أنِخْ رِكَابَك - وليد السقاف

أنِخْ رِكَابَك بِدَمعٍ على العَتَبِ
و إبْكِ فُؤادَك فلا بُدَ مِن العَتَبِ

طَالَ مِنْكَ الجَفاءُ و النَفسُ تَدرِي
أنَ لِكُلِ نَفسٍ ما قَدْمَت مُنقَلَبِ

إلامَ الجَهلُ مَا دام الدهرُ يَجرِي
ألا يَكفِيك تَعباً مِن هَذا اللَعِبِ

خَالقُ الخَلقِ فَوقَ الأنْجُمِ ينَظُرُك
و أنتَ تَهِيمُ فَوقَ الأرضِ في شَغَبِ

فَانْظُر قبَلكَ في سَالفِ الزَمنِ
أعَزُ أُمَمٍ وَلتْ بِلا رَيبِ

فَخُذِ العِبرةَ و إقرأ في السِيرِ
و إعزِلْ نَفسَك بَين ذِي الكُتِبِ

خَيرُ النَفائسِ ما دَامَت مَطايِبُه
تشْذِيِ عَطاءً, فَما بَالكَ بالقُطبِ

عِبرَ الزمَانِ طافتْ بِهِ سيرٌ
و لم تلحَقْ بسِيرةِ سَيدُ الرَكْبِ

سِيرةُ مَن إصطفَاهُ اللهُ حَبيِباً
و بَاركَ بِه الكَونَ, فابتَسمَ بُحبِ

و أضَاءتْ الشَمسُ بأحَلىَ ضَوئها
فأسْدَلتْ خُيوطاً آلتْ إلى ذَهَبِ

و جَاء القِرطاسُ و مِن بَعدُ القَلمِ
يُسَابِقُ نفسَه في خَطِ العَجَبِ

مِن أينَ يَبدأ و إلى أينَ ينَتهِي
في ذِكْرِ حَبِيبٍ مِنهُ سَيتْعَبِ

في كُلِ زَمنٍ عَجِزَتْ رِجَالُها
في سَردِ عِطرِه بِلا نَصَبِ

و إنْ طافَ ذِكْرُ مُحمداً في مَجلسٍ
تَرىَ المَلائِكُ حَولكَ في أدَبِ

يُصلوُنَ عَليِه حَالَ سَماعِ اسمُهُ
فالله أمَرهُمْ بِذلكَ و أوُجَبِ

فلا تفُوتُك صَلاةٌ على حَبيِبهِ
فإنَ ذلكَ مِن المَولى يُقَرِبِ

سَيدُ الِرجَالِ ما حَظيَ غَيرُه
بِذا مَجدٍ, و مَا مِنْ مُكَذِبِ

الخَيرُ لحَظَ مَولدِه أقبَل مُسرِعاً
يَهبِطُ مِنَ السَماء لِيَنعَمَ بِالقُربِ

فإنَ الصَاحبَ مُحمدٌ ذو الشَرفِ
سَيرقَى بِهِ إلى مَا بَعدَ الشُهبِ

و يبَلغُ مَا لَمْ يَبلغُه بِه مَكانَةً
مَعَ رُسلٍ قبَلهُ جَاءتْ بِكُتُبِ

فَهوَ خِتَامُ زَهَا الختَمُ بِمسكِه
كَاملُ الأوصَافِ إمَامُنا في الدَربِ

تنَاثرَتْ سَجاياهُ مِنْ فُرْطِ كَنزِه
و لمَسَتْ بِحُسنِها كُلِ ذِي قَلبِ

رَؤوُفٌ بِالغَيرِ و إنْ أقَبلَ عَادِياً
يَهَبُ العَفو فَهوَ خَيرُ مَن وَهَبِ

فَذِيِ مَكَةَ يَومَ فَتْحِهَا
شَهِدَتْ عَفواً مِن طهَ بِحُبِ

أطلقَ سَراحَ كُلَ مَن بِمكةِ
إلا أصنَاماً مِن حَجرٍ و خَشَبِ

سَاوىَ بِها الأرضُ تُراباً
و نَصرَ الحَقَ و أكَرمَ ذِي قُربِ

و حَارَتْ الأمَمُ فيِ صيِتِ حِلمِه
و شَهدَ بِذَلكَ كُلَ قَومٍ في العَربِ

و لا يَغضَبُ إلا لِلحَقِ بِشدَةٍ
غَضَبةُ أسَدٍ لا تُرِيدَه يَغضَبِ

فَما كُلُ مَن سَادَ القَومَ بِسَيدٍ
و مَا كُلُ مَن وصَلَ المَاءَ شَرِبِ

إن لَمْ يَكنْ أحَمدَ إِمَامُ نَهجِهِ
لَنْ يَشفَعْ له ولَو كَان ذو نَسَبِ

فاقْرَأِ سيرَتَه و إتَعِظْ بِهَا
تَبْنِي بِنَاءً عَالِي ذِي قِبَبِ

و بِالفِعلِ و القَولِ إعْمَل بِهَا
فَكُلُ عَملٍ له قَدْرٌ و مُحْتَسَبِ

و إجعَل إلهَكَ في القَلبِ دَائِماً
بِخَوفٍ و حُبٍ و لِقَاءٍ مُرتَقَبِ

© 2024 - موقع الشعر