زهرة يتيمة - سعاد الكواري

على كرسيٍّ هزازٍ
أجلسُ
فتؤرجحني الريحُ
ليت الريحَ لا تتوقفَ عن هزِّ الكرسي
كي أنامَ
أنا المستيقظةُ على الدوامِ ليتني أنام
بيدين نحيلتين أُهَدْهِدُ جبلا
أتبعُ طائرا مطعونا في إحدى قدميه
أتبعهُ فقط وأعلم أنني لنْ أصلَ أبدا
أصعدُ سلَّما
أصعدُ سلالمَ كثيرةً
أحاولُ إغواءَ أرملةِ الطريقِ بدمعةٍ
أنا الخاسرةُ سلفا
أحاولُ أنْ أتخلّصَ من لُزوجةِ الأفقِ
وأدنو من ضبابهِ الرطبِ
أرمي جسدي من النافذةِ
أقذفهُ طعاما لمشرطِ سفاحٍ محترفٍ
أبذرُ روحي في حديقةٍ جرداء
ثم أجلسُ على عتبةٍ
أنتظرُ قدومَ جنازةِ لأتوه وسطها
***
يا شجرةَ الحَظِّ
كيف منحْتِني ثمارَكِ كلَّها دفعةً واحدةً ؟
منحتِني بياضكِ في لحظةٍ
استجبتِ إلى نداءاتي
كنتُ أضحكُ عندما حلمتُ
عندما أغمضتُ عيني وتمنيتُ
فلماذا منحتِني حنانَكِ ونسيتِ
 
أنني لا أعرف غيرَ الذبولِ وانتظارِ المساءِ
لماذا جاءتْ أناملكِ لتوقظني ؟؟
لتمنحني الحبَّ
وأنا بِلا قلبٍ
بلا جسدٍ
بلا عاطفةٍ ؟؟
***
من أيِّ رحم خرجتُ ؟
أمن هذه الصخرةِ تشكلتُ وتكونتُ ؟
أم أنني نباتٌ شيطانيٌّ بذرتْهُ الريحُ ؟
من أيِّ رحمٍ جئتُ ؟
وحيدةً وشريدةً
أصارعُ أشكالا لا أعرفُها
وحيدةً وتعيسةً
أبحثُ عني وسطَ تلك الأشكالِ
أبحثُ عني ولا أجدُني
فأعودُ من حيثُ بدأتْ
أعودُ إلى كهفي
وألتحفُ بالفراغِ
***
كان عليَّ أن أوقفَ هذا الشلالَ المندفعَ
كان عليَّ ألا أُشْعلَ الطريقَ بعودِ ثقابٍ
لكنني أشعلتُ النيرانَ
أشعلْتُها حتى احترقتُ برمادِها
واشتعلتُ باللهبِ
يا هذا القلبُ
القمرُ هبطَ من عرشهِ كي يُظلِّلَ زنبقةً يتيمةً
البحرُ باحَ بأسرارهِ وتربَّعَ على كفٍّ مقطوعةٍ
الكواكبُ اصطدم بعضُها ببعضٍ
الكواكبُ الموزّعةُ حولَ مدارٍ خاوٍ
قطعتْ طريقَها ضاربةً أقدامها في البئرِ
الحياةُ تضحكُ ، هاهي تضحكُ لي أخيراً
أَتأملُها وأندهشُ
هاهي المدينةُ ترقصُ على أنغامِ غجريةٍ
فيا مدينتي الرائعةَ ، أطلقيني في الفضاءِ
اتركيني أتكسَّرُ عند بابكِ
المدى سقطَ بالقربِ مني
ففتحتْ بوابةً كنتُ أخافُ منها دوما ؟؟
فتحتها وثرثرتُ كثيراً
ثمَّ نمتُ على بساطٍ يقظٍ
***
أدخلُ الجنّةَ
أرى وجهي منعكساً على مراياها
