أراك عصي الدمع، شمتك الصبر، - أبي فراس الحمداني

1- أراك عصي الدمع، شمتك الصبر،
أما للهوى نهى عليك ولا أمر؟

2 – بلى، أنا مشتاق، وعندي لوعة،
ولكن مثلي لا يذاع له سرا

3 – إذا الليل، أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائفه الكبر

4 – تكاد تضيء النار، بين جوانحي،
إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

5 – معللتي بالوصل، والموت دونه،
إذا مت ظمأنا، فلا نزل القطر

6 – حفظت وضيعت المودة بيننا
وأحسن، من بعض الوفاء لك، العذر

7 – وما هذه الأيام إلا صحائف
لأحرفها، من كف كاتبها، بشر

8 – بنفسي، من الغادين في الحي، غادة
هواي لها ذنب، وبهجتها عذر

9 – تروغ إلى الواشين في، وإن لي
لأذنا بها، عن كل واشية، وقر

10 – بدوت، وأهلي حاضرون، لأنني
أرى أن دارا، لست من أهلها، قفر

11 – وهاربت قومي في هواك، وإنهم
وإياي، لولا حبك، الماء والخمر

12 – فإن كان ما قال الوشاة ولم يكن
فقد يهدم الإيمان ما شيد الكفر

13 – وفيت، وفي بعض الوفاء مذلة،
لآنسة في الحي شيمتها الغدر

14 – وقور، وريعان الصبا يستفزها،
فتأرن، أحيانا، كما يأرن المهر

15 – تسائلني : من أنت ؟ وهي عليمة،
وهل بفتى مثلي على حاله نكر؟

16 – فقلت، كما شاءت، وشاء لها الهوى :
قتيلك قالت : أيهم ؟ فهم كثر

17 – فقلت لها : لو شئت لم تتعنتي،
ولم تسألي عني، وعندك بي خبر

18 – فقالت : لقد أزرى بك الدهر بعدنا
فقلت : معاذ الله بل أنت لا الدهر،

19 – وما كان للأحزان، لولاك، مسلك
إلى القلب، لكن الهوى للبلى جسر

20 – وتهلك، بين الهزل والجد، مهجة،
إذا ما عداها البين عذبها الفكر

21 – فأيقنت أن لا عز، بعدي، لعاشق،
وأن يدي مما علقت به صفر

22 – وقلبت أمري لا أرى لي راحة،
إذا الهم أسلاني ألح بي الهجر

23 – فعدت إلى حكم الزمان وحكمها،
لها الذنب لا تجري به ولي العذر

24 – كأني أنادي، دون ميثاء، طبية،
على شرف ظيماء، جللها الذعر

25 – تجفل حينا، ثم تدنو كأنما
تنادي طلا، بالواد، أعجزه الحضر

26 – فلا تنكريني، يابنة العم، إنه
ليعرف من أنكرته : البدو والحضر

27 – ولا تنكريني، إنني غير منكر
إذا زلت الأقدام، واستنزل النضر

28 – وإني لجرار لكل كتيبة
معودة أن لا يخل بها النصر

29 – وإني لنزال بكل مخوفة
كثير إلى نزالها النظر الشزر

30 – فأظمأ حتى ترتوي البيض والقنا
وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر

31 – ولا أصبح الحي الخلوف بغارة
ولا الجيش مالم تأته، قبلي النذر

32 – ويا رب دار، لم تخفني، منيعة
طلعت عليها بالردى، أنا والفجر

33 – وحي رددت الخيل حتى ملكته
هزيما وردتني البراقع والخمر

34 – وساحبة الأذيال نحوي، لقيتها
فلم يلقها جهم اللقاء، ولا وعر

35 – وهبت لها ما حازة الجيش، كله،
ورحت، ولم يكشف لأثوابها ستر

36 – ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى،
ولا بات يثنيني عن الكرم

37 – وما حاجتي بالمال أبغى وفورة ؟
إذا لم أفر عرضي فلا وفر الوفر

38 – أسرت وما صحبي بعزل، لذى الوغي،
ولا فرسي مهر، ولا بره غمر

39 – ولكن إذا حم القضاء على أمرئ
فليس له بر يقيه، ولا بحر

40 – وقال أصحابي : الفرار أو الردى ؟
فقلت : هما أمران، أحلاهما مر

41 – ولكنني أمضي، لما لا يعيبني
وحسبك من أمرين خيرهما الأسر

42 – يقولون لي : بعت السلامة بالردى
فقلت : أما والله، ما نالني خسر

43 – وهل يتجافى عني الموت ساعة، إذا ما تجافى عني الأسر والضر
44 – هو الموت، فاختر ما علا لك ذكره

فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر
45 – ولا خير في دفع الردى بمذلة

كما ردها، يوما، بسوءته عمرو
46 – يمنون أن خلوا ثيابي، إنما

على ثياب، من دمائهم، حمر
47 – وقائم سيفي، فيهم، اندق نصله

وأعقاب رمحي، فيهم، حطم الصدر
48 – سيذكرني قومي، إذا جد جدهم،

وفي الليلة الظلماء، يفتقد البدر
49 – فإن عشت فالطعن الذي يعرفونه

وتلك القنا، والبيض والضمر الشقر
50 – وإن مت، فالإنسان لابد ميت،

وإن طالت الأيام، وانفسح العمر
51 – ولو سد غيري، ما سددت، اكتفوا به

وما كان يغلو التبر، لو نفق الصفر
52 – ونحن أناس، لا توسط عندنا،

لنا الصدر، دون العالمين، أو القبر
53 – تهون علينا في المعالي نفوسنا،

ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
54 – أعز بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا،

وأكرم من فوق التراب، ولا فخر
© 2024 - موقع الشعر