقتني
تلك المرأة بنظرتها الغريبة .
***
موكب عرسي
البطاقة تحمل اسما يشبه اسمي
آه يا جدتي الحنون
هاهو طيفك يهبط
طيفك يخيم
كأنه قبس من ضياء
يحطُّ على رأسي
***
ربما بسبب دقات الطبول
ربما بسبب الأنوار المركزة كأنها شمس صيفية
ربما بسبب إحساسي بالوحدة ، لا أعرف
إلا أنني كنت أنحشر بين المدعوات وأخبئ وجهي بين كفي
***
أنا الآن في مكان يشبه تماما
المكان الذي أنت فيه
جسد المدى انفلت وسقط كالنيزك
على سطح الجزيرة
- جزيرة النخيل -
***
ماذا ستفعل بي يا طفلي الحقيقي ؟
يا طفلي الوحيد؟
أنا التي مارست تربية جميع الكائنات
أنا الأم الأولى على الخليقة
أم العصافير والقطط والغزلان البرية
أم الأطفال الذين ولدتهم والأطفال الذين لم ألدهم حتى الآن
أم الأطفال التائهين والمفقودين والمساكين والساكنين في القصور
يا كم بنيت أعشاشا وأكواخا وحفرت بأظافري أخاديد للأرانب والفئران
ماذا ستفعل بي يا طفلي الحقيقي ؟
يا طفلي الوحيد؟
أنا المولودة بدون رحم
تحاصرني الآن يا طفلي المدلل
نعم وحدك أشعرتني بمعنى الأمومة
هذا الشعور الذي لم أشعر به قط رغم كل تجاربي السابقة
لم أشعر لحظة واحدة أنني أمنح هذه الكائنات الدفء والحنان
وكنت أقول دوما - فاقد الشيء لا يعطيه -
فكيف فجرت الينابيع في صدري؟
كيف حولت مشاعري إلى شلالات مندفعة بقوة نحو الأرض؟؟
***
سقط الريموت كونترول مباشرة في سلة المهملات
فسقطت معه ،محطات كثيرة ،عربية وأجنبية وبرامج مختلفة ثقافية
ودينية سياسية ورياضية
سقطت فجأة فاستيقظت مذعورة
ألقيت نظرة خاطفة
كان السكون يخيم فوق أثاث الغرفة
كان الهواء المندفع من المكيف منعشا
فسحبت الغطاء ونمت ثانية
***
هبط زرادشت من مذكراتها وراح يجوب في المدينة
كانت المدينة تنام في قلب الضباب
فطرق الباب الأول
مثلما ينقر عصفور جذع شجرة وحيدة في غابة دمرها الطوفان
طرقه برقة
كانت تيجان العتمة تلمع حين نظر إلى الداخل والسماء ترعد
كانت أشجار النخيل محنية الرأس
والساحة خالية إلا من كثبان الرمل وصغار القطط
لم يكن في الداخل إلا إرث لملك مهزوم
فلم يتردد كثيرا
خلع جبته وغطى بها عري الأرض وتراجع
كانت الأبواب الأخرى مفتوحة على مصراعيها
فلم يكترث لصوت الريح من خلفه
لم يكترث لارتطام الزجاج بالأرض
خطا نحو العرش وامتطى عنقه
فخضعت له أمواج الجبابرة والدجالين
حرك يديه فرمت السحرة أوراقها الخاسرة في البحر وركعت له
فامتطى العرش وأطلق كباشه في وجه الشمس واعتلى جوادا أعرجَ
فأغلقت مذكراتها أغلقتها وأطفأت النور
***
أجمل رعشة أشعر بها وأنا أحتضنك
فانفضي غبارك أيتها الساحات في وجهي
انفضي غبارك أيتها الساحات
واتركيني ألملم نبضاتي التي تناثرت كاللؤلؤ
***
أنت في ليلة باريسية باردة
أحرقت ألبوم صوركَ دفعة واحدة
أما أنا فلم أستطع أن أفعل مثلك
لم أستطع أن أحرق ألبوم صوري
تركته في زاوية مهملة
كما تركت كل شيء مهملا ومعلقا حتى الآن !
