أغنيَّةُ الوَطنِ المُسافِر

لـ محمد عبدالرحمن شحاتة، ، في الوطنيات، آخر تحديث

أغنيَّةُ الوَطنِ المُسافِر - محمد عبدالرحمن شحاتة

إنْ جئتُ
أحملُ فوقَ كفَّيَّ الحنينَ كما ابتعدتُ،
وعدتُ مَغروسًا بأرضِكِ
مثلَ نبتٍ أو وَتَدْ
 
لا ترفضي قلبي الصَّغيرَ فإنني
أخشى المصيرَ
وليسَ عندي طاقةٌ أنْ أبتَعِدْ
 
وارمي بقافيتي البريئةِ
قلبَ شارعِنا الحزينَ
فكم سألتُ القلبَ عن سرِّ البُكاءِ فلم يَرُدْ
 
 
 
ومشيتُ
فوقَ صراطهِ المحذوفِ من وجهِ الخريطةِ للأبَدْ
 
قدرًا
سيقتلني الحنينُ،
إذا رأيتُ عيونَكِ السوداءَ بينَ نجومِنا
ويعودُ يدميني صِراطُكِ
إذ أصيحُ مُناديًا ألّا مَرَدْ
 
فالنبضُ في صدري بحارٌ كنتِ يومًا ما بها
لكنَّ موجَكِ
في مساءٍ حالكٍ يطأُ الفؤادَ إذا سَعِدْ
 
عيناكِ قدسٌ
تائهٌ في دربِ أيَّامِ الظَّلامِ المُستَبِدْ
 
عيناكِ "مبكى" لايزورُ ترابَهُ إلا البُكاءُ ولا يواسيهِ أحَدْ
عيناكِ صمتُ جنازةٍ
حملتَ شهيدَ جروحِها
خَرَجَتْ على دربِ الخَليلِ بلا قِماطٍ
حيثُ تعرِفُها القبورُ كظِلِّ أيَّامٍ تُعَدْ
 
عهدًا سنُمسِك مِدفعًا
ونَردُّ أوطانًا مضتْ ستونَ عامًا دونَ ردْ
 
وغدًا ستصبحُ قبةُ القدسِ العتيقةِ مركبًا
في قلبِ بحرٍ هادئٍ
هل في كتابِ عقيدتي قولٌ يُرَدْ
 
فالحرفُ نجمٌ ثاقبٌ
"ألِفٌ" أعودُ..أرى..أبي
"لامٌ" لئن لمْ ينتهوا فاعصفْ بِهمْ
و"الميمُ" مائدةُ الطَّعامِ بكلِّ يَدْ
 
هم يُبحرونَ بكلِّ قَصدٍ في بحارِ حبيبتي
يَستنشقونَ هواءَ شارعِها الفسيحِ
يُذَبِّحونَ الزَّهرَ من أعناقِهِ ونقولُ من فينا الأشَدْ!
أطفالُ قريتِنا زهورٌ
والسَّنابلُ صافحتْ وجهَ السَّحابِ
فأسقطَ المطرَ الجريحَ على الرُّبى
إذ تعرفُ الشَّيخَ الكبيرَ من العَصا
والطفلَ من ضَحِكاتهِ وبراءةِ الوجهِ المدلَّلِ
والمناضلَ إذ يُلَثِّمُ رأسَهُ ويَهُدُّ بالقلبِ المُدجَّجِ ألفَ سَدْ
 
لو يبصرونَ فإنهم عُميٌ بغيرِ بصيرةٍ
فلمن أصوغُكِ إنْ أردتُ صياغةَ المأساةِ بين ضلوعِنا
ويداكِ ترتجفانِ من ألمٍ وكَدْ
 
يامن رسمتِ الحبَّ فوقَ ملابسي البيضاءِ دمعًا
لا أرى أيَّ ابتسامٍ في عيونِ الأرضِ
يُدنيني من الوطنِ المُسافرِ
في دروبِ القلبِ حتى يَستريحَ كما وَعَدْ
 
لازلتُ أبصركِ ابتسامةَ حزنِنا
وبقيةً
ممن تبقوا حولنا
يتنفسونَ الصبرَ فجرًا خشيةً من غَدرِ غَدْ
© 2024 - موقع الشعر