لتكن آخر خفقه فرح أو رعشة حلم - سعاد الكواري

شيءٌ في أعماقي يولدُ ويموتُ
شيءٌ لذيذٌ كأنهُ الخدرُ
وقاسٍ كأنهُ الاختناقُ
فإلى أيِّ جهةٍ ستمضينَ أيتها الريحُ
الصباحاتُ الملبدةُ بدفءِ المشاعرِ
انفجرتْ هذا الصباح
قاذفة أشلاءَها المتهالكةَ على رأسي
الأشجارُ السابحةُ في الفضاءِ خلعتْ قشورَها
وقفتْ عاريةً تماما في وجهِ العاصفةِ
فتراجعي أيتها الريحُ
وادخلي في قلبِ التابوتِ
***
طويلةٌ كانت الرحلةُ
طويلةٌ ومتعبة ٌ
أيها الليلُ
أيها الليلُ
أيها الليلُ
عليَّ أن أقفَ ثانيةً
أن أتلمسَ الجدرانَ بأناملي الضعيفةِ
أقفُ من جديدٍ
أيُّ أجنحةٍ ترفرفُ في الفراغِ
أيُّ أشباحٍ تتلبسني
أشتهي رعشةَ الحمى
لسعةَ النارِ
وخزَ الإبرِ
اشتهي طعنةَ خنجرِ
كي أصرخَ آه
أصرخَ آه
مخنوقةً هي الكلمة في صدري
فاصرخي معي
أيتها الحمامةُ النائمةُ على مخدتي
طويلةً كانت الرحلةُ ولذيذةً
أسقفٌ انهارتْ
جسورٌ تراكمتْ
بناياتٌ عاليةٌ تهدمتْ في ثانيةٍ
رجالٌ مسلحونَ اقتحموا ضلوع َالموتِ
نساءٌ صامتاتٌ كأنَّ على رؤوسهن حطَّتْ طيورُ اليأسِ
على رؤوسهن نامت العاصفةُ
***
شيءٌ غريبٌ يولدُ
ويموتُ في أعماقي
لم يحدثْ أبدا
أن هذه المرايا عكستني كما أنا
أو شكلتْ من فراغي صورةً تشبهني تماما
لم يحدثْ أبدا
أنني رأيتُ وجهي في المرآةِ
يا هذا البياضُ
امزجني قليلا بحمرةِ الفوضى
فربما أتشكَّلُ بين يديكَ
جميلةً كانت الرحلةُ
الآن فقط
اكتشفتُ أنها كانت جميلةً ومزيفةً
***
عند الحدودِ
رأيتُ مدينةً خرافيةً ليس لها مثيلٌ
مدينةً محاطةً بأغصانٍ عريضةٍ
مدهونةً بنبيذِ الصباحِ
فهل أدخلُ ؟؟
مدينةً من الماسِ تلمعُ
كلما سقطتْ عليها أشعةٌ بنفسجيةٌ
تلمعُ أيضا كُلما هدَّها التعبُ
فهل أدخلُ ؟؟
قدماي ترتجفان
رغبتي تزدادُ إصرارا
أيتها الرغبةُ المجنونةُ لا تقتحمي هذا الأفقَ
اقذفي ذاكرتكِ في اليمِ
هذا الطريقُ الذي مشيتِ فيهِ
لم يكن إلا خيوطاً وهميةً
هذهِ القهوةُ التي شربتِها
على منضدةٍ في الحديقةِ
لم تكن إلا لقطةً في فيلمٍ سينمائي سخيفٍ
هذه الحمامةُ التي كانت تغني كل مساءٍ
وكنتِ تضحكين بسعادةٍ بالغةٍ
لم تكن إلا أغنيةً مكررةً
افقدي الذاكرةَ
لا تقفي أمامَ المرآةِ
كي تصلحي شعركِ المنسدلَ بإهمالٍ
لا تضعي كميةً هائلةً من الألوانِ على وجهكِ
اتركي دموعكِ تسيلُ
كتلكَ الأمطارِ التي أغرقتكِ ذات مساءٍ
في الحديقةِ نفسها
افقدي الذاكرةَ
فربما لم يكن كل ما حدثَ إلا حلما لذيذا
وانتهى
***
لا أستطيعُ أن أرفعَ رأسي
رأسي ثقيلٌ
 
أشعرُ بأطرافِ أظافرَ كثيرةٍ تنغرسُ في جبهتي
بأناملَ متعرجةٍ تهزُّ جمجمتي بعنفٍ
هل هذا هو الصداعُ ؟؟
كم حبةَ أسبرين عليَّ أن ألتهمَ؟؟
هل تكفي اثنانِ ؟؟
هل تكفي ثلاث ؟؟
أم لا بد أن ألتهمَ الحبوبَ كُلَّها
لتتوقفَ تلكَ الطاحونةُ وتهمدَ
على الحدودِ تبعثرت هامتكَ
هامتكَ الشامخةُ
تحولتْ إلى مجموعةٍ متداخلةٍ من الشخصيات
أعرفُ بعضها ولا أعرفُ البعضَ الآخرِ
أنا التي كنتُ أعتقد أنني أستوعبها تماما
أراها الآن غريبةً
كيف تحولتَ
إلى كلِّ هذه الشخصياتِ في ثانيةٍ ؟؟
كيف أصبحتَ مسالما ،شرسا ، رومانسيا ، قاسيا ؟؟
كيف تمزقتَ إلى أشلاءٍ مختلفة ؟؟
هل هذا هو أنتَ ؟؟
أم أنني كنتُ نائمةً طوالَ الرحلةِ !!
***
منذ الأمسِ
وأنا أحاولُ أن أحفرَ في أعماقي خندقا
وأغطيةِ برداءٍ سميكٍ
لكنَّ الحدودَ كانت تتمدُّدُ كأنها أفعى
كأنها خيوطٌ مطاطيةٌ
***
في قلبكَ أيها النجمُ أخبئُ أسراري
أنا العاريةُ دوما
 
أبوحُ لكَ بآخرِ الأسرار
سيرحلُ
أعرفُ أنهُ سيرحلُ
سيتركُ بذورهُ في صدري
وسيرتمي في أحضانِ أخرى
أكثرَ مني جمودا
لكنهُ سيلامسُ غيوما حُبلى
سيغتسلُ بأمطارٍ حقيقيةٍ
سيرحلُ
أعرفُ أنهُ سيرحلُ
لا حقيقةَ إلا هذا الرحيل
فلتكنْ تلكَ الرحلة الأخيرة
لتكن آخرَ رعشةِ فرحٍ أو خفقةِ حلمٍ
© 2024 - موقع الشعر