***
أنت هنا وأنا هناك
بيننا هذا السور المحاط بالأشواك
أنت هنا
وأنا ..
لا هنا ولا هناك !
***
عطارد
المشتري
المريخ
عطارد
المريخ
الزهرة
الأرض حجر ساقط
عطارد
المريخ
الأرض نيزك
الأرض
الأرض
عطارد
زحل
المريخ
الأرض
آه
الأرض
الأرض
***
أم كافكا هي بخلاف باقي الأمهات لا تعرف الحب
أم كافكا أم قاسية ، متعالية ،متعجرفة ،صعبة المراس
إذن .. لأسترح الآن وأترك الماء ينساب بهدوء من بين أناملي
لأخلع نعليَّ وأغمر قدميَّ في الطين
لأترك مراكبي الورقية تصطدم بالحصى
لأخلع معطفي وأعرض قلبي للشمس
أيتها السرطانات الصغيرة ادخلي بين أصابع قدميَّ
أصابع قدميَّ باردتين ،فمري بسلام
أيتها الكائنات الجميلة
فليست الأرض إلا شحمة
تحترق على نار هادئة
***
سأهرب منك الآن كي لا أكون كالدبور
الذي زنَّ على خراب عشه
عشه الهشِّ
سأهرب يوما واحدا أو يومين
سأهرب أسبوعا أو أسبوعين
سأهرب شهرا أو شهرين
سأهرب
سأهرب
لأنني لا أستطيع العيش بعيدا عنك لحظة واحدة
***
لم أعتد قراءة الطالع وأبواب الحظ والأبراج كما أنا الآن
لم أعتد أن ابحث بين سطورها عن بصيص من الأمل ،عن لحظة مضيئة تقذفها توقعات العرافين على أيامي المتشابهة ،
عن لمسة تنبؤ أو صفحة من كتاب الغيبيات
فربما أضاءت شمعة مغمورة في المياه الضحلة
ربما أضاءت الطريق
***
تداول البحارة في الماضي ،حكايات عن وحش وحيد الذراع يخرج من الماء يمد ذراعه إلى السفينة ليغرقها أو يجر البحارة إلى أعماق المحيط ،
فلم يكن هذا الوحش إلا الحبار الذي أغرق العالم بسائله الحبري ، فغير خريطة العالم !
***
في الساحة المجاورة لبيتنا تجمّع الحواة
فتجمّع حولهم سكان الحي
كان الحواة يزمرون ويبوّقون
 
بينما كانت الأفاعي تنطُّ وتهتزُّ ،فتبدو كأنها تتراقص
في هذه اللحظة حطت على الحائط طيور الجنة وحمام الزاجل
فطاشت من بين الشقوق سهام غير حادة
أسقطت بيضة النعامة على الأرض
الأفاعي تسللت من وسط السلال وراحت تتجول
كانت الكوبرا الملكية تزحف على شكل حرف S
كانت حية الجرس تتحرك على شكل انسيابي
حتى وصلت إلى بيضة النعامة
البيضة التي سقطت منذ لحظة فابتلعتها الحية
وعادت إلى الساحة مصحوبة بتصفيقات قوية
تدفعها لالتهام أي شيء تراه في طريقها
من بعيد رأيت طفلا صغيرا يتجول بين الواقفين
يجمع نقودا فضية ويبتسم
ابتسامة تشبه ابتسامة الأفعى
التي كانت تتجول قبل قليل وتهاجم نقار الخشب
***
على أي كرسي تجلس
على الكرسي الذي أمامي أو الكرسي الذي بجانبي ؟
لماذا لا أراك ؟
هذه الكراسي المصفوفة تكاد أن تصرخ
ألف رأسي عنها
فتصرخ ثانيا
أنت هنا أعرف ذلك ولكن لماذا لا أراك ؟؟
على هذا الكرسي
على ذاك الكرسي
على الكرسي الملتصق بالجدار
على الكرسي البعيد
موجود أعرف ولكن لماذا لا أراك ؟؟
***
ما تطلبهُ مني تستطيع أي امرأة أن تمنحك إياه
لكن ما أريدهُ أنا لا تستطيع أنت أن تمنحني إياه
أيها الرجل !