أرى كفي بحجمٍ خيالي
قدمايَ تنفصلان عنّي
رأسي يتحولُ إلى رؤوسٍ صغيرةٍ
تنتشرً في كلِّ مكان
هياكلُ مختلفةٌ تقطعُ الطريقِ
خطواتٌ بلا أرجلٍ تتراكمُ هنا
وظلالٌ بِلا هيئةٍ
أسرابٌ تقفُ عند البابِ ، وماذا بعد ؟؟
الآنَ فقط أروي عطشي بأنهارِكَ الدافئةِ
***
لم أسافرْ إلى القاهرةِ
لكنني تَسَكَّعْتُ وسْطَ شوارعها
عبأتُ روحي بضجيجها
لم أرَ بيروت
لكنني تَمدَّدْتُ تحتَ أشجارِها العريضةِ
لم أشربِ القهوةَ في مقاهي أصيلةٍ
لكنني سابقْتُ الضوءَ بأقدامٍ إضافيةٍ
هكذا أنا
أنظرُ إلى العالمِ من خلف نافذةٍ مغفلةٍ
***
أريدُ أنْ أركضَ
أنْ أصرخَ
أريدُ أنْ أهربَ
أن أرى وجهي في المرآةِ
فلماذا تمنحِنني عطفكِ الآن ؟؟
من قال : إني أريدُ هذا العطفَ؟؟
أريدُ فقط أن أموتَ
فامنحيني سُخْطَكِ
امنحيني الجحيم
***
المدينةُ واسعةٌ جدا
وخاليةٌ تماما
الفصولُ
الشهقاتُ
الضلوعُ
المدخلُ الوحيدُ
المائدةُ
الأصدقاءُ
القطاراتُ المسرعةُ
الحياةُ ، الحياةُ دفعةً واحدةً
يا شجرةَ الحظِّ اقذفيني بثماركِ
فأنا وحيدةٌ وتعيسةٌ
أسابقُ بوصلةً مجنونةً
كمن يطاردُ ريحا
مندفعةً إلى الجهةِ البعيدةِ
***
لم أحلمْ بهذا كُلِّهِ
الريحِ
الشمسِ
السهولِ
الأزقةِ
المنعطفاتِ
لم أحلمْ بأيِّ شيءٍ
لم أفكرْ أبدا
أن أفتحَ سراديبي المغفلةَ
كنتُ قد اكتفيْتُ بالنظرِ من بعيدٍ
إلى هذا العالمِ
اكتفيْتُ بالنظرِ فقط
بِعْتُ روحي لأخرى
أراها دائما تتقمصُ جَناحَ طائرٍ
أوْ جسدَ حصانٍ شريدٍ
لم أحلمْ بشيءٍ
لكنها منحتني الفضاءَ دونَ مقابلٍ
منحَتْني الفصولَ كلها دفعةً واحدةً
***
وحيدةٌ وظلي الأكثرُ مني وحدةً
يتسكعُ في مدنٍ بلا تاريخ
أنا وظلي كلانا يبحثُ عن الآخرِ
كلانا ضائعانِ
والكونُ أضيقُ من ثُقبِ إبرةٍ
بشراعٍ عريضٍ ألتحفُ
كأني جنينٌ مبللٌ بالضجرِ
كأني نخلةٌ يابسةٌ
كأنني السماءُ المطرُ العاصفةُ الكونُ
كأنني لم أكن أنا !
كنت سراباً أعمى يتخبطُ في الطرقاتِ
***
كم أنا سعيدةٌ ؟!!
لأول مرَّةٍ أصرخُ كم أنا سعيدةٌ
الأبوابُ مُشْرعةٌ
المدينةُ خالية ٌ
أيتها المدينةُ افتحي أبوابكِ
فربُّما تنحرفُ نَجْمتي عن مسارِها المعتادِ
ربُّما تضيءُ في العتمةِ
أو تموتُ قبلَ أن أصلَ !
© 2024 - موقع الشعر