بوحُ أوّلِ الشّتاء

لـ محمد عبدالرحمن شحاتة، ، في غير مصنف، آخر تحديث

بوحُ أوّلِ الشّتاء - محمد عبدالرحمن شحاتة

وأتى الشِّتاءْ
والفجرُ
يخرجُ من ضلوعِ الكونِ
كالنبضِ الحزينِ
فينحني ظهرُ المساءْ
وأتى الشِّتاءْ
**
لم أدرِ
كيفَ تشابكتْ تلكَ الأصابعُ
لستُ أذكرُ
كيفَ أهملنا الزمانَ فصارَ يجمعُنا اللقاءْ
وإذِ المسافرُ
في بحورِ الشِّعرِ
يغرقُ كلَّما عجزَ القصيدُ عن الغِناءْ
من قالَ:
إنَّ البحرَ أمواجٌ وماءْ!
**
عيناكِ
من خلفِ الغيابِ
تعاودانِ العزفَ فوقَ أناملي
لا شيءَ أقسى مِن صَباحِ مُسافرٍ
وجفافِ نهرِ الحُّبِّ
مِن بَعدِ ارتواءْ
أنا لن أقولَ اليومَ
إنَّ القلبَ شاءْ
**
قُلنا
بإنَّ الليلَ أصدقُ صاحبٍ
لأعودَ خلفَ الغيمِ
مُبتسِمًا لطيفكِ
إذ يُرفرفُ تحتَ أوتارِ الهواءْ
فأغارُ جدًا
والسَّرابُ على امتدادِ العينِ
يَرقبُ حيرتي
وأنا كبندولٍ تعلَّقَ في السَّماءْ
**
كنّا نذوبُ كسُكَّرٍ
ببكاءِ طفلينا
على الحلوى التي ذابتْ بضوءِ الشَّمسِ
نذهبُ في المساءِ إلى هناكَ
وما هناكَ سوى التقاءِ العينِ بالعينِ الحزينةْ
إنّا سنمضي طائرين تقابلا فتفرَّقا
وغدًا ستجمعنا مع الذكرى مدينةْ
ونعودُ يحملُنا الغَمامُ
لننثرَ الدربَ الطويلَ بحُلمِنا
ونظلُّ فوقَ الماءِ تحملُنا سفينةْ
فإلى متى سيظلُّ هذا البُعدُ يأكلُ في البَدَنْ؟
وإلى متى
سنظلُّ نرصفُ بالهوى وجهَ الشوارعِ والمُدنْ؟
**
للفجرِ ضَحكةُ عابسٍ
وبيوتُ شارِعنا التي ذابتْ على كفِّ الظلامِ
سحابةٌ
تهوى بزوغَ الحرفِ من جوفِ السكونْ
وأنا أحبُّكِ
والهوى بعضُ الجنونْ
لسنا نجومًا ضاحكاتٍ للسماءِ بلونِها الفضيِّ
-لا
الآنَ أمشي مغمضَ العينينِ خلفَكِ
مِثلَمَا مَن يُمسِكُ الماءَ المُصفَّى باليدينْ
ومِنَ المُحالِ بأنَّ طفلًا عابثًا
سيجيءُ مِن أقصى القصيدةِ عائدًا في خُطوتينْ
**
الدمعُ ثلجٌ والبُكاءُ على رحيلِ الأمسِ
لا يكفي إذا بكتِ العيونُ على الرحيلْ
نمشي سُكارى والقلوبُ حزينةٌ
حتى نعودَ مسافرينَ بلا دليلْ
يا أنتِ
يا وجعَ القوافي
واحتدامَ البدرِ في الليلِ العَليلْ
كَم أرَّقَتني في عيونِكِ دَمعَةٌ
والشِّعرُ خُبزُ المُتعبينْ
مَن علَّمَ الفجرَ المُزخرفَ أن يَجيءَ مُبَكِّرًا
يَروي ابتسامَكِ بالحَنينْ
أنْ تنحني رأسُ السَّنابلِ
كُلَّما احتَضَنَتْ بداخِلِها الجَنينْ!
**
ماذا إذا مرَّ القِطارُ
مُحمَّلًا بمسافرينَ إلى التِّلالِ
وأنتِ واقِفَةٌ هٌنالِكَ تَرشُفينَ شَذى التِّلالْ
ستُخضِّبينَ الأرضَ بالحِنّاءِ
حيثُ يمامةٌ
ستحطُّ في كفِّي وكفِّكِ
تَرتوي مِنها الغِلالْ
فَلَنا الدِّماءُ الجارياتُ على الطَّريقِ
مِنَ الظِّلالِ إلى الظِّلالْ
© 2024 - موقع الشعر