***
تتعلق بأغصان الأشجار
متدليا إلى الأسفل
أيها الأبوسوم اللطيف
تلف ذيلك حول الغصن
وتمسك بأقدامك الأربعة بالطعام
من بين ثقوب المباني
ألمح الماموث يغوص في الوحل
كلاب صيد تتباهى بشعرها الناعم
ودبّا ضخما يمشي على أرجله بشكل غريب
لمحت رجلا يحمل بين يديهِ فيلا أبيض
فتذكرت تلك القصة التي قرأتها
عن هذا الفيل المقدس الذي كان يُقدم لهُ الأكل
بمعالف فضة وأقمشة بيضاء مخصصة لها
فعرفتُ لحظتها لماذا انقرض الماموث والديناصور
والإنسان قريبا !
***
يقلقني ضمور بعض الأعضاء عندما لا تستخدم
فالبطريق كان يطير ولكن لأنه لا يوجد ما يجعله
أو يضطره إلى الطيران ضمر وتيبس جناحه
كم يقلقني أن أصبح مثل هذا الطائر التعيس !
***
لا تحزني
هاهو توماس باين *2 يمضي إلى حتفه وحيدا
فلتذهب إذن بهدوء كل الحماقات الأخرى
ولتهبط فراشات أبو الهول ذات الرؤوس الميتة
لتهبط فلم يبق هناك داعٍ لتعلقها هكذا في الهواء
ليخرج فرس النهر إلى اليابسة
هاهي الطرق مفتوحة للخونة وللمشعوذين
الشوارع يستوطنها المتسولون والشيوخ والتعساء
الآن اركع يا فرس النبي
هذا الفضاء لك
لك وحدك
بينما توماس باين
يمضي إلى مثواه الأخير معدوما ،بائسا ،عليلا و وحيدا!
***
نيويورك
لندن
القاهرة
الدوحة
بيروت
باريس
روما
دمشق
أوراق متناثرة على الخريطة
أوراق متطايرة تلتصق بجسد القرن
القرن الحادي والعشرين
قرن العولمة والفضائيات والأقمار الصناعية
قرن التكنولوجيا والتطور
قرن القرون .
***
بدوية ..
قفزت قفزات سريعة
قفزات مضحكة
فأصبحت كالكنغر
تحمل جنين التخلف
في كيسها
المتدلي إلى الأسفل !
***
قفزت
فسقطت أشباهها في وسط الطريق
حولها تراكمت النباتات المتفسخة
وحطت ملكة النحل على رأسها
فانحنتْ
لم تقطع الطريق
قفزتْ
قفزة واسعة
فسقطت في بركة متجمدة
***
عندما لسعني عنكبوت يدعى النارانتولا
التف الراقصون حولي
كانت عيناي مغمضتين
كانت أذناي مشمعتين بالشمع الأحمر
كان جسدي مدفونا تحت أجساد الراقصين
وهم يؤدون رقصة التارانيلا بمنتهى الحيوية
كنت أحدق فيهم وأحرك رأسي معهم
علها تنتقل إلى جسدي تلك الرغبة
أتمايل معهم
حتى أتخلص من وخز ذلك العنكبوت
الذي كان أثر لسعته لا يزال باديا على جلدي
***
تعودت أن أقول لا
لأي شيء أقول لا
منذ طفولتي الأولى
أقول لا
وأفرح لأنني أقول لا
أفرح أيضا
عندما أرى الطرف الآخر غاضبا
فأتخيل عمود الماء الخارج من ظهر الحوت
أتخيله الآن وكأنه سيتحول إلى حوت
بينما أنا أردد لا .. لا .
