سؤال قبل الموت - عبدالله سليمان الخطيب

قالوا: واقتادوني الى المقصلة
تمنّ قبل نفاذ الحكم
واطلب ما شئت من الدنيا
فأنت الآن في الغرفة المفصلة
أدرت العين فيمن حولي
شاهدت امرأة تعبر من بعيد مسرعة
قلت:
يا قاتلتي ... يا قاتلتي ..
يا قاتلتي بحد السيف المسنون
هل زرت مقابر أهلي؟!
في بلد العسكر عند الفجر
هل كنت عند سماء الكون؟!
و العسكر في رقصة سكر و مجون
هل زرت وادي الصمت؟!
هل شاهدت الأطفال يساقون الى الموت جماعات كشياه تحشر في يوم الزينة
تحت القصر ..
و تحت الشمس..
و في حر الدحنون !!
يا قاتلتي ... يا قاتلتي ... يا قاتلتي ..
إني أشكو من ألم الجوع في هذا الزمن الكافر ..
لا أشكو حر الصيف و برد شتاء الليل ..
و هذا البحر يمد فيعلو الموج وراء جبال الصمت
و يدفن في الرمل قبور الفرعون
يا قاتلتي ... يا قاتلتي ... يا قاتلتي ..
هل انت غبار الزمن الماضي؟!
هل انت الفردوس المفقود وراء الظنون؟!
لا أدري ......؟؟
لكني أدري أنك فاتنتي
اني اركب في هذا البحر شراع الريح
و القي مرساتي فوق رصيف الموت
و في عمق الصحراء
و كنت اطوف بهذا الليل صباح مساء
اشاهد كل معارض لهو القوم ..
اشاهد هذا الشعب سكارى ..
لا يدرون ماذا في الليل يكون ..
فترجلت صباح السبت الماضي ... قبل قرون
و مشيت انادي .. سكان المعمورة في بحر دمائي .
اهدره السلطان بمرسوم
صدقه حراس القصر و قالوا:
هذا شبق يوشك ان يغتصب نساء القوم بغير استئذان ..!
هذا متآمر،
ينوي ان يُحدث تغييرا في كتب السلطان
فليُقتل بالسيف ..
فليُقتل بالغاز ..
فليُقتل شنقا حتى الموت ..
قال النوتي القابع في قعر المركب:
فليربط بالحبل و يلقى في البحر
يأكله القرش
و نخلص من وجع القلب ..
قال نوتيٌ اخر: لم ينطق بالخير ابدا ..
هذا شيطان يكتب شعرا
و يعلّم اطفال المذبح
ما يفضح اسرار السلطة، في الحاضر و الامس
و يعلّم مثل نبي مطرود من كل بقاع الارض..
قليقتل حيث يكون ..
قال البحار الممسك بالدفة:
لا تفعل يا نوتي البحارة ..
ان الله سيقلب هذا المركب
ان انت فعلت المنكر
فالشاعر لا يقوى ان ينظم قافية
حين يكون الجوع ..
يعشش في الامعاء و تحت الابطين
و فوق الظهر منذ قرون ..
فاتركه لهذا القدَر المكتوب عليه ، يمت من الم الجوع ..
و احزان جماعات الشعب المكبوت
فاحتملتني تلك المرأه
عبرت ذاك الشارع
نادت:
قالت:
من انت ؟!
اني آنست الغربة تعلق في نعليك
و غبار الاسفار ... لا زالت عالقة فوق جبينك
فاشرح لي اسباب القتل في بيروت
واشرح لي اسباب القتل في الكوت
قلت:
منذ قرون،
اسمع ان زناة الليل يزورون
يزورون نجوم التبانة، هناك ..
و تحميهم سيوف بني مرة
و الكلبي
و ذاك الشرطي الواقف خلف الابواب
و اهل الذمة في كل مكان ..
هل حقا هذا يا مولاتي، كان ؟!
و سوف يكون ؟!
قالت:
تحميهم آلهة الحرب الخرساء
فلماذا لا تتخذ إلهاً يحميك ؟؟
و تحمي نفسك من كل بلاءْ ..
و لماذا تجعل من نفسك نافذةً
تدخل منها الريح
و يطل عليك قراد الخيل في الطرقات ..
قلت:
يتعرون على الشرفات
قالت:
انت ايضا تتعرى و تحب العري
فهل افسدك الدهر
و طول المكث في هذا البئر المظلمة القاع
لا تدري كيف تخرج منها
انا انبيك طريق الخرج
و درب التبانة
توصل في هذا الليل الى كل حنايا القلب،
فاسلكها ان شئت
والا فالقبر هناك
و ستدفن ميتا او حيا ، سيان ..
فاخرج يا مولاي من ذاك الماضي
و اخرج من عزلتك
فالعالم مشتاق لسماع صراخ الاطفال
في الطرقات المهجورة منذ رحيلك
في القرن الاول من نشأة هذا الكون
يومئذ؛
شاهدت طيورا تبكي يوم رحيلك
و تغني للوعد
و طير الرعد
و لم تأت ..
و لازالت تنتظر قدومك عند الفجر
و تستطلع كل الشرفات
قلت:
يا قاتلتي ... يا قاتلتي ... يا قاتلتي ..
يا زمني الضائع بين الليل و هذي الطرقات
يا قدٓري المتخم بالجوع و عري الساقين
فوق الارصفة المغتصبه
و عبر سني العمر المهجور
على ابواب الردة في تلك السنوات
و قلت:
هل علمت مولاتي
اني اركض في هذي الصحراء
و حين اراها انتعل الرمل
اجازف بالروح لاحميها
او احملها فوق ربيع العمر
و اهرب من وجه العسكر
عبر المدن الخرساء
المنسية في ليل الشهوات
يا مولاتي:
اني استسلم للوجع الليلي و مأساتي
اني ازداد طموحا في كل صباح
لكن الجند و هذا السلطان
يطاردني في كل طريق
حتى ضاقت بي الارض
فأسلمت الساقين لتلك الريح
اسابق احلام السلطان
و هذا العسكر يصطاد حمائم قلبي،
حمائم روحي في كل مساء
و عند المفترقات ...
© 2024 - موقع الشعر