***
كالفقمة تحطُّ الكآبة على صدري هذه الليلة
هذه العتمة التي تتهادى كالزرافة
تزحف كفراشات التوسوك عديمة الأجنحة
كيف لي أن أحول هذا الصوت المخنوق
إلى صوت يشبه صوت ذلك القرد الذي يسمى العواء؟
كيف لي أن أطلق نداءات تشبه نقيقات الغراب؟
هذا الليل الطفيلي ينام على فراش من الأغصان
كأنه غوريلا مسالمة ودعت صويحباتها قبل لحظة
كيف لي أن أفتّت زهرة الخشخاش الأحمر
قبل أن يسبقني مهرجو السيرك
والقطط السيامية إلى حافة الصرخة
كيف لي أن أصرخ
وهذه الكآبة تضغط كالفقمة على صدري؟
كيف لي أن أصرخ ؟
***
بحثا عن العمر الضائع
عن الأحلام عن الأوقات عن الرغبات عن الماضي عن الحاضر
عن الأفكار المبنية على اللاشيء عن الأهل الذين لم أعش بينهم عن الإخوة الذين لا أعرفهم
عن الأم التي لم أشعر بها عن الأب الذي لا أذكره عن الطفولة التي لم أعشها عن الصبا الذي لم أمرَّ بمرحلته
عن المنازل التي تركتها ولم أحزن عليها عن الأطفال الذين ولدتهم ولم أجدهم عن الأصدقاء الذين لا أعرفهم
عن العمر الذي مضى هكذا دون أن أشعر به عن المشاعر التي تاهت وسط الطريق عن الليالي التي سهرتها وحدي
عن الأحلام التي حلمتها ذات يوم ولم أستطع تحقيقها حتى الآن عن الشوارع والوديان والأرصفة التي لم أعبرها
عن العمر الذي يمضي مندفعا نحو النهاية .
***
اشتبكي
اشتبكي
أيتها الريح بطرف ثوبي
الأشجار المجوفة بالصدى
تنازلت عن عرشها تركته لسرب الحمام
العائد الآن من رحلته الطويلة
وانزوت خلف مدفأة منزل تسكنه الأشباح
خيول الحدس تبعثرت
حول جسدي المشتبك مع دوامة الريح
يا رأسي العالق بهذه الضوضاء
الباندا تسلق خيوط أرقي
كما يتسلق الهواء أشجار الصنوبر
وأنت وحدك تتأرجح بين أناملي كطفل عنيد
كالسوس أتسلّل إلى جسدك
جسدك الممدَّد على أريكة الروح وأبدأ في تفتيته
أدخل بين ملابسك أحتك بجلدك كالسوس
كالسوس أنخر عظامك وأتسلل إلى أقصى جزيرة وأستقر هناك
***
أشهد أنى أحبك !
***
أتعرَّف عليك الآن أيها الأثر
لم أكن أتوقع أن تكون لي أي بصمة أو أثر أو علامة في رحلتي هذه
قبل أن أراك أيها المسافر تعبر قلاعي الحصينة
تعبرها بكل ثقة إلى الضفة البعيدة
***
كان الزقاق مختفيا وسط الضباب
كانت الدوخة تقتنص الرؤوس
كان النواح يهجم كالماعز الوحشي
وكنت أنا أبعثر خطوتي وأرتقب طعنة خنجر تأتي من أي منعطف
يا لها من سحابة عريضة تلك التي مرت من هنا
سحابة عنيدة اخترقت كومة من السحب
كانت تمنعها من العبور وعبرت
***
لأ
© 2024 - موقع الشعر